الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حينما تبوح ذاكرة البيدق باعترافاتها , قراءة في رواية من اعترافات ذاكرة البيدق لعباس خلف .

علي حسين يوسف
(Ali Huseein Yousif)

2014 / 7 / 6
الادب والفن


منذ العتبة النصية الاولى على رأي جيرار جيبت تضعنا الرواية بوصفنا لعبة بيد الاقدار _ الاقدار السيئة _ ربما لأننا عراقيون , عرب , مسلمون , لكن ليس كل ما يعرف يقال لذلك .... نحن امام جزء صغير من اعترافات بيدق , وللحرف(من) دلالته التي تفيد التبعيض اذا هي اعترافات بائسة لكنها مزهوة بفعل الاعتراف بحد ذاته ... اعترافات بيدق مختزنة في ذاكرته التي صمدت بوجه الايادي التي مارست نزواتها به .
وليس من المبالغة ان يشعر القارئ للرواية هذه بأنه ازاء عمل اقل ما يمكن ان يقال فيه انه يستحق القراءة , ربما لجاذبية السرد , بل ربما لأنه يأسر القارئ بجمله الاخاذة , وصياغته البلاغية التي على الرغم من وجود بعض الملاحظات الا انها تستحوذ على لبه وتفرض نفسها عليه فرضا بل تقيده بتصوراتها حتى يأتي على اخر الرواية منتشيا بجمال السبك , ومتعة السرد.
السرد في ذاكرة البيدق لا يسير على وتيرة واحدة ... انه يمارس لعبة الانا والاخر بجدلية طغت عليها تقنيات كثيرة : الفلاش باك , الكولاج, التاريخية , الاختزال , السيناريو , التقطيع, الوصف, التكثيف , المجازات, لكن الاجمل ما فيه تلك الحكمة الطاغية التي تفوح بين ثنايا الاسطر .
ولا نريد الخوض في كيفية التصرف بالعناصر الاساسية للسرد الروائي في ذاكرة البيدق فهذا امر يتطلب وقتا اطول من هذا, لكن لابد من القول: ان تلك العناصر الستة واقصد: العقدة ,الشخصيات, السرد, البيئة, الفكرة الاسلوب, اكتست بطابع جمال واضح.
فالعقدة او الحبكة امتازت بالشد والاسر والتكثيف من ناحية العرض, وتصاعد الاحداث وذروتها ونزولها ووصولها الى الخاتمة او الحل الذي انتهت بالتصالح مع الذات قبل التصالح مع الاخر , ولم نجد في العقدة مجالا للصدفة والافتعال , بل كانت مركبة بشكل مقنع لم تشعرنا بأية آلية او قسرية ... فيها من التناسق والتناسب بين الاحداث ما جعلها تسير دون تلكؤ , فضلا على خلوها مما يشوب الحبكة عادة من حشو واسهاب او حذف ممل, فضلا على ان العقدة كانت هنا متماسكة تذكرنا برواية بمدام بوفاري مثلا .. اما الشخصيات فقد كانت تتحرك بعفوية بقسميها الثابتة والنامية , وقد اعتمدت الرواية على طريقة التحليل , فالقاص قد تكفل بتحليل سمات شخصياته , لكن ما يؤخذ عليه في هذا المجال انه مال الى وصف الحدث اكثر من وصف الشخصيات ذاتها الا في بعض المواضع مثل رسمه لشخصية المجندة الايرلندية .
اما السرد الذي يعني في ابسط تعريفاته :تطويع الحدث الواقعي ونقله الى حدث لغوي بطريقه مباشرة ملحمية, او بطريقه ذاتية, فقد كان في ذاكرة البيدق يميل الى الطريقة الثانية مع الافادة من الطرق الواقعية او تيار الوعي .
اما البيئة, والمقصود بها الزمان, والمكان, فقد كانا عاملين مؤثرين في تحديد الشخصيات , فضلا على وضوحها ودلالتها فقد كانا عراقيين بامتياز.
اما فكرة الرواية وثيمتها الاساسية فقد اوحت بمغزها لعام وبينت وجهة نظر القاص عباس خلف في الانسان والمجتمع والحياة عموما , ومما يحسب للرواية ان فكرتها لا يمكن اصطيادها في جملة او فقرة او صفحة او فصل, انما تمثلت في نسيج الرواية كلها, ولا اعتقد ان القارئ يمكنه التوصل الى اصطياد الفكرة في ذاكرة البيدق ما لم يتم قراءتها.
اما الاسلوب الذي كتبت فيه ذاكرة البيدق فقد تميز بالفرادة والعمق الفلسفي, ماعدا بعض الواضع التي بدا فيها تقريرها واضحا بسيطا وعلى الرغم من ذلك لم يكن الاسلوب السردي في هذه الرواية غاية في حد ذاته بل كان وسيلة تأطرت بالصياغات الجميلة من اجل غايات بعيدة المنال, تمثلت في تحقيق الغرض الذي كان يرمي له عباس خلف من روايته , لذلك قد لا يجد القارئ كلمة او جملة, الا وتشي بالتعاضد والتآزر من اجل تلك الغاية , على الرغم مما يحسه القارئ او يشعر به احيانا من ان القاص اسرف في التأمل او الوصف ,لكني اعتقد ان ذلك التأمل او الوصف لم يخل هو الآخر من قيم بلاغية.
ومهما يكن من امر فإن ذاكرة البيدق تميزت بنمط سردي انماز بتبريز عناصر الحكي او القص بطريقة جعلت المكونات السردية :الزمن , والرؤية , والصيغة متواشجة غير متناثرة, فقد كان زمن الرواية منطقيا في حين كان زمن السرد ذاتيا مما خلق مفارقة زمن السرد مع زمن الحكي بطريقة استرجاعية اتسمت بالإيجاب فضلا على توظيفها لوظائف السرد الزخرفية والتقريرية .
ويمكن تقسيم الرواية على لحظات وهي :
لحظات الحكاية الاولى :
1- لحظة التأمل مع الذات _توصيفات_ .
2- لحظة الانقلاب على الذات _ما ورد فيما شبه له او لحظة الولوج في الذات .
3- لحظة غياب الذات , وابراز الحدث الموضوعي _ على ظرف الغيم ينطلي الدفء.
4- لحظة النكوص الى التاريخ من ص 45 وصف ذكريات الحرب العراقية .
5- لحظة الوقوف امام الحدث – حدث الاحتلال من ص 49 – الوصف التفصيلي الدقيق .
6- لحظة الفناء في الاخر- ص 55 حينما وصف الراوي لحظات العشق مع حبيبته اسماء التي ترتد الى الشابندر .
7- الرحلة مع مذكرات الباشوات , مذكرات الشابندر مصطفى خان, والتواشج معها في الكتابة ص 65 الى 79 .
8- لحظة الذكريات مع اسماء 79 .
9- لحظة الحادثة المفرقية وخطف اسماء .
لحظة الحكاية الثانية
وصف فيفين روفائيل المجندة , وعرض الشيخ راهي بن حمود له ان يعوضه خطف اسماء بمجندات من المعسكر الامريكي .
ومن الامور الجميلة في الرواية : تلك اللغة الحكيمة المصاغة بلاغيا , من ذلك قوله :
نفيت بلا احد يرشدني الى صوابي ..اه النسيان (النسيان بعض الاحيان نعمة )ص 23 .
كان بودي ان اعرف __التعريف بماذا ؟ص 32 .
في تلمس مصدر الاحداث نعمة التفاصيل ص 32 .
يقول الجاحظ :حين تلزمك الحجة لا مفر من الاحتكام الى المنطق ص 320 .
لا صدفة في المنطق 32ص .
ومما يحسب للرواية ايضا التلاعب الجميل بتصورات القارئ فمثلا بعد الحديث مع نزار والمرأة التي فقدت عكازها ,يعود القاص ليضع القارئ في دوامة السرد قائلا : ((هل المرأة العجوز وصوت الصبية الذي تتناهى الى سمعي ونزار والرجل الجالس وكيس الرمال والعصا صادفتهم في هذه الرقعة المسجلة في مكاتب الدفن ام اني لم اصادفهم اصلا ماذا ؟ كيف يتحرك المرء ذاته , فعلا جنون ,من يعذر من ؟ : ))
ومن الامور الاخرى التي تحسب للرواية وضع القارئ امام حشد من تفاصيل الاحداث , كما في : على ظرف الغيم ينطلي الدفء . واستعمال الفراغات كما في قصيدة النثر ص 50 , وقوله الملوك اذا دخلوا قرية ......... , وقوله : واعظ ديني يمنع عن دخول القوات الغازية ولكن ........... , واستعمال كلمات اجنبية في اكثر من موضع . والثراء المعلوماتي _مثل ما ورد في الفصل : على ظرف الغيم , و في ص 80 و87 اذ ذكر اسماء روايات وكتب كثيرة .
ومع استمتاعنا بالرواية الا ان قراءتنا قد شابتها عدد من الهنات البسيطة التي يبدو انها من فعل الطباعة او التنضيد , ومن ذلك :
قلت له صدقني __ والا ابلغ اصدقني .
غناء الروح يخرج من تيهة الصحراء __والاصوب من تيه الصحراء او متاهة الصحراء .
سمراء ونحيلة __والاصح سمراء نحيلة , اذ ان حرف العطف الواو يفيد الجمع .
وقد تبدو احيان العبارة غير مستقرة , كما في قوله : لم أر في حياتي مدينة لا تستجيب لصفارة الانذار وهي على وشك قدرها المحتوم او يبدو مراقبته او انتظاره ؟39ص.
وقوله : لم تعد الانوار التي نجت من القصف تسبح في الشوارع اولها اثر يذكر وكأنها مجرد هياكل معلقة ص40 , الاصح لم يعد للأنوار اثر .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا


.. ياحلاوة شعرها تسلم عيون اللي خطب?? يا أبو اللبايش ياقصب من ف




.. الإسكندرانية ييجو هنا?? فرقة فلكلوريتا غنوا لعروسة البحر??