الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صادق جلال العظم والانقلاب على الفكر النقدي

هيفاء أحمد الجندي

2014 / 9 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


طغى على تحليلات صادق جلال العظم الأخيرة المتعلقة بالثورة السورية شيء من الارتباك والتخبط والعجز الفكري وإن دلّ ذلك على شيء إنّما يدلّ على حالة الانفصال عن الواقع، ومقاله الأخير "سوريا في ثورة"،لا يعدو كونه سردا مبسطا وتبسيطيا لوضع غاية في التعقيد والصعوبة، ويستبطن الكثير من المقولات والأفكار المغلوطة، لأنه انطلق من توصيفه للمشهد السوري من مواقع ثقافوية إيديولوجية فوقية.
لا يرى الدكتور العظم الصراع في سوريا الا بين أكثرية سنية تمردت وثارت على أقلية عَلوية حاكمة، والحل وفق تعبيره يكمن بإنهاء سيطرة الاقلية العَلوية على غرار ما حدث في لينان عندما تمّ استبعاد المارونية السياسية.
من الطبيعي أن يخلص العظم الى هكذا استنتاج لأنه استند على منهج التحليل الطائفي وانقلب على المنهج العلمي المادي الجدلي.
وبصرف النظر عن الانزلاقات التي أصابت الثورة وانحراف الوعي، هذا لا يلغي جوهر الصراع الحقيقي وهو سياسي بين أغلبية شعبية مفقرة ضد حكم أقلية مالية ريعية عائلية، استفادت من بيروقراطية السلطة المغلقة وراكمت ثروات طائلة، ليتمَّ المضاربة بها في البنوك الخارجية ابتغاء الربح السريع، هذه الطغمة التي ازدادت ثراء و فجورا في الوقت الذي تراجعت فيه الظروف المعاشية للاغلبية الشعبية، من جراء السياسات الليبرالية الاقتصادية، تحديدا في الارياف والمناطق النائية، والمناطق التي تعتبر قاعدة النظام الاجتماعية، ازدادت البطالة وجرى هجرة الشباب من الريف الى المدينة، وعلى أثر ذلك تمّ تجنيد الشباب العاطل عن العمل وهم من كل الطوائف ضمن ما سُمي الشبيحة واللجان الشعبية .
بالمحصلة، النظام المافياوي افقر طائفته من أجل توظيف شبابها في الجيش والأمن لضمان ولاء النواة الصلبة وأراد ان يوجد القاعدة الاجتماعية كي تدعم سلطته وتحميها، في الوقت الذي انفتح فيه على البوراجوازية والتجار ووجهاء العشائر، ولو كان يمثل بالفعل طائفته لما أطلق سراح الاسلاميين ووظف داعش والنصرة واستقطب رجال دين سنة وأصدر سابقا مراسيم بإنشاء معاهد العلوم الشرعية التي احتلت كل ركن وزاوية في كل حيّ وقرية.
و الإيهام ان النظام يمثل طائفته، عندها يصبح الاعتراض على هوية الطغمة وليس على سياساتها التي تُفقر وتقمع.
هذه الطغمة غير معنية بطائفتها ولا بالمقاومة ولا بالممانعة. ما يهمها هو استمرار سيطرتها الطبقية. والدكتور العظم يعلم علم اليقين أن الثورة ديمقراطية ضد الطغمة الحاكمة، وعندما لجأت الى الخطاب الطائفي كانت تعي أنه سوف يحمل شحنات طائفية ضد طائفته مما زاد من منسوب الخوف حتى تلتف حوله، ولم يعدم جهدا هذا النظام ومن الأيام الأولى للثورة، بوصم المحتجين بالارهابيين السّاعين الى إنشاء امارات اسلامية.
اذا، التناقض سياسي اجتماعي بين أغلبية شعبية مفقرة طالبت بالعدالة والحرية ضد طغمة مالية مافياوية ويشاركها بعملية النهب قوى اجتماعية واصحاب مصالح وتجار. والسلطة سعت الى انقسام عمودي في المجتمع بفعل سياساتها الافقارية والتهميشية والتأكيد على أن الصراع طائفي بين أقلية علوية وأكثرية سنية وتغييب الاقتصادي و السياسي لا يخدم الا ادلوجة النظام و بذلك يكون العظم قد انزلق الى مواقع الفكر النقيض في وقت نحن بأمس الحاجة فيه الى تحرير الصراع من مجراه الطائفي وتسييسه كي يجذب قطاعات شعبية تعتبر موالية وتفك ارتباطها بالنظام لتكون في حالة تصادم مباشرة معه.
أما بخصوص الحل وإستشرافه لمسقبل البلد، لا يزال العظم يراهن على تدخل غربي يساهم في إنقاذ الاستعصاء الثوري، ويقول بهذا الخصوص: للغرب دور يلعبه بدلا من ترك سوريا تنزف، ويتعين على الغرب المساعدة في إنهاء قبضة النظام والتفاوض من أجل تسوية سياسية بحيث ترجح الأغلبية للطائفة السنية بالضرورة، وسوف يتدخل الغرب لا محالة لأن القوى العظمى لا تسمح لسوريا الوقوع في أيدي الجهاديين الإسلاميين والسلالة العلوية لن تحكم مجددا.
من المستغرب، أن الدكتور العظم لا يزال يعول اهمية على الغرب الامبريالي، الذي كان له دور بارز في إجهاض الثورة، من خلال دعمه للنظام، وانتشار الجهاديين هو هدف من اهدافه حتى تتوفر له الذريعة للتدخل لوأد الثورة وترك الصراع وحالة الاستنزاف مستمرة الى أجل غير مسمى لتدمير ما تبقى من بنية دولة ومجتمع، و تناسى العظم ان الغرب لا يدعم الا الثورات المضادة ومن أجل إعاقة اي تحول ديمقراطي حقيقي، ببساطة لأن الغرب يعبر عن مصالح الاحتكارات والشركات العابرة للحدود وعن منظمة التجارة وصندوق النقد الدولي، والاطلسي ليس سوى مؤسسة عسكرية مهمتها حماية الاوليغارشيات المالية العالمية، ما يهم الغرب وإن تدخل هو فرض أنظمة ذات توجه رأسمالي وتتعهد بانتهاج سياسة اللبرلة الاقتصادية .
و الأشد غرابة هو تبشيره بالديمقراطية الطائفية التوافقية ومن يضمن ألا تستبدل الهيمنة بهيمنة أخرى في ظل سيادة محاصصة طوائفية تعيد انتاج حكم فئة مسيطرة، لأن الاكثرية، وكما يطرح العظم، هي طائفية وليست سياسية ويعاد انتاج النظام على أرضية تثبيت الطائفية وتدعيم دولة فاشلة، والحل لا يمكن أن يرتسم الا ضمن أفق ديمقراطي وطني، ليكون وطن لشعب لا لطوائف، و يكون الانتماء على أساس المواطنة.
لا غرابة البتّة من تنظيرات العظم التي تنسجم مع مجمل ما صرح به في السابق عندما عقد آمالا على اسلام البزنس بأن يقود عملية التحول الديمقراطي في المرحلة الانتقالية، متناسيا أن بورجوازياتنا العربية وضمن تموضعاتها وارتهانها هي اكبر عقبة في وجه اي تحول ديمقراطي بحكم جوهرها الريعي وارتباطها البنيوي مع منظومة الرأسمالية المالية، و لا توظف اموالها الا في حقل المضاربات المالية والعقارية. أما المعني الحقيقي بعملية التحول هي الكتلة المنبثقة من الحراك الثوري. وبهذا المقام يحضرني قول للمفكر الشهيد مهدي عامل الذي نعت العظم و منذ اكثر من ثلاثين عاما بأنه مصاب بلوثة ليبرالية واليوم اكتملت ويمكن أن نضيف اليها لوثة طائفية واضحة المعالم.
و بدل أن ينقد الثقافة السائدة والوعي الزائف يسعى الى تبريره والتواطؤ معه ويقوم بتأكيده وكأنه حقيقة ثابتة. وهكذا ينتهي الدكتور العظم مثقفا يبرر السائد بدلا من تقديم رؤية نقدية تهدف الى تغييره.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ألعاب باريس 2024: اليونان تسلم الشعلة الأولمبية للمنظمين الف


.. جهود مصرية للتوصل لاتفاق بشأن الهدنة في غزة | #غرفة_الأخبار




.. نتنياهو غاضب.. ثورة ضد إسرائيل تجتاح الجامعات الاميركية | #ا


.. إسرائيل تجهّز قواتها لاجتياح لبنان.. هل حصلت على ضوء أخضر أم




.. مسيرات روسيا تحرق الدبابات الأميركية في أوكرانيا.. وبوتين يس