الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسلمون ومسيحيون معا

صليبا جبرا طويل

2014 / 7 / 26
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


عند تأجيج نار الطائفية أو المذهبية أو الحزبية بين
أبناء الوطن الواحد، يكون الإنسان أولى أهدافها
القاتلة، ويستخدم فيها أبشع أنواع الأسلحة وأكثرها
فتكا وضراوة، ويتفنن البشر في أساليب القتل، فيها
يفقد الجميع بصيرتهم وبصرهم ويصبحون آلة موت
ودمار وضحايا لها. ويقع الجميع في المحظور، الذي
بدوره يصبح حلالا ومباحا. عندها يعلن موت الرحمة
والإنسانية.




الشعوب الشرقية، وبخاصة العربية منها تعرف بشدة تدينها وقوة عاطفتها، لا نعلم إن كانت هذه الظاهرة حقيقية أو ظاهرية! نستسلم كعادتنا، ونضعها بين يدي العلى القدير ونقول: " الله اعلم". وفي معظم الأحيان نحتال على أنفسنا وليس على الله فهو علام القلوب. فالحديث عن عظمة الدين والدفاع عنه يحتل مرتبة عالية في المجتمع. النقاش والجدل له حساسية خاصة عند إتباع الديانات السماوية وخاصة الإسلامية والمسيحية لأنها أكثر تلامسا والتقاء في الحياة اليومية على امتداد الوطن العربي. بعض الأحيان قد يصيب أو يخطئ من يحاول الحديث في هذا الموضوع، بدعوى حساسيته الشديدة. بذلك نضع حاجزا نفسيا بين بعضنا البعض، لأننا نخاف من المكاشفة والمصارحة والحديث عن بعض الاختلافات مع أننا جميعا نعرفها وبعمق. الحديث ضروري ليس من أجل إبراز الاختلاف بل من أجل التركيز على ما يجمع ولا يفرق، وإطفاء جذوة الاختلاف من أجل المواطنة والوطن والتاريخ الذي يجمعنا. أشبّه ذلك بشخص يسير على نصل السيف إن زحلق تقطع من حدته، وأفضل إن أشبهه كحديقة فيحاء يتناسق جمالها وروعتها، تنبعث منها رائحة عطرية وردية تنعش الروح والفؤاد. حيث يليق فيها الالتقاء والعيش والتعايش والانسجام. الإيمان عند الشعوب الشرقية يسيطر على عقولها، ونبض قلوبها، ويسير كدماء في شرايينها وأوردتها حتى أنه يخترق عظامها ليصل نخاعها. فكل ما يدور حولنا لا لون له إلا لون واحد هو الدين. هل هذه نعمة أم نقمة؟... اترك حرية الإجابة للقارئ الكريم.

المزالق التي يقع فيها الإنسان ليس مصدرها الدين، بل المطامع والمصالح والجهل في الدين، أو حتى الشعور بالاضطهاد غير المبرر في بعض الأحيان. المأساة تظهر قوتها عندما يركب البعض موجة الإيمان الضيق، ويفسروا الدين حسب أهوائهم ووفق مصالحهم الذاتية، وخلق وقائع لا إنسانية تترجم إلى عنف وقتل وتشريد واضطهاد.

شعور المواطن بالأمن والأمان يعني صدق الإخاء والانتماء الديني والاجتماعي والوطني. مما يعني المحافظة على الأخر الذي يعيش معي مسيحيا كان أو مسلما دون اعتداء جسدي أو معنوي أو انتقاص من مواطنته أو اعتداء على رموزه الدينية وأماكن عبادته وممتلكاته، مع احتفاظه بحقه في بناء مدراس ودور عبادة وترميمها، ووقوفهم جميعا أمام القانونية سواسية. أكرر، أمن وأمان الفرد وحريته يمثلان الحلقة الرئيسية في العلاقات الإنسانية السوية. بقدر سهولة وبساطة تحقيق هذه المعادلة، إلا أنها قد تكون معضلة معقدة ينجذب فيها أطراف المجتمع في تعددهم السياسي والديني إلى التشابك دون الوصول إلى هدف واحد أو نتيجة سليمة مما يسفر عنها أمور لا تحمد عقباها، ومصير مجهول لا يمكن التنبؤ به.

أن يقتل فرد، تباد قوميات وشعوب، تحرق دور عبادتهم وتدمر مدنهم باسم الله فهذه جريمة بحق الله، وبحق كتبه السماوية، وبحق الإنسانية. أيّ مجتمع حر، وصحي في العالم يجب أن يكون منفتح ومتعدد التيارات الفكرية، والعقائدية، والسياسية. ولكن في لحظة ما قد يشهد تأزم في الخلافات الشخصية بين أفراده، تصل إلى طابع التعدي والعنف. فان كانت القضية بين أفراد ضعاف النفوس، فإنها ترتدي أولا طابع عشائري وان تأزمت أكثر فإنها ترتدي طابع طائفي أو حزبي. ذلك لا ينفي وجود ميول عند البعض لعنصرية العمل. يتم ذلك بشكل فردي وليس بشكل منظم أو كسياسة تطهير عرقي كما يظن البعض، بالرغم عن ذلك نوصفها بظاهرة ليست بالخطيرة، لان الانحرافات موجودة في كل المجتمعات البشرية. لكن العمل على تكريسها والانجرار ورائها وعدم أخذ مبادرة لوقفها من قبل القانون أو المواطنين المتفرجين الصامتين غير مبالين في بعض الأحيان، يعنى تفتت المجتمع وتصدع العلاقات بين أفراده، مما يولد وينمي شعورا بالاضطهاد. وبالتالي البحث عن مجتمع امن ، ما يعني تفريغ المجتمع من التنوع والتعدد الإنساني والفكري والثقافي وخلق بدائل جديدة كالرحيل والهجرة، مقابل شرط قاسي وهو الموت أو التنازل عن فكرك أو معتقدك، والدخول قهرا في عقيدة أو فكر الأخر. أي تجبر على خيانة كل ما تؤمن به.

ليس هناك دين خطير، إنما هناك أتباع خطرون ذوو نفوس مريضة تحمل في قلوبها وعقولها، حقدا وكراهية لكل من ليس من أتباعها، أومن اختلف معها من أتباعها في التفسير. أن كان الله الخالق واحد بحسب إيماننا ، فان كل ما خلقه في هذا الكون صالحا ولمنفعة خلقه أجمعين، وكل عباده يرجعون إليه.

في تجربتنا الفلسطينية لم يتمكن يوما الاحتلال من إذكاء روح العنصرية والتفرقة بين الأشقاء المسلمون والمسيحيون. والتي ما زال يراهن عليها، ليثبت ويؤكد أن الإسلام هو دين إرهاب. وان الظلم الواقع على المسيحيين سببه المسلمون فلا يمكن أن يستمر هذا الضغط على المسيحيين، ولا يمكن السكوت عن هذه الأقلية الباقية في الأرض المقدسة من الزوال، لذلك يحاول التدخل في دعوى إنقاذها والمحافظة عليها. يريد أن يظهر نفسه للعالم انه حامي المسيحية في الشرق. فشل هذه المحاولة يثبت أن الشعب الفلسطيني لا يقبل القسمة على اثنين. ولكن للأسف وجود بعض الحركات المتأسلمة سياسيا، المرتزقة في دول الربيع العربي البائس، تعمل عنوة على ترحل وقتل وفرض الجزية على المسيحيين وتغير دينهم بالقوة بالرغم أن إحدى آيات القرآن الكريم تقول: "لا إكراه في الدين" . بعملهم هذا، يؤكدون ويثبتون للعالم أجمع صحة الادعاء الإسرائيلي أن مسيحي الشرق في خطر، ووجودهم مهدد، وانقراضهم بات وشيكا، وأن الإسلام دين إرهاب.


في العالم العربي، تربينا نشئانا نهلنا من الحضارة العربية كل ما تتضمنه من عناصر مسيحية وإسلامية وما سبقها من حضارة فرعونية، وآرامية وكلدانية، وكنعانية، وفينيقية، وسريانية...الخ. قاومنا كل غاصب محتل على مدى قرون. ساهمنا في البناء الثقافي والحضاري والقومي العربي، بالرغم أن دورنا كمسيحيين يغيبه البعض، حقدا وكراهية بسبب تعاليم خاطئة رضعها من مصادر تربوية مشبوهة . أبينا مجتمعين إلا أن نتقاسم العيش المشترك في السراء والضراء. نزعتنا قوية لاقتلاع الفئوية الضيقة من جذورها. كنا وما زلنا عائلة واحدة نتعامل بإنسانية دون المساس من قريب أو بعيد بعقيدة الأخر. حافظنا سويا على شرف وشعور كل منا في أحلك الأوقات والظروف. لكن للأسف، فان ما قام به بعض المتأسلمين السياسيين المنحرفين الخارجين عن تعاليم الله، يؤكد بأنهم ألعوبة ودمى بأيدي غربية غريبة ، وأن بإمكانهم أن يحققوا ما لم يستطيع أيّ احتلال على مدي عقود في عالمنا العربي من تحقيقه وكانت ضحاياهم كل من يخالفهم الرأي من مسلمينومسيحيين.

العرب مسلمون ومسيحيون في أي قطر عربي كانوا، يربطهم أصل واحد، تمتد جذوره إلى ما قبل دخول الإسلام إلى الشرق في القرن الميلادي السابع. ما يجمعنا هو الانتماء، اللغة، المصير، العادات، القرابة، التقاليد، المعاملات اليومية القائمة على الاحترام المتبادل. وحفظ كرامة الجار والإنسان والاختلاف، على أسس إنسانية محضة، صادرة من أعماق الروح العربية الأصيلة. ليس ادعاء أو مواربة أو تزييفا أو محاباة في ما أقول، ولكن من قلب صادق همه وهدفه أن يستمر الوجود المسيحي في جو من الحرية، والكرامة والمواطنة الكاملة بعيدا عن الخوف وسلطة المتطرفين. وما جاء في القرآن الكريم ابلغ دليل على شرعية واصل الاختلاف: " كلكم من ادم وادم من تراب".

أن كان للغرب مطامع وغايات نفعية في العالم العربي والإسلامي وتراخي بعض الأنظمة العربية معه، فهذا لا يعني أن الغرب يحمل لواء النصرانية. ينبغي ويجب أن لا يفسر أيضا، أن أي اعتداء من قبل أي فئة إسلامية موجه بشكل خاص ضد المسيحيين. لأن الدين من كل أولئك براء. المسلم العربي اقرب أليّ من المسيحي الأوروبي أو الأمريكي. كذلك أيضا يجب أن يكون المسيحي العربي اقرب إلى المسلم العربي من المسلم الأوروبي أو الأمريكي. كوننا أبناء وطن واحد يجمعنا في بقعة أرض وعلى تراب واحد. فان اختلفت العقائد والتفسيرات اللاهوتية الفقهية، فلن نختلف في حقنا بالعيش سويا كأبناء لله.علينا أن يرى كل منا الأخر من خلال عين الأخر وفكره. يعني أن يفهم المسيحي المسلم من خلال القرآن الكريم، وأن يفهم المسلم المسيحي من خلال الإنجيل. لن نصل إلى هذا المستوى إلا في حال قرأ وفهم كل منا الكتاب المقدس للأخر، ومن خلال برامج وزارة التربية والتعليم. هذه النقطة قد تثير الحساسية لدى البعض، ولكنّي أصر، وأركز على هذه النقطة لأنها تمثل منعطف نحو قبول الأخر ومعرفته. من الضروري أن ننتقل إلى هذه الخطوة بعيدا عن أي صورة أو تصور أو نمطية لقدسية الكتاب أو عدمه.

الصحوة في العالم العربي موجودة - وأصبحت أكثر وضوحا ومطلبا في هذه الفترة التي تدعى بالربيع العربي بدل الهبات العربية - واستمرار تنشيطها مسعى ومطلب. لنتذكر أن التعاليم الدينية وكل الكنب الدينية في العالم جاءت من أجل ترتيب العلاقات الإنسانية بين البشر وترسيخها بناء على أمر الهي سليم تحفظ فيه كرامة الإنسان ولا تداس، وتحقق العدالة بأنواعها بلا انتقاص، والمحبة طريقا عوضا عن الكراهية، والتسامح المتبادل مع الأخر. بين الإيمان وادعاء الإيمان، وبين الدين وادعاء التدين يكمن شيطان رهيب عجيب يدعي المعرفة والحكمة وخفايا الأمور. بينما في حقيقته يتربع الشر والخراب والموت والقتل والدمار في جوفه. فالدين يمكن أن يكون سلاح سلام، أو سلاح حرب. وان أسيء استغلاله يكون عارا على الإنسانية ، وتجديفا على الله.

عند وقوع الشعوب في نكبات يأخذ بعضها بمد وجزر التدين، عسى أن يكون ملجأها للإيمان فيه خلاصها، من كل ما يحيط بها من مؤامرات ونكبات أو اضطهاد. فالإنسان الصادق الأميين المحب لله وخليقته، عليه أن يظهر إيمانه في السراء والضراء، في مرضه وعافيته، وفي كل حين. مسلمون ومسيحيون معا مدعّوون إلى نشر رسالة المحبة، والتسامح، الحق والعدل والمساواة... بين كل أفراد وشعوب العالم وكل من يختلف عنا ويدعى بالأخر. لأن واهب الحياة يطلب منا ذلك في كتبه السماوية.

ويل للشعوب، إن وقعت في مصيدة الفتن فلن تستطيع الاتفاقيات والعهود والمواثيق من منع الأحقاد. ولا حتى الكتب الدينية أو السماوية المقدسة من إيقافها، لان عيوننا وأذاننا تكون مغلقة إمام كل ما هو الاهي.
ويكون الإنسان الشيطان هو سيد الموقف








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. آلاف اليهود يؤدون صلوات تلمودية عند حائط البراق في عيد الفصح


.. الطفلة المعجزة -صابرين الروح- تلتحق بعائلتها التي قتلها القص




.. تأهب أمني لقوات الاحتلال في مدينة القدس بسبب إحياء اليهود لع


.. بعد دعوة الناطق العسكري باسم -حماس- للتصعيد في الأردن.. جماع




.. تأبين قتلى -وورلد سنترال كيتشن- في كاتدرائية واشنطن