الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في بؤس الإعلام المصري

سمير الحمادي

2014 / 7 / 4
الصحافة والاعلام


الذي يتابع ما ينشره الإعلام المصري (الفضائيات خصوصاً) عن الإخوان المسلمين منذ ثورة 25 يناير سيخرج بنتيجة واحدة مفادها أن هؤلاء (أي الإخوان) مسئولون تماماً وكلياً عن كل الحوادث والكوارث والمصائب والنوائب والجرائم والجنايات والجنح والمخالفات التي مرت على الأرض منذ عهد جدنا ادم حتى اللحظة (ألم يقل المذيع المفوه محمد الغيطي في برنامج له على قناة "التحرير" إن الإخوان المسلمين هم "السبب في سقوط الأندلس"؟؟؟).

بل إن الشيطان نفسه إذا سمع كلام الإعلام المصري عن الإخوان سيخاف ويهرب من مصر حتى لا يقع بين أيديهم ذات صدفة، فيصيبه شيء من قسوتهم وجبروتهم وظلمهم وطغيانهم وإجرامهم تآمرهم وخيانتهم وتخابرهم مع أمريكا وإسرائيل والاتحاد الأوربي وتركيا وإيران وقطر وحركة حماس وحزب الله وتنظم القاعدة ووو...، خاصة بعد أن رأينا ما فعلوه في اعتصام ميدان رابعة السنة الماضية، عندما قاموا (بحسب مذيعي الفضائيات المصرية) بتعذيب وقتل الناس بدم بارد، ودفنوا جثثهم في مقابر جماعية، وخزنوا القنابل والمدافع والصواريخ والدبابات ومضادات الطائرات وغيرها من أسلحة الحرب الثقيلة، وخصبوا اليورانيوم وجهزوا الغواصات النووية استعدادا لساعة الصفر التي يبدو أنها لم تأت بعد.

والحقيقة أنه لو كان جوزيف غوبلز وزير الدعاية النازي حياً حتى الآن لتبرأ من كثير مما تعرضه هذه الأيام الميديا المصرية من أكاذيب وادعاءات ينكرها الضمير الإنساني قبل أن يعاقب عليها القانون. فهذا الألماني الذي تخصص وأبدع في الكذب والتضليل وقلب الحقائق لم يكن يتصور أن يظهر في المستقبل، في العالم العربي تحديداً، من سيتجاوزه ويتفوق عليه في "الدعاية الرمادية" (أخطر أنواع "الدعاية السياسية") التي كان وما يزال عرابها ومنظرها الأول.

إن الكذب والاحتيال والتضليل وغياب الترتيب / اللزوم المنطقي هي المكونات الأساسية في كل أنواع العجين الذي تتشكل منه "الدعاية السياسية" عموماً، وذلك منذ ظهور هذا المصطلح في أوربا في القرن السابع عشر (أنشأت فرنسا أول وزارة خاصة بالدعاية سنة 1729)، وقد أنفق الفرنسي غي دورندان عشرين عاماً من عمره ليؤكد هذه الحقيقة في كتابه المرجعي "أسس الكذب" الذي أثار ضجة كبرى عند صدوره في سبعينيات القرن الماضي (ننصح أيضا بقراءة كتابه الثاني "الدعاية والدعاية السياسية" ومقارنة تحليله بمجريات الصراع الجاري في مصر)، بيد أن هناك قدراً من الاحترام الواجب للعقل يجب أن يلتزم به صناع هذا النوع من الدعاية البائسة التي أثبت التاريخ في محطات كثيرة أنها قادرة وحدها على حسم الصراعات والمعارك والحروب وإلحاق الهزيمة بالخصوم والأعداء دون حتى أن يصل الأمر إلى مرحلة الاشتباك المباشر بالأسلحة المادية.

إن الإعلام المصري يستند في إدارة صراعه مع الإخوان المسلمين (والتيار الإسلامي عموماً) منذ توليهم الحكم، وحتى بعد إطاحتهم، إلى العناصر والتقنيات الأساسية التي يقوم عليها "فقه المغالطات"، وهي العناصر/ التقنيات نفسها التي تشكل المادة الخام لكل "دعاية سياسية" من النوع / اللون الرمادي، ومنها: التعميم الاستقرائي، تجاهل المطلوب، الرنجة الحمراء (= تحويل الانتباه)، الاستهداف الشخصي، تسميم البئر، الاحتكام إلى العامة، الرهان على الجهل، منطق العصا، اللغة المفخخة، الإحراج الزائف (= إما معنا أو ضدنا)، المغالطة البَعدية، التفكير التشبيهي، الذنب بالتداعي (= ربط الدعوى بما لا يجب)، سرير بروكرُسْت (لَي الحقائق وتلفيق البيانات)... الخ، وبعد عام كامل من التنفيذ (خلال فترة حكم مرسي) لا مناص من الاعتراف بأنه نجح في تحقيق هدفه الاستراتيجي (إطاحة الإخوان من السلطة) بإخراج درامي متقن، لكن الثمن الذي دفعه في المقابل لم يكن سهلاً (وهو الثمن نفسه الذي دفعه الليبراليون الساكتون عن الحق في مصر والعالم العربي): فقدان المصداقية الأخلاقية بشكل كامل ونهائي.

الإعلام المصري بعد ثورة 25 يناير يستحق عن جدارة الجائزة الأولى في التهافت والرداءة، وإذا كان الإخوان المسلمون قد أثبتوا على مدار تاريخهم أنهم ساقطون إعلامياً، فإن عليهم أن يفخروا اليوم بأنهم، ومن دون قصد، نجحوا في جر خصومهم السياسيين والأيديولوجيين إلى المستنقع نفسه.

اليوم لا أحد أحسن من أحد، سقطت الأقنعة وظهرت الوجوه على طبيعتها.

كنا نعرف دائماً أن الإسلاميين ليسوا على قلب رجل واحد، وأن التمايزات القائمة بينهم حقيقية ومؤثرة، وأنهم في المجمل (إخوان وسلفيين) دجالون (دينياً وسياسياً) ومناورون وحمالو أوجه ويقولون ما لا يفعلون، أما الآن فصرنا نعرف أن من يوجد على الطرف الآخر: أي دعاة الحريات من ليبراليي هذا الزمان (أو معظمهم حتى لا نقع في ذنب التعميم) ليسوا أفضل حالاً: ليسوا ليبراليين تماماً كما يدعون، وإنما ليبراليون مزيفون أو فرز ثاني (فالصو يعني) لا يحملون من أصول وقيم الليبرالية إلا القشرة.. للأسف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الولايات المتحدة و17 دولة تطالب حماس بإطلاق سراح الرهائن الإ


.. انتشال نحو 400 جثة من ثلاث مقابر جماعية في خان يونس بغزة




.. الجيش الإسرائيلي يعلن قصف 30 هدفا لحماس في رفح • فرانس 24


.. كلاسيكو العين والوحدة نهائي غير ومباراة غير




.. وفد مصري يزور إسرائيل في مسعى لإنجاح مفاوضات التهدئة وصفقة ا