الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قضية انتحار

عمر مصلح

2014 / 7 / 25
الادب والفن


قضية انتحار ..
1
حضر أيلول في جثمانه الأسود،
يواري نشوة الجسور ..
تهلّلتْ أساريرها ..
فوق الرّماد الباهت لسماءٍ حزينة،
تدارت، كي تحنّط رهبةً تملّكتها
فوق غفوة ذاك النّهر نامت تلميذة ..
للتّو شرّحت شرنقتها و امتثلت لبيانٍ قتيل
دلفت في عتمة الشّرق تسكب غروبها،
تفزعُ الشّفق الأزرق،
و ليونة الإغراء لهطول المطر ..
تلميذة .. تشكّلت في إعصار امرأة،
تناولت جذوتي المشتعلة، من رغبةٍ قديمة،
من أمنيةٍ قديمة،
حفرت فوق شعري، مسلكها نفقا للموت
انسدلت من فوق كتفيّ، تبثّني خصلاتها .. ذاكرةً شعرية
حلمًا ما لبث أن تنازعته الصفحات،
خلف ذاك المقهى الصغير ،
تداعى صمتي و شجنها ..
تلميذةٌ .. تحملُ فوق صدى دفاترها المنسية،
مكيدةً غيبية ..
اعتزمتْ الرّحيل ..
2
خلف المقهى، تشنّج شعري لبرهةٍ،
لحينٍ، أن تفتضح عنه " قصيدةً "
سارت مهيلة، كمطر الخريف فوق دفاتري المعتّمة ..
ماسكةً حرفها الأخير، و كتبَ طفولتها ..
سارت .. و قوانين العسكر ،
تلجمُ قافيتها الصغيرة ..
تدارت خلف غصنٍ احتدم الصراع حوله ..
بين مسكٍ و عطر غربي ..
عطور التاريخ، تؤرّخ لمسائها،
تنسبُ للأوراق، ذلك الاختزال الأحمق ..
في جسدٍ صغير،
تلميذةٌ ..
سارت على مهلٍ، فوق أوراقي تحمل جسدها النّحيل ..
و بعضا من الخطى الرّاكضةِ، نحو العمر الأغبر
إنني لأشهد ..!!
أنّ العويل، تكتّم سرّ استشهادها،
و أنّ رموز الانحناء ..
تهاطلت فوق الرّصيف المنمّق،
تزفُّ رحيلها ..
تلميذةٌ ..
صافحتني من بعيد.. بين قارتين،
توقّف الجدل بين السّطر الأخير المُشْهَرْ،
خلف المقهى و قبالته
حطّت متشعبةً، كمدينةٍ فقدت توازن رفاتها ..
فوق جسرٍ أخير ..
هناك ..
كان الهواء، يجمعُ شتاته ..
بين أنفاس الحاضرين،
من مدينةٍ مضطهدة،
هناك .. كان العسكر
يجنّس ذاكرة الأرامل،
يثبت مزاعم " قريةٍ " تثاءبت على ضواحيها مقبرة أطفال
هناك ..
كان المطر يعوي فوق وجوهٍ للتّو رسمت نهاية مدينة،
نظرتْ .. التلميذة
من فوق أدراج كتبها المنثورة، في غارةٍ أخيرة،
و أطلقت صافرةً، نسفت ما بقي من خراب المدينة،
و جسدها الصغير ..
3
اعتدل الخريف في جلساته المرتبكة،
احتدم الشّتاء حمما مسكونةً
بثأرٍ تقاسمته ثوانينا ..
ذلك العصفور الأحمر،
كان حاضرا قبل بزوغ الرّحيل ..
كان بألوان زاهية، يمهّد لحلول الرّبيع،
بعد قصيدتين ..
كان حاضرا، فلامسته شفاه الحيرة الحمراء،
قبلةً فجّرتها التلميذة،
للتّو فوق الرّصيف الهامد، الصاخب
حقيقةً تاريخيةً ..
أسدلتها تلميذة، تكبرني بانفجار،
تصغرني كذلك العصفور الصغير ..
أنا العربيةُ ..
أنا الحدّ الفاصل المتلعثم ،
كلّما شهقت المسافات بيننا
تلميذةٌ .. كنتُ لولا القدر،
حرفها الناطق أبجدية عربية
لقّنتني " هي" لغتها في ضريحٍ مكتوم، مختوم
متوشحا رايةً ..
تسكنني، كلّما تنهّد على جسدي صوت الأقصى ..
بصوته الحزين ..
لقّنتني كيف يحيا المطر بحمرةٍ كلاسيكيةٍ
فوق أرضٍ، تلبّدت كسماءٍ قتيلة
أبعدها .. ؟
أؤمن .. أن قولي اللّعين سيّد الفصول،
بل " هي " التلميذةُ الصامتة ..
تمثّلت بظلّ ذلك العصفور لي، بين قارتينا
فوق مدينةٍ يسكنها وهم السلام،
أنهكني حضور الشّعر غافيًا بين كفّيها ..
تلميذةٌ، نسفتْ تواجد القارات برسم جسدها الأشقر المبعثر،
نسفتني ..
حين قرّرتْ أن تثأر ..
غبيةٌ .. أنا
إن مسحتُ بمنديلي الأحمق، جسد العصفور
غبيةٌ .. إن أزحتُ بكفّي تكهّنات العصفور
و انتبهتُ ..
انتبهتُ، أنّ الدّم المنثور
لا يشبه أبدا، حضور تاريخٍ للتّو صنعتهُ تلميذة
لم تتجاوز بعد العشرين ..
ليتني ..
حضرتُ بعد تمام حكايتها
لأحسب بين الرّفات،
كم كان عمرها ..
و أتناسى،
ختم ذلك الموجود .. !!
فوق شهادة ميلادها ..
حياة شهد

هذا النص متجاوز لحدود البناء والصورة والتكثيف.. كونه مشفّر ومرمّز بصيغ جمالية، مبهرة، حوّلت القضية الكوارثية إلى صور قابلة للتعدد القرائي.. فأيلول السبعيني الأسود الذي عتعت الضمير العربي من ياقته، ولا مغيث.. فتبرع الشفق الأزرق باحتضان الفكرة الحمراء.. ومن الزرقاء هذه انطلقت شرارة كادت أن تحرق القبح لولا ( بسالة ) بعض ( الشرفاء).
تلك الإنطلاقة تعيد إلى الذاكرة ماقاله محامي دفاع المناضل سرحان بشارة سرحان أثناء محاكمته عن فضيلته الكبيرة بقتل الرئيس الأمريكي.. فقال:
لو افترضنا أن موكلي قام بعملية القتل، فأن هذا ليس جرماً، بل هو قتل وقائي، شبيه بالحروب الوقائية الزراعية، للقضاء على الحشرات والآفات الزراعية.
ح ت ف / موت.. ثلاثة حروف لها دلالات هائلة في قاموس النضال العربي، ولكي يكون الإسم أكثر دلالة، وأعمق معنى.. تغيرت مراكز الحروف ف ت ح / تحرير.. فالشرف الكبير هو أن تموت من أجل قضية، لا أن تقتل قضية كي تعيش.
وهذا ما أشار له النص / القضية.
إشتغل النص كما أسلفنا على الترميز، وخلق صور تتعدى الوظيفة الجمالية بفراسخ، حين انتخبت الشاعرة الخريف.. أي انها لم تشتغل بالمألوف، بل أضافت له دوال أخرى، لتجعله من إحدى مثابات النص ، ومن مهيمناته المهمة.
وانطلقت الشاعرة - منذ البدء - بقوة، وشراسة فدائي جسور.
حيث أكدت على أن القلق ذاتي داخلي.. أي أنه يخلق عقدة كبيرة، وليس طارئاً يزول، بزوال المسبب.
فخلقت ( دايلوك داخلي ) يُستفز، كلما عادت بها الذاكرة إلى الترحال القسري للون الأحمر، فيشأم تارة، ويتفينق على سواحل المتوسط في عروس البحر.
وباختصار أقول.. أنها شعرنت الأذى، وهذا يحيلني إلى دراسة فلسفية كتبها الشاعر المتألق سلمان داود محمد ( شعرنة الأذى أو الإجهاز على آثامزم الواقعة بالكلمات).
وأبهرتني باستخدامات رمزية باذخة الوعي والتشخيص مثل التلميذة، والمقهى الصغير، والجسر..
فاستحضرت بيتا..ً
إن قطّعوا جسر الوصال بليلة ...... ففي الصبح تبنى للوصال جسور
والممتع في هذا النص الكوارثي.. أن الشاعرة استخدمت لغة انفعالية، تشي بالمعني، والمعنى المجاور، وخلقت حثاً توصيلياً لمعان متجاوزة..
وجعلت من الحكائية غير السردية مهمازاً للوصول إلى غاية جمالية مبهرة، وحراك فكري تعبوي مستفز.
فأية عبقرية هذه، وأي مخيال ذلك المتخندق خلف حيوات ميتافيزيقية غير محسوسة.
وأخيراً أعتذر منك سيدتي، لعدم تغطية هذه المعركة الجمالية التي احتوت على كل أسلحة الجمال الشامل.
وعذراً أخرى إن كنت قد شططت، وابتعدت عن المعنى.. فجمال النص وانتعاشه، يكمن في تعدد القراءات








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: كان نفسي أقدم دور


.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: -الحشاشين- من أعظم




.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: خالد النبوي نجم اس


.. كل يوم - -هنيدي وحلمي ومحمد سعد-..الفنانة دينا فؤاد نفسها تم




.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: -نجمة العمل الأولى