الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وهم الدولة الإسلامية ج2

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2014 / 7 / 22
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


إن التركيز المثير للجدل الذي أستمر لقرابة أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمان قام على وهم حقيقي لا أساس له ولا ركيزة ما عدا الضروريات الطبيعة للمجتمع الإنساني والتي يمكن من تحققها بعيدا عن الدين بشرط توفر القدرة على الإحساس بالإنسان كقيمة وبما أن الدين والأخلاق من العوامل التي تنمي هذه الحاسة والتركيز عليها وإثراءها يتدخل الدين من هذه الزاوية العقلية ليقود الإنسان للتعامل مع الضروريات بشكل فاضل وأحسن وأشد خيرية من تجربة خالية منه.
الدين الذي يمتلك رصيدا شعبيا كبيرا في المجتمعات أيضا يحمل الكثير مما يعلق به من أفكار يسقطها الناس على أساسيات الدين ويظن بحسن نيه أنها جزء منه وبالتالي التمسك بهذه الموضوعات المختلفة تزيد من الشقة والخلاف بين المسلمين في حين أن موضوعات الدين بينه وواضحة ومحددة وقادرة على المعالجة الضرورية في الحالات التي يتصدى لها أهل الأختصاص من الذين يؤمنون أن التطور متاح في فهم النص وليس في أستبداله أو تغيره تبعا للمتغيرات الإنسانية .
هنا يأت دور النخب الفكرية والسياسية المتطورة فالمجتمعات التي تتجمد فيها النخب السياسية والفكرية السائدة ،وتتعامل مع مواقفها وقراءاتها ومناصبها وكأنها من الحيازات والأملاك الشخصية لا يفرقها عنها إلا الموت إنما تتبع في الحقيقة الأنا الطاغية المريضة ، وستعاني هذه المجتمعات الكثير على صعيد تراكم الأخطاء والمصالح الخاصة وما يتبعها من تزاحم وتنازع مرده الحفاظ على حدود الأنا ، والتي تحول دون ممارسة العمل الإداري والسياسي بروح إنسانية وبما ينسجم ومتطلبات العدالة وخدمة الصالح العام الذي هو هدف الدين من وجوده قائدا للمجتمع .
هل يملك أحد اليوم تصورا لو أن الإرادة الربانية فعلا ألزمت المسلمين بإقامة نموذج ديني لدولة مميزة ومغلفة بإطارها الشخصي الخاص مقابل مجتمعات يحكم فيها القانون البشري القائم على النفعية الشمولية والعقد الأجتماعي الملزم وهذا يتطلب منها شيئين محددين أولهما أن يكون مصدر تشريعها ديني صرف دون أن يكون للإنسان حق في مناقشة ما يهمه من أمر لأنه بالتالي مصلحته الخاصة والتي يؤمن أن الله أخبره وأمرهم شورى بينهم أي أنه ممنوح أصلا حق الخيار في الأمر العام وهذا يشكل تناقض عندما تمنحه أمر وتحرم عليه من جهة أخرى أستعماله .
ثانيا أن يكون هذا المجتمع على شكلية واحدة في الإيمان دون أن يسمح التنظيم السياسي للدولة أن يكون هناك مخالف لأن الدستور ملزم كقانون عام ومجرد كافة مواطني الدولة للتقيد به وبالتالي نحن أمام واحد من حلين أما أن المواطن المخالف يخرج من الجماعة لأنه ليس قادرا على التماثل مع بقية أعضاء مجتمع الدولة أو أن يفرد الدستور له وضعية خاصة تمنحه شخصية مختلفة وهنا أصبحنا أمام خرق لقاعدة العمومية والتجريد والمساواة الأساسية في الحقوق والواجبات .
النقطة الجوهرية الأخرى أن إدعاء بعض المسلمين أن الدين صالح لإقامة دولة حسب مدعيات الفكر السياسي الإسلامي سيمنح ذريعة للأديان الأخرى أن تتمسك بهذا الخيار وأن تباشر لإقامة دولها على ذات الفكرة لنجد بعد فترة أن العالم مجموعة من المحميات الدينية التي تتصارع على فكرة وصورة الله وأن شعوبا ستباد وتهجر وتقتل لمجرد أنها تختلف دينيا مع الغالبية وهذا يقود إلى صراع الأديان الصراع الذي يسحق الإنسان ولا يحقق رسالة السماء المعنونة بالسلام والمحبة .
إن فكرة دينية الدولة وأسندها إلى رغبة الله المزعومة ستتعدى بغبائها ولا حقيقية سندها وأنها ليست إلا فكرة أنانية أنطلقت من واقع الأنا الطاغية لتستثمرها في التسلط والاستحواذ على مغانم لا يمكن الوصول لها دون غطاء أيديولوجي يتصل بضمير ووجدان الإنسان وخاصة البسيط والساذج والمؤمن بالتسليم , فإنها أيضا تكشف عن لا إنسانية الفكرة والقائمين عليها وتتناقض مع روح السلام والمحبة والحرية التي تميز المنهج الإسلامي في التعاطي البيني مع الله وبالتالي نؤكد على أنها فكرة ورؤية غارقة في الوهم ولا يمكن أن تنجح في مجتمع يتحكم به القانون الطبيعي القائم على الموائمة والتوازن بين حاجات الإنسان الفطرية وبين إرادة السماء التي كونت وكيفت هذه الحجات نحو غائية تستهدف الإصلاح والأستعمار بدل الإقحام والجبر والإلجاء لتسخير ما يمكن أن يكون موافقا ومتوافقا لا طبيعيا ولا عقليا منطقيا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية


.. منظمات إسلامية ترفض -ازدواجية الشرطة الأسترالية-




.. صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها


.. كاهنات في الكنيسة الكاثوليكية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الدكتور قطب سانو يوضح في سؤال مباشر أسباب فوضى الدعاوى في ال