الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تونس الانتخابات، إما الكفاءات وإما الفضلات

محمد الحمّار

2014 / 10 / 20
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


من علامات السُّبات،
أنّ تونس الكفاءات،
في كل المجالات،
شوارعٌ ملآى بالنفايات.
فهل جزاءُ الكفاءات
إلا النفايات؟
أم أنّ الخلاص آت
مع الانتخابات؟

ما الذي جرى لتونس التي بإمكانها إغراق بعض أسواق الشغل الإقليمية والإفريقية وحتى بلدان في أوروبا وأمريكا اللاتينية وآسيا بالمعلمين والأساتذة والممرضين والأطباء والمهندسين والمعماريين والقضاة والمحامين واليد العاملة المتخصصة - في شتى الميادين- والمدربين الرياضيين وغيرهم من الكفاءات؟ تونس هذه، هل قزّمت نفسها ومسختها واختزلتها في كومٍ من القمامة؟ فمن المسؤول عن استبعاد المخزون الهائل من الكفاءات عن المشهد العام لتحل محله مستنقعات الفضلات؟ وهل من سبيل إلى رفع الزبالة عن هذا البلد الأمين حتى يستعيد أمنه وأمانه بل ويضطلع بالأمانة؟

إنّ المسؤولية يقتسمها طرفان اثنان، واحد رمزي وواحد بشري. يتمثل الأول في غياب طريقة للتفكير الجماعي تكون مشفوعة بطريقة جماعية لتنفيذ الفكرة. ومن مهام هذه الآلية المفقودة إلى حدّ الآن التنسيق بين شتى أصناف الكفاءات. كما أنّ من شأنها أن توجَّه العقول الأكفاء صوب الطريق – المشتركة- المؤدية إلى الهدف الحضاري. أما الطرف الثاني فهو كل شخص مادي أو معنوي سولت له نفسه، إن بِفعل الجهل أم بِفعل التعمّد، أن يكون دوما حجرَ عثرةٍ أمام تشكل الطريقة الجماعية للتفكير وللتنفيذ. ومن بين هؤلاء أذكر التونسيين المنتمين إلى الطابور الخامس والذين يعتاشون من تاريخ البلاد المجيد ومن تراثها الثمين بأن يزرعوا مشاعر المذلة والهوان في صفوف الفئات الخاصة والعامة وبأن يتمادوا في غرس عقدة الأجنبي في أفئدة هؤلاء.

بالنسبة إلى ثاني مسؤولٍ بشري فهو المجتمع السياسي حتى لو اعتبرنا أنه لا يشتمل على عناصر تابعة للمنظومة النيوكولونيالية. ينطبق على هذه الفئة المبدأ القرآني "قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ" (الزمر:9) حيث إنها لم تستفد من المعارف والعلوم التي اكتسبتها الطبقة المثقفة بفضل دولة الاستقلال. لم تستفد هذه الفئة لا من العلاقة بين تلكم المعارف والعلوم من جهة ولا من علم السياسة الذي من المفترض أن يكونوا مُلمّين به قبل سواهم. هذا إذا اعتبرنا أنّ هذه الطبقة – من باب أولى وأحرى- تتملك أبجديات علم السياسة.

إنّ جهل معظم مكونات الطبقة السياسية بالسياسة وعلمها، ناهيك بدور المعارف والعلوم في مراجعة وتعديل وتطوير هذا العلم تحديدا، قد أسفر عن اندساس صنف خاص من الفضلات داخل العقل المجتمعي. و تتسم هذه القمامة باحتوائها على سموم مؤكدة مع أنها مختفية في داخل جسم السياسة اختفاء الورم السرطاني في جسم الإنسان المعتل. وها أني أكتفي بذكر اثنتين من تلك النفايات السرطانية السياسية:

أ. ما أسماه الكاتب البريطاني الهندي جورج أوروال "التفكير المزدوج" ("دبلثنك" بلغة شكسبير) والذي يتصف بقدرة الإنسان المعاصر العجيبة على الإيمان – في ذات الوقت- بفكرتين اثنتين متناقضتين على غرار الديمقراطية والاستبداد، التحرر العنصري والميز العنصري، التسامح والإقصاء وما إلى ذلك من الثنائيات. بالفعل آمنَت نخبنا السياسية بالتوق إلى الحرية وفي الآن ذاته بسلب الحرية من منظوريهم المنضوين تحت لواء الأحزاب التي يتزعمونها أو ضمن الهياكل شبه الحزبية التي يترأسونها حتى كانوا سببا في بروز نشطاء وقيادات متتلمذين عليهم لا يفرّقون بين الغث والسمين، أو بين التخلف والتقدم، إلى أن كان ختامها مسك بأن ابتُلي المجتمع بالإسلام السياسي الذي لا تخجل النخب المتسببة في صعوده بأن تتهمه بازدواجية الخطاب بينما هي الوكيل الرسمي والمورّد الأصلي للازدواجية.

ب. القاذورة التي وصفها نعوم تشومسكي بأنها "إيديولوجيا تتطلب جهدا كبيرا للزرع، إنها لاإنسانية إلى درجة أنه من الصعب أن تدخل (بالكامل) في رؤوس الناس، إيديولوجيا الاعتناء فقط بنفسك وعدم الاكتراث بأيّ شخص آخر. النسخة المتطرفة منها هي نسخة آني رند (كاتبة أمريكية من الخمسينات). في الواقع هنالك مجهود عمره 150 عاما كاملة تم بذله لفرض تلك الطريقة في التفكير على الناس"(ورد في كتاب "احتلّوا" ("أوكيباي" بلغة شكسبير)، وفي حديث أجرته معه جريدة "الغارديان" بتاريخ 30-4-2012).

إنّ هذا الفيروس القاتل يمثل (حسب نفس المفكر العالمي) حجر الأساس لِما اصطلح عليه بـ"الرأسمالية الفردانية". وما من شك، حسب اعتقادي، في أنّ هذه الأخيرة هي بدروها عيّنة فلسفية ملوِّثة حيث إنها تشكل الخلية الأمّ لٍما نعاني منه – نحن وسائر البلاد ذات الاقتصاد التابع - من "رأسمالية متوحشة" والتي يعبّر عنها المثل الشعبي التونسي "نفسي نفسي ولا يرحم من مات".

بالمحصلة، أعتقد أنّ المجتمع السياسي التونسي لم يكن في مستوى الرسالة المناطة بعهدته لرصد مثل هذه الجراثيم الفتاكة ثمّ للتوقي منها وبالتالي لتأمين الأحزاب والقواعد الشعبية من شرها، ومنه لتوفير المناخ السياسي السليم للناس كافة ولإعطاء دفع جديد للديمقراطية مفهوما وكممارسة.

أمام هذا التحدي الذي لم يعُد فقط شأنا محليا ولا حتى إقليميا طالما أننا أمام صنم إيديولوجيٍّ عابرٍ للقارات، فإنّ تونس مطالبة اليوم وقبل أيّ وقت مضى بأن ترفع مِن سقف مسؤوليتها بما يمكّنها من خوض غمار التصدي لهذا الوباء الملوّث للأخلاق والمُتلف للفكر و المشتت للسياسة.

لن يكون هذا ممكنا حسب رأيي إلا بواسطة مقاربة علمية ومنهج علمي وعلى أيدي علماء. فمَن الأعلم بسنن التاريخ والنفوس والمجتمعات والعقول يا ترى، السياسيون أم خبراء المعارف والعلوم وسائر الكفاءات البشرية؟ مَن منهم الأقدر – الآن- على قطع دابر الفضلات الإيديولوجية المعطلة للتدبر والتفكير الجماعي الرصين؟ مَن منهم الأجدر بأن يتحوّلوا إلى طاقات علمية عالمية تُوكلُ لهم إنجاز تلك المهمة الحضارية؟

إنّ هذه الحاجة ليست عزيزة إلا على الراسبين في الحضارة. وهل أنّ بلدَ ماسنيسا الأمازيغي، وحنبعل القرطاجني، وعقبة ابن نافع العربي، وأُمِّ مَلال القيروانية حاكمة إفريقية، وابن خلدون العالم، وعزيزة عُثمانة الإنسانة السخية، بلد الراسبين؟ مع تمنياتي لناخبي 26 أكتوبر بمَوفور الحظ وبحسن الاختيار، ولبلدي بدوام الجهد من أجل الخلاص .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة إيمرسون بأ


.. شبكات | بالفيديو.. هروب بن غفير من المتظاهرين الإسرائيليين ب




.. Triangle of Love - To Your Left: Palestine | مثلث الحب: حكام


.. لطخوا وجوههم بالأحمر.. وقفة احتجاجية لعائلات الرهائن الإسرائ




.. الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا