الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عولمة داعش...3

اكرم هواس

2014 / 10 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


عولمة داعش...3

بودّي ان أعطي هذه المقالة عنوان " داعش و صورة الذات"... لان هذا العنوان يتوائم مع السؤالين الذين تم طرحتهما في خاتمة المقالة الثانية و هما عن البعد الفلسفي لمفهوم العولمة و الجانب الوظيفي لهذا البعد وسط غابات السياسة و ممارساتها اللا إنسانية ...

لكن فلنبدأ ببعض الملاحظات الأولية قبل ان ندخل في صلب الموضوع... أولى هذه الملاحظات ... هي ان طبيعة العنف المصاحب لظهور و تمدد داعش ليس أمرا غريبا في تاريخ ظهور اغلب الحركات و اتساعها و بناءها دولا و إمبراطوريات ... او فشلها و اندحارها... هذا لا يلغي ان حركات تاريخية اتخذت مناهج اقل عنفا ... او حتى "لا عنف"... لكن العنف ظل هو العنصر الأكثر فاعلية في خلق الدوافع الذاتية و كذلك العوامل المادية في صنع الانتصار... سواء كان هذا الانتصار ماديا متمثلا ببناء دول و إمبراطوريات ... او معنويات من خلال تسجيل مواقف تاريخية ضد الظلم او الاحتلال الأجنبي او الدفاع عن منهج فلسفي او ديني او قومي او اثني او وطني ... او عن القبيلة او العشيرة او العائلة ... اي عن الذات... الذات الفردي او الجمعي... ( موضوع العنف طويل و يمكن ان نعود اليه في مقالات لاحقة)...

ثانيا...ما نشهده اليوم هو تكبير صورة Image Enlargement لنموذج العنف الذي وجد عبر التاريخ و هذه العملية تتوافق كثيرة مع عملية تكبير صورة نموذج الاستغلال الاقتصادي و التوسع (Expansionism) على حساب الآخرين... و اعني هنا العولمة ....الذي هو ايضا نموذج تاريخي بدأ منذ بدايات بناء المجتمعات و توسع عبر ما يصطلح عليه الحضارات القديمة و الامبراطوريات و الاستعمار... الخ... هذا النموذج تم تكبيره ليشمل كل العالم في إطار توحيد مناهج الاستغلال و مركزية القوى التوسعية و هي غالبا قوى غربية لكن بالتأكيد لها امتدادات في كل المجتمعات الاخرى و تستند في قوتها الدافعة للتمدد و التوسع على قوة الغرب العسكرية و التكنولوجية...و هذا هو جوهر مصطلح العولمة...

ثالثا...بهذا الوصف هناك نظرتين اختزاليتين... "1".. تتعلق باختزال العالم و قواها و مركباتها الاجتماعية و مستويات التطور الاجتماعي المختلفة في مجتمعات مختلفة و تجارب مختلفة... كل هذا يتم اختزاله في رؤية النخبة الاقتصادية و العسكرية و السياسية الاجتماعية الثقافية المهيمنة على اليات العولمة و تمددها و توسعها..."2"..يتم اختزال صورة العولمة ذاتها الى الهيمنة الاقتصادية و ما يصطلح بعض المفكرين و القوى السياسية بأنها مرحلة متقدمة من الاستعمار و الإمبريالية... و كفى..

هنا لا بد ان نتذكر... انه تم طرح مفاهيم بل و مشاريع اخرى للعولمة و منها مفهوم "العولمة من تحت Globalisation from Below " هذه كانت فكرة او مشروع القوى اليسارية و المجموعات الانسانية التي و ان عارضت اليات الاستغلال و التوسع الاقتصادية للقوى الرأسمالية فإنها سعت الى توظيف الانفتاح العام في خلق اليات عابرة للدولة و للحدود الجغرافية و السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية التي اعتاشت عليها الرأسمالية في القرون الماضية خاصة منذ تأسيس الدولة القومية و تقسيم العالم الى أغنياء و فقراء...

مشروع "العولمة من تحت" هو محاولة لانسنة العولمة اي اعطائها جوهر انساني يقوم على توسيع فكرة التضامن الإنساني و التعاون في صنع السلام و الأمن و التطور و النمو للجميع.. افرادا و مجتمعات... هذا المشروع توسع و شمل اغلب قوى المجتمع المدني و كذلك العديد من القوى الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و كذلك من الأحزاب السياسية من اليسار و الوسط و الأحزاب الخضر و حتى بعض قوى اليمين غير المتطرف في أوروبا و الغرب عموما....لكن تبقى هناك تساؤلات حول الى اي مدى نجح هذا المشروع و هل كان مخترقا من القوى المهيمنة حتى يخفف من قوة الرفض و مقاومة اليات العولمة ... هذه التساؤلات هي شرعية و واقعية و تحتاج الى دراسات كثيرة...لكن الخلاصة الأولية هي ان هذه التساؤلات لم تلغي فكرة "أنسنة العولمة" بغض النظر عن نجاحها الواقعي خاصة في ظل توسع مستويات العنف و الجريمة و الفقر و التصحر و الهجرات و انتشار الأمراض ... الخ من المشاكل المتفاقمة...المصاحبة ايضا للازمات الاقتصادية و الاخلاقية و السياسية التي تجتاح العالم خاصة في عالم الفقراء و الشرق الأوسط في قلبه... رغم كثرة الموارد..!!!...

رابعا...اعتمادا على ما تقدم فانه يمكن الوصول الى خلاصة أولية و هي ان العولمة... شأنها شأن اية ظاهرة... لا يمكن تقييمها باي شكل اختزالي من حيث فتحها لأبواب تطورات مصاحبة قد تتوافق معها او تقاومها ... كما لا يمكن وضع هذا التمدد و التوسع في إطار خط مستقيم تبدأ من مرحلة و تنتهي في اخرى يمكن استقرائها بشكل واضح... بل ان اية ظاهرة و منها العولمة تحتمل اتجاهات مختلفة و قابلة ان تنتج محصلات مختلفة عن الأهداف و التوقعات المسبقة ...

خامسا... الان لو وضعنا ظاهرة داعش في هذا الإطار ... اي باعتبارها احد مظاهر العولمة... فإننا لابد ان ننتبه الى عدم الوقوع في خلاصات تحاول اختزال ظاهرة داعش الى الاسلام .. فكرا و فلسفة و تجربة... او حتى اختزالها داخل الإطار الاسلامي الى تجارب مجموعات معينة دون غيرها من المجموعات ...

لاشك ان القوة الدافعة للفعل و الفكر التأويلي و الأسس التنظيمية و المحددة للاهداف يمكن ربطها بتجارب محددة اكثر من تجارب اخرى و كذلك بأسس اجتماعية اكثر من غيرها... قبلية تقليدية غالبا... الا انها لا تنفصل أبدا عن الرؤية العامة لتجربة الاسلام و ترسيخه و توسعه... و القوة الاخلاقية و التأويلية لأسباب هذا التوسع...او الفتح... على حساب النظم و القيم الحضارية للمجتمعات السابقة للإسلام ...

هذه اشكالية عامة و تتعلق أساسا بمفهوم التطور الحضاري لأي مجتمع... لان اي مجتمع أينما كان في هذا العالم... يكون انثروبولوجيا ... قد بدأ بمجموعة صغيرة من الأفراد الذين اتفقوا... او اضطروا... لقبول مجموعة من المفاهيم و السلوكيات الضامنة لامنهم اقتصاديا و اجتماعيا و سياسيا...قبل ان يتم تمدد هذه السلوكيات و التقاليد و الاعراف و وسائل الانتاج ... لتزيح تجارب المجتمعات المحيطة او تتأقلم معها بشكل او باخر.... لتشكل في النهاية قوة مهيمنة تقودها نخبة اقتصادية سياسية اجتماعية و عسكرية...و هكذا...

و لاشك ان مستويات مختلفة من العنف... سواء كان عنفا جسديا و حربيا او قهرا سياسيا او ترغيبا اقتصاديا او اجتماعيا...غالبا دينيا... كان ضرورة لاجبار او إقناع الآخرين بقبول هيمنة الأفكار الجديدة و سيطرة النخب المختلفة... و لا شك ايضا انه دوما كان هناك نوعا من المقاومة.... كما كان هناك دوما انواعا من المساومات... و في النهاية أنتجت مناهج جديدة و تجارب ناجحة و أليمة ... منتصرون و خاسرون ماديا و اخرون معنويا...

الان اعود الى السؤالين المهمين في مقدمة المقالة... هنا اعتقد ان أهمية البعد الفلسفي و التوظيف الإنساني في مفهوم العولمة... و داعش كأحد مظاهرها... هذه الأهمية تكمن في ضرورة رؤية الذات... ضرورة دراسة العوامل الذاتية... للتطور الاجتماعي الذي مهد لظهور داعش و الأسس الاخلاقية ... الاجتماعية و الدينية و السياسية... لانتهاج مبدأ العنف و تبرير مستوياته... و توظيف ذلك كألية للتمدد و التوسع...

بالمقارنة بين المشروعين المختلفين للعولمة... المشروع الاقتصادي السياسي الاختزالي و المشروع الإنساني التضامني... يمكننا ان نفترض التفكير في مشروع بديل لمشروع داعش... مثل هذا هذا المشروع لابد ان يتضمن الكثير من العناصر و الاحتمالات ( سنتحدث عن ذلك في المقالات المقبلة) لكن مبدئيا لابد من البدأ بمرآة الذات..

بكلام اخر ... رغم انه من الأهمية بمكان عدم الوقوع في شرك الاختزال... الا اننا نحتاج ان نعيد قراءة الذات...خاصة المسلمون...قراءة التناقض بين سعادتنا عندما نقرأ عن تاريخ الفتح الاسلامي و توسع الاسلام و رفضنا و اشمأزازنا و القشعريرة التي نشعر بها الان عندما نرى كيف تمدد داعش عن طريق القتل و سبي النساء و الأطفال.... و تدمير حضارة المجموعات الاجتماعية الاخرى... سواء كانوا مسلمين لا يؤمنون بمنهج داعش او غير مسلمين او من إثنيات اخرى ... خاصة المسيحين و الايزيديين و الكاكائيين .... كورد و تركمان و ارمن و شبك... الخ....

لنا ان نتصور تلك اللحظات التاريخية المفعمة بالتفوق و الاعلوية لدى البعض و الرهيبة و المفجعة لدى الآخرين عندما كانت قوات المسلمين تحقق الانتصارات و تفتح المدن و تزيح أسس الحضارات السابقة او تغييرها وفق منطق الاسلام... لا شك ان مثل تلك اللحظات وجدت ايضا قبل الاسلام في توسع حضارات و إمبراطوريات سابقة كما جرت في التاريخ الحديث من الاستعمار... لابد ان نتذكر قساوة الفايكنغ الاسكندنافيين في التوسع في شمال أوروبا ... و فتح الأوربيين للقارتين الامريكيتين و ابادة سكانها الأصليين تحت عنوان نشر المسيحية... بمستويات أسوأ من الحروب الصليبية...و التوسع الاستعماري الحديث في افريقيا واستعباد سكانها.... و بين هذه المراحل التاريخية هناك الكثير و الكثير من التجارب المرعبة..مثلا التمدد السوفيتي خارج روسيا... الحربين العالميتين و قتل ملايين الناس ... و حروب أمريكا في فيتنام و شرق اسيا عموما و استخدام القنبلة الذرية و اخيرا في أفغانستان و العراق ...التي ما تزال تتجدد تحت تأويلات مختلفة.... مع تطوع القوى الذات الشرق-اوسطية لدعمها بشريا و اقتصاديا بل ثقافيا و اجتماعيا..

اعادة التفكير في تلك اللحظات هي اعادة لتشكيل وعينا... ليس فقط بالحضارات السابقة التي نفتخر بها و نحتقرها... بل ايضا بما ننعم به من نتاج حضارة اليوم..... شرقا و غربا... شمالا و جنوبا... بكل ما ينم و يعني مفهوم التنعم ... سلبا و ايجابا.... نحن... جميعا... نحتاج الى لحظة وعيوية مختلفة و بعيدة ... قدر الإمكان... عن مصالحنا المباشرة و احلامنا و طموحاتنا و مشاريعنا و استراتيجياتنا.... الشرعية منها... كما نسميها... او غير ذلك...

كلامي ليس قرعا للذات او لوم الذات Self-reproach كما يسميها البعض.... بل محاولة لفهم الذات من خلال دورها فيما يجري .... و من هنا فان الخلاصة الأولية هي ان العنف كان و ما يزال المنهج الاسهل و الغالب في تفكير بني البشر...فيما يتعلق بما يحدث الان في الشرق الأوسط ... لابد ان نعترف جميعا... ان ظاهرة داعش... هي اشكالية ذاتية متمثلة في محصلة "سعادة" المسلمين للانتصارات التاريخية... و "خضوع" غير المسلمين و تعايشهم مع تلك الانتصارات و الفتح و التوسع رغم انها كانت على حساب حضاراتهم و تجاربهم الخاصة...

في المقالة التالية سنتحدث عن "تشظي الذات"... حبي للجميع..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أميركية جديدة على إيران تستهدف قطاع الطائرات المسيرة


.. ماكرون يدعو لبناء قدرات دفاعية أوروبية في المجالين العسكري و




.. البيت الأبيض: نرعب في رؤية تحقيق بشأن المقابر الجماعية في قط


.. متظاهرون يقتحمون معهد التكنلوجيا في نيويورك تضامنا مع جامعة




.. إصابة 11 جنديا إسرائيليا في معارك قطاع غزة خلال الـ24 ساعة ا