الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحديات التحول الديمقراطي في مصر

حسن الشامي

2014 / 8 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


تعتبر ثورة مصر السلمية في 25 يناير 2011 أحد أهم انجازات شعوب العالم العربي، حيث تمكّن الشعب المصري العظيم من إنهاء حقبة من الاستبداد والظلم.. التي تجلّت في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وانعدام الحريات وأي مناخ ديمقراطي يسمح بنشر ثقافة حقوق الإنسان وهذا ما يجعل تحقيق أهداف الثورة المصرية، بالانتقال إلى نظام تعددي ديمقراطي قائم على الحرية والعدالة والمساواة، أمرا عسيرا.

إنّ هذا التحول الديمقراطي المرجو في مصر أمر محفوف بالمخاطر ولاسيما وأنّ النظام المصري السابق، كغيره من الأنظمة العربية، ساهم في غسل العقول خاصة عن طريق النظام التعليمي وتغييب ثقافة حقوق الإنسان وتغييب الحياة السياسية وهو ما أدّى إلى نمو تيار ديني متطرف نجح في جذب شريحة شعبية مهمة، بدعم مباشر أو غير مباشر من نظام مبارك. الذي لم يكف عن التشدق بعبارة "إمّا نحن أو الإسلاميون".

ومنذ 25 يناير 2011، دخلت مصر مرحلة جديدة ومجيدة من تطورها السياسي بعد ثورتها التي كانت طليعتها الشباب وكان شعارها المطالبة بالحرية وإسقاط النظام. الذي كان الاستبداد والفساد سمته الرئيسية.. ورغم سقوط رأس النظام فلا تزال تحديات التحول الديمقراطي صعبة وعسيرة في مصر. فنحن إزاء نظام يتسم بالمركزية الشديدة التي كانت تقبض على سلطات هائلة، ولا تزال السلطة التنفيذية تتمتع بالعديد من السلطات والقوانين”غير الديمقراطية”، كما أن الحزب الوطني الديمقراطي والذي ظل مهيمنا بصورة أحادية على الحياة الحزبية المصرية منذ تأسيسه عام 1978كان يحمل مشروعية وشرعية وشكل التنظيمات الشمولية السابقة عليه (الاتحاد الاشتراكي العربي) كحزب مهيمن ومسيطر ومقاره ورثها عنه.

وهناك عائق شديد الخطورة أمام التحول الديمقراطي يأتي من طبيعة تركيب هيكل جهاز السلطة في مصر طوال ثلاثين عاما حيث يتم اختيار القيادات على أساس التوارث الداخلي من المؤسسة أو الجهاز الحكومي نفسه أو على أساس الولاء السياسي والشخصي المضمون مما أدى إلى تفريخ قيادات متواضعة المستوى ويندر أن يتواجد منهم من هو على فهم مطالب الثورة الديمقراطية المصرية التواقة إلى الحرية والعدالة الاجتماعية هذا إذا كانت تلك القيادات مؤمنة أصلا بالديمقراطية.

كما أن أساس العلاقة بين جهاز الدولة والتجربة الديمقراطية هو أساس واهن للغاية. ومن ثم فان الحاجة لدستور ديمقراطي جديد تغدو ضرورة ملحة لان الدستور الحالي هو دستور – مهما جرى ترقيعه – هو دستور مجتمع سياسي أحادي حشرت فيه حشرا بعض المواد الديمقراطية وهو ليس مصاغا لتنظيم علاقات القوى في مجتمع تعددي. ويشهد على ذلك الصلاحيات الواسعة جدا لرئيس الجمهورية. حتى أن وسائل الإعلام الحكومية قد أعطت انطباعا بان النظام الديمقراطي المزعوم موجود كله بناء على”توجيهات الرئيس” لا على” إرادة الأمة” أو”طبقا للدستور” وهو ما أوحى باستمرار الروح الفرعونية في النظر للنظام السياسي الحديث.

ويجعل الدستور من رئيس الدولة حاكما إلها فوق الدستور والقانون، وتلك هي البيئة النفسية التي تحاصر رؤساء مصر فتضعف من ميولهم الديمقراطية وتقوي من ميولهم الأوتوقراطية. وبالتالي فهو دستور يكرس مجتمعا سياسيا أحاديا. أما بقية النظام القانوني للدولة ما دون الدستور يلائم أيضا مجتمعا سياسيا أحاديا ويعبر عن عقلية اوتوقراطية غير راغبة في أي تحول ديمقراطي حقيقي.

كما أن جهاز الدولة المصري يعرف سطوة كبيرة للسلطة التنفيذية على حساب السلطتين التشريعية والقضائية. وهاتان سلطتا رقابة لا غنى عنهما لأي تجربة ديمقراطية منهما. إن سطوة السلطة التنفيذية تؤثر على مقدار أداء هاتين السلطتين لمهامهما الرقابية. وقد أنتج التدخل الفاضح في تركيبة البرلمان من خلال التدخل في العملية الانتخابية برلمانا لا يعرفه الشعب وليس معبرا عنه فضلا عن المستوى المتواضع لأغلب أعضائه القادرين على تمثيل مصالحهم الخاصة أكثر من تمثيل المصالح الاجتماعية الوطنية.

كما تعاني السلطة القضائية - رغم تراثها الجليل في الانتصار للحق والحرية - الضغوط الكبيرة الغير مباشرة من قبل السلطة التنفيذية والتي تضعف قدرات القضاء في حراسة التجربة الديمقراطية.

ومن معوقات التحول الديمقراطي في مصر نوعية النخبة السياسية المصرية، فلئن كانت نخبة عهد مبارك عبر ممارساتها قد توترت علاقتها بالديمقراطية فكرا وممارسة، فان النخبة المعارضة في ذلك العهد لها معايبها المؤثرة سلبا على عملية التحول الديمقراطي، حيث يغلب على تلك النخبة طابع السلفية والانجرار إلى الماضي، سواء في قوالبها الإيديولوجية أم في معاركها السياسية والتي يدور جزء منها حول التاريخ. والكثير من قياداتها يعبر عن عقلية قديمة وإن بأطر جديدة بعيدة كل البعد عن عقلية مصر الجديدة ومصر المستقبلية.

كما أن اللغة التي تطرح بها شعاراتها وتتناول بها قضايا المجتمع هي لغة غوغائية لا تعبر عن وعي بمشكلات مصر وطرائق حلها. وهي نخبة قليلا ما تمارس داخل أحزابها الديمقراطية التي تنادي بها المجتمع كله قبل وأثناء وبعد ثورة 25 يناير. وفيما بين أطراف النخبة المعارضة ما صنع الحداد. حيث نادرا ما يجتمعون على موقف واحد ولو سار ثوار 25 يناير على هديهم ما نجحت الثورة!

ويكاد يختفي لدى هذه النخبة المعارضة الإحساس بمسئولية البحث عن الاستقرار السياسي كضمانة لاستمرار التجربة الديمقراطية نفسها، وقطع الطريق على الراغبين في تدميرها. إن النخبة السياسية المعارضة غير الناضجة سياسيا يمكنها أن تعرض التحول الديمقراطي للخطر.

إن نجاح التحول الديمقراطي في مصر يرتبط بدخول اللاعبين الجدد من الشباب الذين قادوا ثورة 25 يناير لأنهم سيكونون الفيصل في الحسم النهائي للصراع بين قوى الديمقراطية والأوتوقراطية في مصر وجني ثمار الثورة الديمقراطية المصرية.. والقضية الثانية هي كيف يمكن أن يحدث ”التحول الديمقراطي” دون استمرار حالة عدم الاستقرار السياسي مما يعرض الأمن القومي للخطر؟

ومصر ليست أول دولة تمر بتلك المرحلة بعد اندلاع ثورات ديمقراطية.. كما أن التحول الديمقراطي إلى جانب انه يؤدي إلى مشاركة واسعة للجماهير ويساعد على التعددية الفكرية والتعددية الاقتصادية إلا انه يفجر – كما رأينا – مطالب طال كبتها، وتعجز الموارد الاقتصادية المتاحة عن التعامل معها مما يؤدي إلى استمرار حالة عدم الاستقرار السياسي الذي يحد في النهاية من إمكانيات التنمية الاقتصادية.

إن الطريق لوضع دستور جديد لمصر بعد ثورة 25 يناير 2011 كان أمامه تحديان هما :
التحدي الأول : يتمثل في كيفية التغلب على الفصل ما بين الحاكم والدولة بمؤسساتها بشكل يخالف ما هو كان متبع ومتجسد في نظام الحكم في مصر على مدار المائتين سنة الماضية، والتي كان فيها الحاكم الفرد هو الدستور والقانون والمؤسسات…
والتحدي الثاني : يتعلق بالقوى السياسية، بأن يضمن الدستور الجديد المبادئ والإطار الذي يعلي من قيم الدولة كمؤسسات وكيان عام عن أيدلوجية هذه القوى مهما كانت أغلبيتها في المجالس النيابية التي بحكم طبيعتها هي متغيرة بالانتخابات، وبالتالي حالة المنافسة فيما بينها على الحكم تكون من خلال هذا الإطار العام لشكل الدولة وليس وفقا لأيدلوجية سياسية أو دينية قد تنعكس في شكل كتابة الدستور.

والمعادلة الصعبة إذن هي كيف يستمر التطور الديمقراطي المتسارع في مصر حتى تصل مصر إلى الديمقراطية الكاملة في الوقت الذي نحقق فيه الاستقرار السياسي؟.. لذلك من المهم دراسة التجارب العالمية للتحول الديمقراطي، واستخلاص الدروس للاستفادة منها، مع استمرار كفاح الشعوب العربية لتصل إلى ما تصبو إليه. وأوضح أن الديمقراطية تحد صعب، ولكن البلدان والشعوب العربية أدركت أنها هي التي ستصنع مستقبلها، وأن الطريق إلى الديمقراطية يستحق الكثير من التضحيات، حتى تجنى ثماره.

رئيس الجمعية المصرية للتنمية العلمية والتكنولوجية
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرات الطلاب الأمريكيين ضد الحرب في غزة تلهم الطلاب في فرن


.. -البطل الخارق- غريندايزر في باريس! • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بلينكن في الصين.. مهمة صعبة وشائكة • فرانس 24 / FRANCE 24


.. بلينكن يصل إسرائيل الثلاثاء المقبل في زيارة هي السابعة له من




.. مسؤولون مصريون: وفد مصري رفيع المستوى توجه لإسرائيل مع رؤية