الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدستور العراقي:المعركة الاخيرة ؟

فالح عبد الجبار

2005 / 8 / 24
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


فيماايبدو الكل على عجلة من أمره: الانتخابات، الدستور، الحكم، الأسلمة واللاأسلمة.
بدأت كتابة الدستور (الجديد) قبل أشهر ويراد لها أن تكتمل في ليلة وضحاها. الأمم من قبلنا قضت سنوات لوضع وثيقة دستورية لا تزيد على سبع صفحات. المانيا بعد الحرب العالمية الثانية أمضت قرابة سبعة أعوام للفراغ من دستورها. وكذا حال اليابان وايطاليا. لمَ العجلة؟
هل هي لوجود الاعتقاد بأننا قادرون على اجتراح معجزات؟ ربما؟
الدستور وثيقة جامعة. فهي ليست لفرد بعينه أو لجماعة بعينها، بل للكل، للمجتمع العراقي خازن التناقضات والتنوع. أن تحدد معالم عراق ما بعد الحرب، من حيث هو أمة-دولة، ومن حيث هو نظام سياسي واجتماعي.
تجري المعركة على الدستور في ظل تمزق حاد كان مستوراً بالكذب قبل الحرب، ومكشوفاً كالقروح بعدها.
وتجري المعركة في ظل صعود للإسلام السياسي المنغلق، المحافظ، والمنقسم، المجزيء. فهو مزيج من روح محافظة تربأ بكل ما هو حضاري، وروح طائفية لا مطمح لها سوى الاستئثار.
تدور الخلافات على خمسة أزواج من المتضادات الأساسية، مشفوعة بما لا حصر له من التفاصيل.
هناك أولاً مشكلة النظام السياسي، أيقوم على مبدأ الأغلبية البسيطة (50 في المئة +1) أم على مبدأ التوافقية، أي اعتماد الأغلبية الموصوفة أو المقيدة (الثلثين)، واعطاء حق النقض (الفيتو) للرئاسة، بمواجهة السلطات الواسعة للوزارة، أو حق النقض الدستوري للمحافظات.
تسعى الكتلة الإسلامية الشيعية الى القبول بمبدأ الأغلبية ورفض التوافقية اعتماداً على أغلبيتها البرلمانية (51 في المئة من المقاعد)، رغم أن هذه الكتلة نالت اقل من ذلك، أي بالتحديد 48.1 في المئة من الأصوات والمقاعد الأولية، ونحو 30 في المئة من عموم الناخبين (14.5 مليون). إن انهيار مبدأ التوافقية يعني انهيار أسس الدولة الجديدة.
هناك ثانياً مشكلة شكل النظام السياسي/ الإداري. ويحتدم الصراع بين فيديرالية اثنية (للشعب الكردي)، أو فيديرالية طائفية (لكل محافظات الجنوب)، أو المركزية القديمة التي مزقت العراق (موقف الكتلة السنّية في لجنة الدستور، رغم انها ليست ممثلة في البرلمان).
إن الفيديرالية في أبسط تحديد لها هي تقسيم للسلطات لتدعيم وحدة البلاد. وتقسيم السلطات يعني تمييزها الى سيادية، أي فيديرالية من اختصاص المركز، ومحلية، من اختصاص حكومة الاقليم. ولما كان العراق دولة نفطية، فإن توزيع الموارد هنا أيضاً توزيع للسلطة. وتريد الكتلة الإسلامية الشيعية تشويش معنى الفيدرالية، وإخافة الكتلة السنّية لجرها الى الوقوف ضد مطامح الكرد الشرعية. إن اللامركزية تكفي لحل مشكلة المحافظات المحرومة من الخدمات، أما الفيديرالية فأداة لحل المسألة الكردية في العراق.
هناك ثالثاً قضية الدين والدولة. وهنا ايضاً نجد صيغاً عدة حول الإسلام كمصدر للتشريع: أن يكون المصدر الأساسي الوحيد، أو أن يكون المصدر الأساسي، أو يكون مصدراً أساسياً، أو يكون مصدراً (واحداً فقط) من مصادر التشريع (العديدة).
الى جانب ذلك، ابتكرت الكتلة الإسلامية الشيعية مادة دستورية تعطي للمرجعية الشيعية موقعاً رسمياً كمصدر ارشاد وتوجيه، وهي ورقة توت بالكاد تستر حقيقة أن هذا هو مبدأ ولاية الفقيه الإيراني.
ولما كان التوازن في البرلمان هشاً، بسبب ضعف الكتلة الوسطية العربية، فإن الاستقطاب حول العلمانية مقابل الاسلمة يقع بأكمله على كاهل الأكراد تقريباً.
وهناك رابعاً مسألة الحقوق المدنية المعترف بها في المواثيق الدولية، وبخاصة الحريات الشخصية وحقوق الإنسان. ولما كان الإسلام السياسي يرتكز في ايديولوجيته على فرض نظام صارم في المأكل والملبس والمشرب، والقيم، فإنه يتعارض كلاً أو جزءاً مع الطابع الكوني للحريات والحقوق المدنية وحقوق الإنسان.
هناك خامساً الموقف من حقوق المرأة، ابتداء من تمثيلها بنسبة 25 في المئة في البرلمان (كحد أدنى) وصولاً الى قانون الأحوال الشخصية (الأسرة). وتقترح الكتلة الإسلامية الشيعية إلغاء نسبة التمثيل، وإلغاء قانون الأحوال الشخصية، واخضاع المرأة للأطر المحافظة كما يحددها رجال الدين.
ولعل بوسعنا إضافة حشد من النقاط المفصلة التي يدور حولها الخلاف (كيفية التصرف بعوائد النفط، تحديد وضعية محافظة كركوك، قوات البيشمركة الكردية، صلاحيات رؤساء الأقاليم، وما شاكل)، غير أن القضية الأساس هي الآتي:
إن الكتلة الشيعية تستثمر اللحظة الاستثنائية لفوزها بأغلبية أكبر من حصتها الفعلية، من جراء امتناع المحافظات السنّية عن التصويت، لكن اصرارها قد يقود الى أمرين: إما تعديل الدستور (المادة 61) لتمديد فترة وضع مسودة الدستور الى ما بعد 15 آب (اغسطس)، وبخلافه يجب حل الجمعية التأسيسية أو حل الجمعية والتوجه الى انتخابات جديدة، علماً أن هناك حركة واسعة في المحافظات السنّية لدخول الانتخابات من شأنها أن تقلب موازين القوى البرلمانية (السياسية). بل ان نجاح الأكراد والإسلاميين الشيعة في التوصل الى اتفاق مبدئي بتنازلات متبادلة، قد لا يكون ضمانة أكيدة للنجاح في الاستفتاء. إذ من المرجح أن يدلى الناخبون في المحافظات الممتنعة سابقاً باصوات الانتقام ضد الدستور، الذي لن يمر إذا اعترض عليه ثلثا المصوتين في أي من المحافظات الثلاث حيث يملك الناخبون قوة تعطيل الدستور.
وعلى سياسيي الكتلة الشيعية الإسلامية التفكير مرتين قبل اتخاذ أي موقف مستهين بهذه الكتلة الانتخابية الغاضبة غضباً مضاعفاً: غضب من الاقصاء، وغضب على الاستئثار.
زد على هذا، أن الكتلة الشيعية الإسلامية قد لا تحصد الكم ذاته من الأصوات. فالحكومة الحالية تفتقر الى الشعبية حسب مسوحات الرأي العام الأخيرة. كما أن تصرفات الأحزاب الإسلامية الشيعية في الاعتداء على الطلبة والنساء، والتدخل الفظ في الشأن اليومي الخاص بالمجتمع، قد لا تسمح لها بالحفاظ على مواقفها الانتخابية السابقة. لهذا السبب وغيره تناور هذه الكتلة لاحتكار أصوات الجنوب بفرض نظام الدوائر لا نظام التمثيل النسبي.
ولعل من الأفضل حل الجمعية الوطنية الحالية بدل أن يسود العراق دستور محافظ، خانق، يوقع بلاد الحضارات في قفص عبودية من نوع جديد. قد تؤدي الأزمة الى تشجيع محدود للعنف، لكن مواجهة العنف خير من تدمير الأسس الحضارية للدولة.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في ظل التحول الرقمي العالمي.. أي مستقبل للكتب الإلكترونية في


.. صناعة الأزياء.. ما تأثير -الموضة السريعة- على البيئة؟




.. تظاهرات طلابية واسعة تجتاح الولايات المتحدة على مستوى كبرى ا


.. تصاعد ملحوظ في وتيرة العمليات العسكرية بين حزب الله وإسرائيل




.. اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي مدينة الخليل لتأمين اقتحامات