الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نشاط الأرمن في الصحافة والأدب في مصر - 3

عطا درغام

2014 / 10 / 24
الادب والفن


نشطت الصحافة الأرمنية كميا في أعقاب موجات النزوح إلي مصر ، ولكنها كانت في الأغلب الأعم من ذوات العمر القصير والتأثير المحدود. ورغم هذا ، كانت الحركة الصحفية الأرمنية عموما وسيلة مهمة للتعبير عن النفس وإثبات الذات والتحدي من أجل البقاء في ظل الظروف النفسية للشتات الأرمني، فضلا عن كونها من أدوات الحفاظ علي الهوية الأرمنية وتدعيم أواصرها. وباستثناء جريدتي هوسابير وأريف اليوميتين الجريدتين المتناقضتين أيدلوجيا ، والتي تمحورت حولهما الحياة الأرمنية المصرية ، لم تترك الصحافة الأخرى بصمات قوية علي الأرمن المصريين غير وازعها النفسي.
كما أسهمت الصحافة في تنشيط الحركة الأدبية بين أرمن مصر ،إذ كان أغلب محرريها ومصاحفيها من الأدباء والشعراء والنقاد الأرمن الغربيين النازحين من الدولة العثمانية. وتجدر الإشارة هنا إلي أن أرمن مصر لم يتفردوا بهوية أدبية ذاتية ، ولكنهم شكلوا جزءا من منظومة الأدب الأرمني الغربي والأدب المهجري العام.
ويمكن تقسيم هؤلاء إلي جيلين رئيسيين :
أولهما : من الأرمن النازحين إلي مصر بين عامي 1896-1923 غالبا من الأستانة ويمثلهم آربيار ، يرفانت أوديان، فاهان تيكيان ، ديكران جامسراجان، ديكران يرجات ، سيمباد بيوارد، ميكائيل جورجيان ، ديكران آربياربيان ، سورين بارتيفيان ، ديران كليجيان ، هاروتيون آلبيار..إلخ.
ثانيهما : الجيل الذي تكون ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين ممكن نزحوا إلي مصر بعد عام 1923 ويمثلهم آرسن يرجات ، جاك هاجوبيان ، أرشام دادريان ، إستيبان شاهباز، هايج جامجوتشيان...إلخ.
ثمة علامات فارقة في حياة الأدب الأرمني الحديث الذي يؤرخ النقاد بدايته مجازيا منذ منتصف القرن التاسع عشر:
أولا : الصراع بين تيارين متباينين حول لغة الكتابة في مختلف الأجناس الأدبية؛ تيار الفصحى (كرابار) وتيار العامية ( أشخارهايار) الذي انتهي برجحان كفة الأخير.
ثانيا : انقسم اللغة الأرمنية تبعا وضعية أرمينية سياسيا إلي لهجتين ؛ شرقية ومركزها تفليس وغربية ومركزها الأستانة.
ثالثا: اتسام الأدب الأرمني الشرقي ( الروسي) بالانهماك والتفاعل مع شتي ضروب الحياة الأرمنية الواقعية ، بينما انسحب الأدب الأرمني الغربي ( العثماني) إلي أعماق التاريخ للتغني بأمجاد الأسلاف.
وأدي اطلاع الكتاب الأرمن علي الثقافات الأوربية ، لا سيما الفرنسية ، ونمو الصحافة وميلاد القضية الأرمنية وتطورها إلي تكوين المدارس الأدبية الأرمنية: الرومانسية والواقعية والجمالية. بيد أن مذبحة عام 1915 تعد علامة مفصلية علي درب الحياة الأدبية الأرمنية حينما تشتت الأرمن الناجون عبر أنحاء العالم فيما تمخض عنه ظهور أدب المهجر الذي كتب بفرع اللغة الأرمنية الغربي.
بعد ذلك، راحت الجالية الأرمنية تلملم أشلاءها المبعثرة هنا وهناك. وظهرت الصحافة الأرمنية المهجرية التي أتاحت ظهور بعض الكتاب الذين صاروا من أعلام الأدب الأرمني .وقد تمحورت قضاياهم الأدبية بعد عام 1915 حول حياة الأرمني المهاجر روحيا وماديا في ظل المجتمع الجديد الذي تفاوت اهتمامه به بين محتضن له يعطف عليه بدافع الشفقة والرأفة وبين رافض له يراه بعين المزاحم علي أبواب المصانع والوظائف . وعكست النتاجات الأدبية المهجرية حيرة الأرمني الدائمة بين وطنه الضائع وموطنه الجديد الذي يسعي إلي الاستقرار فيه والتأقلم معه في خط متواز مع الحفاظ علي هويته الأرمنية . وتباكت هذه الكتابات علي حاضر الأرمن ومستقبلهم ، وعزت ماضيهم الأغبر . ولم يشذ الأدب الأرمني المهجري عن الطابع العام لأدب المهجر من حيث الحنين إلي الجذور والتعلق بالتراث واللغة مما وسم هذا الجنس الأدبي ب" أدب الحنين" أو "أدب الذكريات".
بيد أن قضية الحرب قد احتلت موقعا محوريا في الإنتاج الأدبي الجمعي الأرمني حيث لا يوجد كاتب إلا وقد طرقها قربا أو بعدا . ولا غرو في أدب شعب تكني بلده ب" تفاحة الحرب" لكثرة الحروب التي دارت علي أرضه بين الإمبراطوريات الاستعمارية المختلفة . ويبلور هذا الأدب بشاعة الحرب في أنها تحصد الإنسان- الرجل، وتشوه روح الإنسان- المرأة الأم رمز النماء والخصب الذي ستمتد روحه إلي الأطفال – إنسان الغد.
ويمضي الأدب الأرمني المهجري علي وتيرة واحدة تتقاطع فيه مشاهد: المجتمع الريفي- عصب الحياة الأرمنية، ذكريات الأسلاف، صور المذبحة ، قوافل المرحلين إلي المنافي...إلخ.
لم تنفصل بنيوية الأدب المهجري المصري شكلا ومضمونا عن النسق العام لأدب أرمينية الغربية والشتات ، ولتأكيد ذلك، يمكن تسليط الضوء علي بعض نماذج من الأدباء والشعراء والنقاد الأرمن في مصر.
ثمة آربيار آربياريان (1850-1908) الذي ينتمي إلي المدرسة الواقعية الأرمنية. ويعد شخصية مهمة في التاريخ الثوري ، ناهيك عن دوره الواضح في الصحافة والأدب الأرمينيين ؛ فهو من مؤسسي الأدب الواقعي الذي صور الحياة اليومية بأجلي بيان وبأسلوب جذاب مؤثر مما أضفي علي الحياة الصحفية فعالية نشيطة . وكافح طوال حياته العادات الجامدة والأفكار العتيقة البالية السقيمة الرجعية . كما صور بنقده الأطوار والأخلاق والحياة الخاصة لأصحاب الفخامات والعزات ورجال الدين في قصصه:" المتنبي" ،" الزكاة الحمراء" ، "الأساور الذهبية"، "حتي متي؟" التي فندت وعالجت القضايا السابقة.
ويأتي الكاتب الساخر يرفانت أوديان (1869 -1926) الذي يعد أهم أعلام مدرسة الأدب التهكمي النقدي الأرمني. وقد ظهرت أهم مؤلفاته بعد عام 1897 علي شك روايات أو ترجمات ، ولكنه أحرز مقاما كبيرا في الأدب التهكمي النقدي بكتابته ( الثوار المزيفون" وفيها يهجو الثوار الكاذبين والدساسين والمدعين الذين كانوا ينصبون أنفسهم أبطالا قوميين .وانشأ يتمم شخصيته الأدبية منذ عام 1908 في الدور الدستوري العثماني، وقد كتب روايات وحكايات جنائية وبوليسية في الصحف الأرمنية اليومية لإمداد القارئ بالمطالعات اليومية.
ومن آثاره الفكاهية التهكمية "شارشيلله أرتين أغا" ، " الرفيق بانتشوني"، زفاللي" ، " مولود الإكسبريس"،" زوجة رئيس اللجنة". ومن هذه الروايات لا تزال "أرتين أغا" و" زفالي" تمثلان علي المسارح الأرمنية بسب روعتها وفنهما الهزلي.وقد أبدي أوديان براعة نقدية في كتاباته حيث يصور الشخص فيها بجميع تفصيلاته الأخلاقية والفطرية والمزاجية.كما أنه أديب واقعي كتب جميع أعماله في الحياة اليومية الواقعية. وصور بقلمه النقدي جميع النواقص في الحياة اليومية الأرمنية من ثورية ودينية وعائلية وطبقية وأدبية ، ونقد كل واحد منها بنجاح تام مطابقا الواقع . كما صور الأشخاص والأعمال بفن سيكولوجي . لقد نقد الروحاني والعلماني، الثوري والمحافظ، العالم والجاهل ، السياسي والمحايد.
ويكني فاهان تيكيان (1878-1948) بأمير الشعراء الأرمن ،إذ بفقدان فحول الشعراء الأرمن عام 1915 علي أيدي الأتراك مثل تانييل فاروجان (1884-1915) وسيامانتو(1878-1915)، غدا تيكيان الشاعر الفذ الذي نجا من القتل بسب وجوده خارج الآستانة.
من أهم أعماله : "هوكير"(هموم) ، "قيام البديع" ، " من منتصف الليل إلي الفجر" ، "أرواح هائلة تصعد إلي السماء"، " سير"( الحب) ، التغني بالأرمن" . كما ألف ديوانا شعريا بعنوان " وحيدتي" عندما كتب سلسلة مقالات في جريدة "أريف" ضد خصومه السياسيين مما أدي إلي اعتداء بعضهم عليه وفقاوا عينه اليمني.
ويلاحظ أن كتابه " الهموم" مشتق من الحياة الغرامية ، بعض منه منثور وبعضه الآخر منظوم . وفيه ، وصف الأحلام الشخصية والأشواق الغرامية المترددة خوفا.
ولقد أنتج روحا قيثارية خالصة وتمكن من إعلائها إلي مرتبة الشعر الفني .
أما من حيث الدقة والعناية بالألفاظ والكلمات وتنظيم الشطور والأبيات فهو قليل الإنتاج. أما أثره " قيام البديع " فيحوي أشعارا موسومة بسمته الخاصة ، فيها مظاهر قومية وإنسانية وشخصية وآلام واضطرابات نفسية مطابقة للحقيقة والواقع. وأثره " من منتصف الليل إلي الفجر " يحوي قصائده المنظومة بين 1914-1919 في سني الحرب والكفاح الأرمني؛ وصف فيه صراع الأمة الأرمنية والكفاح في سبيل التحرير والفجر السياسي بتأسيس جمهورية أرمينية الأولي (1918-1920) . وفيه أبدي إحساسات وعواطف بشرية وفردية. و" الحب" فيه نظرات الفيلسوف في مرارة الأيام الغابرة والأحلام السابقة التي لا رجعة لها ، ولكنه متمسك بأهداب الأمل، متشائم غير راض . وينظر إلي الغد بشعلة الأمل الضئيل متوكلا علي الله ، ويغمر بروح التفاؤل تشاؤمه.
وهكذا ، يتضح من استعراض الملامح الأدبية لهذا الثالوث (آربياريان،أوديان، تيكيان) العلاقة الحميمة بين الصحافة والأدب الأرمنيين . ففي رحم الصحافة ، ولد الأدب وتربي، ومن ثم ، كان الصحفيون والمحررون هم أنفسهم المفكرين الثوريين والأدباء والشعراء والنقاد.
ويذكر أن معظم نتاجات هؤلاء الكتاب الأدبية والفكرية قد بدأت علي شكل مقالات مسلسلة علي صفحات الجرائد وانتهت بتجميعها بين دفتي كتاب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أقرب أصدقاء صلاح السعدني.. شجرة خوخ تطرح على قبر الفنان أبو


.. حورية فرغلي: اخترت تقديم -رابونزل بالمصري- عشان ما تعملتش قب




.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث