الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثورة مبهرة

حسن خليل

2014 / 8 / 28
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


ثورة مبهرة

الثورة : ثورتنا ثورة يناير لها خصائص قلما تعرض لها الكتاب و المحللين - و أنا منهم - من هذه الخصائص هي أنها كانت ثورة "مبهرة" بل عظيمة الإبهار . فالشعب إذا فجاءة خرج موحدا و متحدا متحديا التاريخ نفسه الذي عمل علي تقسيمه و تفتيته لعقود طويلة سابقة . حتي ثورة 19 علي عظمتها لم يكن لها هذا الإبهار الذي كان لثورة يناير . و الأجانب شعروا بهذه الشمس المشرقة من التحرير فأخذوا في كل بلد يقيمون ميدانا يسمونه التحرير . و المناضلين و السياسيين عندنا لأنهم غرقوا في التفاصيل السياسية و الحركية لم ينتبهوا بشكل كافي لهذا الإبهار . هذا ما قال عنه البعض "روح" التحرير لكن يبقي السؤال كيف تملكت هذه الروح هذا الشعب نفسه الذي نراه الآن يتخبط في كل مجال .

في الثورة خرج الشباب بحثا عن الحرية السياسية و خرج العمال بحثا عن مذيد من العدالة الاقتصادية و كل طبقة خرجت لأهداف خاصة بها لكن هذا ليس كل القصة . فلو كان مبارك وعد عمال المحلة مثلا بأنه سيضاعف أجورهم عشر مرات مقابل أن يتخلوا عن الثورة لبصقوا عليه. و لو كان وعد الشباب بحرية مطلقة مقابل أن يتركوه في الحكم لقذفوه بالأحذية . فما هي هذه الروح الجبارة ؟

من ناحية ثانية فأن الطبقة الحاكمة كانت تتصور أنها مستقرة في الحكم قبل الثورة رغم التحذيرات و أخرها الثورة التونسية التي أشعلت تلك المصرية. لكن أبهار الثورة و ضوئها الساطع صدم الطبقة الحاكمة و شلها عن الحركة بالإضافة للهزيمة العسكرية التي تلقتها قوات الأمن في الأحياء الشعبية. شيئا يشابه ما يحدث حينما يري رجلا يميل بغريزته للنساء أمرأة رائعة الجمال سيصدم جمالها عقله و غريزته نفسها و يتلعثم و يتصبب عرقا. الثورة باتساعها و شمولها و توحد الناس فيها هزم الطبقة الحاكمة بقوة هذه "الروح" الجديدة التي انبثقت فجاءة بقوة مبهرة فما هي هذه الروح و من أين أتت؟

المصريين شعب متدين بالإسلام و المسيحية شديد التدين مثل كل الدول المتخلفة . لكن المصريين لديهم دين ثاني خفي و هو "الوطن" الوطن لا يقل قداسة عن الدين . و قد حمل المصريين دينهم الجديد هذا منذ بدأ محمد علي مصر الحديثة . فهم يقولون "البلد هاتضيع" أو "البلد خربت" الخ . مثل هذه الأشياء يفهمها كل مصري بشكل فطري . و النظام رغم أنه عمل علي تفتيت الشعب و منعه من التنظيم الذاتي و عامله بطريقة الجيش "أتكلم عن نفسك بس" إلا أنه في المقابل أدعي قيادة "الوطنية" فكان يشحذ في الشعب ما سيقتل النظام نفسه يشحذ فيه أن "مصر أم الدنيا" و أن علينا أن نضحي في سبيل الوطن و أن الوطن هو القيمة العظمي في حياتنا . فبينما النظام يفتت المصريين فهو مضطر لتجميعهم حول الوطن . فلا مناص من ذلك إذا كان الشعب قد أختصر لمجموعة كبيرة جدا من الأفراد . لكن ما دخل ذلك ب روح التحرير ؟

أن كل طبقة تضع أهدافها المباشرة النابعة من مصالحها فالعمال يطالبون بالعمل و الأجر و مطالبهم الأخري . و الشباب يطالبون بالعمل و الترقي و الحرية السياسية الخ . لكن هذا ليس كل شيء. فكل طبقة تصيغ مطالبها أو أهدافها بحيث تبدو كمطالب و أهداف عامة شعبية تخص كل فرد. فالعمال يرون أن الوطن ينهار بالذات لأنهم لا يحصلون علي ما يكفي للعيش الكريم . و الشاب من الطبقة الوسطي – التي أشعلت الثورة – يرون أن الوطن في خطر لأن هناك تعذيب و استبداد الخ . كل طبقة تصيغ أهدافها و مطالبها في صيغة عامة تشمل الجميع. فحينما خرج الشباب و المهمشين و العمال خرجوا كي يدافعوا عن الوطن المقدس رغم أن كل منهم يراه من زاويته لكنهم جميعا توحدوا حول إنقاذ مصر من الطغمة الحاكمة و أصبحت لذلك الشهادة و الاستبسال سهلة يسيرة بل يتسابق لها من يقدر .

لذلك فحينما تنظر لصورة الثورة تراها صورة يرفرف فوقها العلم الوطني و تري أغاني الوطنية هي السائدة – و الأغنية الرسمية للثورة هي يا مصر قومي و شدي الحيل كل الي تتمنيه عندي- كلمات نجيب شهاب الدين و ألحان الشيخ أمام. روح الثورة إذن هي روح الوطنية المصرية و قد ارتدتها كل طبقة بالطريقة التي تناسبها و تتلاءم مع مصالحها . إبهار الثورة ناجم عن تجمع الشعب للدفاع عن بلدهم المحبوب.
حسن خليل
28 اغسطس 2014








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الصين تحذّر واشنطن من تزايد وتراكم العوامل السلبية في العلاق


.. شيعة البحرين.. أغلبية في العدد وأقلية في الحقوق؟




.. طلبنا الحوار فأرسلوا لنا الشرطة.. طالب جامعي داعم للقضية الف


.. غزة: تحركات الجامعات الأميركية تحدٍ انتخابي لبايدن وتذكير بح




.. مفاوضات التهدئة.. وفد مصري في تل أبيب وحديث عن مرونة إسرائيل