الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التقمص في الديانة الدرزية حامل الحكاية في رواية «سرمدة»

خلف علي الخلف

2014 / 6 / 9
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


قبل أكثر من عامين أعطاني فادي عزام نسخة من روايته الأولى سرمدة الصادرة في ذلك الوقت. أعدتها له وطلبت منه أن يعطيها لشخص آخر؛ لأني كففتُ عن قراءة الورق وطلبت منه أن يرسل لي نسخة إلكترونية، لم يفعل هو ولم أطلبها مرة أخرى إلا من فترة قصيرة بعد أن عثرت عليها مقرصنة لكن بصفحتين في الصفحة الواحدة وهو مايجعلها متعبة في القراءة على الآيباد.

الحكاية
يسرد الكاتب حكاية قرية في الجبل، الذي يرد دون لاحقة في الرواية كنوعٍ من حل للإسم أو كما يختصره أهله، جبل الدروز أو جبل العرب حسب الرغبة. يرجع في تاريخ القرية مستذكراً إياه بشكل متقطع من العثمانيين وحتى حرب تموز التي في 2006 التي حدثت نتيجة قيام حزب الله بخطف جنود إسرائيليين في الجنوب اللبناني واستعادت سرمدة على إثرها جثمان أحد أبنائها ممن قتلوا هناك.

حيلة الروائي
يستخدم الروائي أحد المعتقدات الدرزية «التقمص» ليجعلها حاملاً لحكاية القرية ومفتتحاً غرائبياً يحرض على التشويق والقراءة ويظهر من خلال السرد محاولة لشرح هذا المعتقد وتبيان اختلافه عن معتقدات بعض الديانات الأخرى، من خلال أستاذة الفيزياء الكمية التي يصادفها في باريس؛ ذات الأصل اللبناني الدرزي التي تخبره عن حياتها السابقة في قريته سرمدة باسم هيلا منصور، وحين يعود الراوي إلى سرمدة يتتبع حياة هيلا منصور النسخة السابقة من عزة الأستاذة الجامعية ويطابقه مع ماروته له وهي التي لم تزر القرية لكنها تخبره عن تفاصيل أحداث من حياتها مدعمة بتحديد لأماكن في القرية.

عالم سرمدة
من خلال الأحداث الأبرز التي حفرت وجدان الناس في سرمدة يعرج الروائي إلى تصوير عادات وتقاليد وأحلام ومعيشة واقتصاد الناس في القرية المتعددة الديانات [مسلمين، مسيحيين، دروز] وبعضا من الطقوس الدينية، ويبرز أولوية العادات الإجتماعية على المعتقدات الدينية فأطفال القرية جميعهم يختنون حتى المسيحيين، والأطفال يعمدون في الكنيسة ويحتفلون بالاعياد بشكلٍ مشترك، وكذلك من تتزوج من خارج الطائفة تقتل رغم أن لانص ديني درزي يقول ذلك. وهو ماحدث لهيلا منصور التي شكلت حكايتها عمود الرواية. والتي قتلها أخوتها في مشهد مسرحي حفر في وجدان الناس لزمن طويل؛ لزواجها من رجلٍ من خارج الطائفة، وتسامح مجتمع القرية بآن مع فريدة التي كان يعبر من خلالها مراهقو القرية إلى عالم الرجولة بتواطؤ وصمت الجميع، بل إن الأخ الأكبر الذي شارك أخوته بقتل أخته بسبب الزواج يوصل أخيه الأصغر لفريدة.

ملاحظات على السرد وتقنيات الكتابة
- يقسم الروائي كتابه إلى ثلاث فصول بأسماء شخوص أنثوية في الرواية، عزة الشخصية المتقَمِصة وليس هيلا الشخصية المتُتقَمَصة، وفريدة وبثينة. في الفصل الأول يكثر الراوي من تدخلاته مما يجعل سياق الكتابة وأسلوبها أقرب لتقرير صحفي عن واقعة معينة يتدخل فيه الصحفي ليروي معايناته وشهوده وقد كان حشر الراوي لخلق نوعاً من التقطيع في الحكاية «مدمراً» لهذا الفصل الذي بدا كتمرين أولي على الكتابة الروائية، هذا الأسلوب الذي يخف ويكاد يختفي في الفصلين اللاحقين، الذين لا علاقة للاسماء كثيرا بمضمونها فهي تظل دائما تروي سيرة سرمدة وليس عنوان الفصل، كما أن الحيلة التي استخدمها الروائي في الفصل الأول ينساها في الفصول اللاحقة ولايعود لها أثرا إلا في خاتمة الرواية.

- الكاتب مثله مثل عموم الروائيين العرب يجب أن يمر على تأثير هزيمة حزيران على القرية وعبد الناصر والوحدة وفلسطين وأضاف لها حزب الله ولبنان كذاكرة جديدة؛ كما أنه مثل الروائيين العرب يجب أن يمر على البعثيين والشيوعيين والليبراليين والشعراء والمؤلفين ورجال الدين واللامنتمين ويبرز شخوص من سرمدة تمثل هذه الاتجاهات وقد غاب اليهود عن هذه المعمعة.!

- تدخل الكاتب في تنظيراته وآراءه في مقاطع كثيرة من الرواية للدرجة التي يغيب فيها السرد والراوي والشخوص في هذه التدخلات ليظل فادي عزام [الروائي] يحدثنا عن أرائه في العلاقة بين الشرق والغرب وأهمية سرمدة التي تتجاوز باريس ودبي والتي يهجوهما ويعلي من شأن القرية بإيمانية تذكر بسذاجات كتابات الريف الرومانسية، [ولا أدري كيف وقع فادي بهذا المطب] وكذلك أرائه في الثورة السورية الكبرى والنظام والعدالة الاجتماعية والدين والشعر وتحديدا رامبو والفلسفة وأحياناً دون أن يكون هذا الكلام منسوباً لا لشخصية ولا للراوي الذي يحضر بصيغة الأنا.

- في أماكن كثيرة من الرواية يلتبس على الكاتب التفرقة بينه وبين شخوصه فكل ما أراد أن يقوله عن رامبو قاله على لسان ابن فريدة وهناك صفحات مدهشة عن صخور اللجاة فيها تأملات لمغزى الحياة وعائدية الكائن، لكنه للأسف لم يجد شخصاً يحمله فحمله لابن فريدة المراهق؛ بل أحيانا لم يتورع أن يقوّل الأطفال أحاسيسهم ويفلسفها على لسانهم المضمر الذي يتحدث به الراوي.

- العين الساحرة للكاتب في التقاطها الهامشي من حياة قرية هامشية وإبصاره وإدراكه والذهاب إلى عمق هذه الأشياء وإزالة القشور من حولها وترك الشخصيات لمصائرها غير المصنعة والتي لا يتدخل فيها الروائي أو لايظهر تدخله فيها [ماعدا شخصية الأستاذ حمود في اختيار نهايتها] وكذلك الإلمام بتفاصيل الحياة في القرية عبر حقبة مديدة إضافة لغرائبية تتالي الوقائع التي تذكر بأدب السحرة في أمريكا اللاتينية [وهو مابدا أثره واضحا] جعل الرواية تمضي بسلاسة إلى خاتمتها.

الخلاصة
يثبت فادي عزام في روايته الأولى أنه صاحب موهبة واضحة لكن «تدخلاته» الثقافية ومحاولته خلق أسلوب روي وسرد أفسد تسلسل متعة القراءة، ولو أزلنا هذه التدخلات التي تأخذ حيزا قليلا من حجم العمل لكانت حصيلة القراءة ممتعة. وإذا قارناها بالروايات الأولى لروائيين آخرين مكرسين لكانت في المقدمة. إنها بالمحصلة رواية جديرة بالقراءة رغم ما فيها مشاكل الكتابة الأولى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -عفوا أوروبا-.. سيارة الأحلام أصبحت صينية!! • فرانس 24


.. فيديو صادم التقط في شوارع نيويورك.. شاهد تعرض نساء للكم والص




.. رمى المقص من يده وركض خارجًا.. حلاق ينقذ طفلة صغيرة من الدهس


.. انقلاب سيارة وزير الأمن القومي إيتمار #بن_غفير في حادث مروري




.. مولدوفا: عين بوتين علينا بعد أوكرانيا. فهل تفتح روسيا جبهة أ