الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيرَة حارَة 28

دلور ميقري

2014 / 10 / 30
الادب والفن


1
بن " حج عبده "؛ كان أعز أصدقاء أخي الكبير، خصوصاً أن منزل أسرته يقع مقابل منزلنا تماماً. ومثل معظم أولاد الحارة في ذلك الزمن، فقد كان الصديقان شقيين أكلت دروب البساتين والجبل جلود أرجلهما....!
ذات مرة، قرر الصديقان أن يمضيا في مغامرةٍ مثيرة، أبعد منالاً من البساتين والجبل. فما أن اختفت آثارهما نهاراً كاملاً، وبدأ الأهل بحثهم، حتى علموا من أصدقائهما أنهما سافرا إلى بيروت. آنذاك، كان عمر كل منهما لا يتجاوز 15 عاماً. ولكنهما، في المقابل، كانا كالرجال قوة وإرادة....!
بعد ثلاثة أو أربعة أيام، عاد الصديقان من مغامرتهما اللبنانية، فأرسلا ولداً يخبرني سراً أن أوافيهما إلى كرم الصبّار " رزي آني ". عندما ذهبت إلى ذلك المكان، استجوبني كلا الهاربين عن ردة فعل أسرته ونيتها بخصوص العقاب المحتمل. فلما علم شقيقي بأن العم الكبير يسانده، فلم يتردد في مرافقتي لمنزلنا. أما ابن حج عبده، فكان يخشى من قبضة شقيقه الكبير. وإذاً، تعيّن عليّ أن أكون وسيطاً بينهما. كنت سعيداً بهذه المهمة، التي أضفت على شخصي أهمية معتبرة. ولكن، حينما عرف ذلك الشقيق بأن أخيه ينتظر في أسفل الزقاق، طلب مني أن أشغله بالحديث ريثما يصل هو إليه. كانت ساعة من الليل، متأخرة نوعاً، عندما وجدتني أقف بمواجهة الولد الهارب حاجباً عن ناظريه الطريق. وما كان سيسهل من الفخ، هو أن مصباح الكهرباء كان يقوم فوقنا مباشرةً فيما أن قلب الزقاق غارقاً بالعتمة. الهارب، كان إذاك مستمراً في حديثه عن عجائب بيروت ( مثل شارع الحمرا والروشة )، دونما أن يفطن لاقتراب خطوات شقيقه. فجأة، شعرت بتأنيب الضمير، فما كان مني إلا أن همستُ: " اهرب! ". سكت بطل المغامرة، فكررت كلمتي هذه المرة بصوت مسموع. فاندفع الولد فاراً من المكان، وكان عندئذٍ أشبه بظبي منفلتٍ من مطاردة الأسد. على الأثر، صاح بي شقيق الهارب غاضباً: " أنت من نبهته! سمعتك تقول له اهرب "........!

2
" تنور أبو حاتم "؛ هوَ أحد معالم حارتنا وطفولتنا على السواء. كيف لا، وقد كنا لا نستغني عن خبزه المرقوق ( الصاج ) وخصوصاً في فطور الجمعة، الذي كان منذوراً للفتة والحمّص والفول....!
" أبو حاتم "، كان آنذاك يقيم في منزل بأسفل الزقاق ( اشتراه منه عمي فيما بعد )، وكنت من ناحيتي صديقاً لولديه. كان الرجل صاحبَ مزاج، لا يكاد يمضي ليلة دونما صحبة الراح والأقداح. على ذلك، لم يكن بالغريب أن يغازل زبائنه من النساء الريفيات، المستوطنات بالحارة. وكانت " أم زهير " إحداهن؛ وهيَ امرأة من ريف الساحل معرَّفة بالفتنة. ذات صباح، راح أبو حاتم يوجه كلامه لهذه المرأة، والتي تجاهلته فيما كانت مقطبةً قسمات وجهها الجميل. عندما تمادى الرجل الماجن، إذا بالمرأة تصرخ به مغضبةً وهيَ تهز بيدها حاجز المدخل، الخشبيّ. عند ذلك، بادر الفران لتقديم أرغفة الخبز لها، متخطياً دوري ببساطة. عندما غمغمتُ محتجاً، فإن أبا حاتم خاطبني مقهقهاً: " له يا ابني! بدك خالتك أم زهير تزعل منا؟ "....!
في المرة التالية، فإن من ضربَ بيده على الحاجز الخشبيّ كان ضابطاً بالمخابرات. إذاك، كان شقيقي الكبير هو المكلّف بجلب الخبز لفطور الجمعة. طلبَ الفران من الضابط الغريب ( أعتقد أنه كان ديرياً؟ ) أن يهدأ. إلا أن هذا ردّ بالشتائم والتهديد. حينما صُفع أبو حاتم أمام بعض أولاده العاملين معه، فإن أخي المعروف بالتهوّر هوَ من بادر للرد. وجه لكمةً صاعقة مباشرةً لقلب الرجل الأخرق، ثم أتبعها بما تيسّر من ضرب وركل. من جهتي، لم أسمع حينما ركضت نحو ميدان الواقعة سوى صرخة ذلك الضابط " ولك أعطوني مسدسي! ". فرّ شقيقي من المكان، تاركاً الرجل منطرحاً على الأرض كالميت. حينما حضرت دورية للأمن لاحقاً، فإن الفران وعماله أنكروا أمام أفرادها معرفتهم بشخصية المعتدي. منذ ذلك الوقت، اعتدنا على اطلالة أبي حاتم على منزل " بديع ديركي "، الذي كان بعهدة والدنا لحين عودة صاحبه من أوروبة. في هذا المنزل الفخم، كان من الممكن مشاهدة البث التلفزيوني اللبناني بفضل الانتين المتطوّر. حضور السهرة، لم يكونوا من ندماء الكاس والطاس. لقد كانوا يتابعون عادةً نشرات الأخبار، الناقلة أخبار ثورة الملا مصطفى بارزاني، ثم لا يلبثون أن يعلقوا عليها بحماس. وكان الفران أكثرهم حماسة؛ هوَ من أطلق اسمَ " مصطفى " على أصغر أطفاله تيمناً باسم قائد تلك الثورة.

3
قلنا، أن الثأر هو من عادات المجتمع الكردي الدمشقي، المتسم أفراده بالميل للعنف عموماً. أحياناً كان تبادل أدوار الثأر من الجنون، أنّ المسؤولين في الشرطة كانوا يتدخلون شخصياً إذا ما عجز المختار ووجهاء القوم عن ايقافها. بل إن وزير الداخلية بنفسه، هو من رعى في بداية التسعينات حفل الصلح بين عائلتي " تنوكي " و " بوبو "....!
" أبو غازي تنوكي "، كان قد قتل في بداية السبعينات بيد جاره الغريب، المستأجر لديه، ودونما أن ينتقم أحد لدمه. ويقال، أن القتيل كان قد سمع بتحرش ذلك الجار ( وهوَ عسكري متطوع من ريف الساحل ) بقريبة له، فقرر أن يؤدبه. أثناء المشادة بينهما، سحب أبو غازي مسدسه على سبيل التهديد، فما كان من الآخر سوى الاندفاع نحو غرفته ليجلب الكلاشينكوف ويطلق من ثم الرصاص. بقيَ هذا الجار معتصماً في غرفته لساعات، إلى أن حضرت دورية شرطة وأخرجته من المنزل تحت أنظار آل تنوكي الواجمين، الصامتين....!
ولكن، عندما قام ابن بوبو بقتل أحد أولاد تنوكي، فإن هؤلاء الأخيرين تنادوا للانتقام وقرروا فوراً الأخذ بالثأر. القاتل، اختفى من الحارة كالعادة. فما ان مضت بضعة أيام، حتى طرق باب منزلهم الكائن في أعلى حارة الكيكية. من فتح الباب كان الشقيق الأصغر للقاتل، فما لبث أن سقط مضرجاً بدمه على أثر اطلاق النار عليه. كان فتىً لم يبلغ بعد العشرين من عمره؛ وكان قرة عين والدته الأرملة بحُسن سلوكه واجتهاده. شقيقه القاتل، ما لبث أن أخذ بثأره. هذا الشاب ( ابن المرحوم أبو شيركو )، لم يكن جباناً بطبيعة الحال، ولكن أعمامه هم من أجبروه ثانيةً على مغادرة الحارة إلى أن تم الصلح أخيراً بين العائلتين. بالمناسبة، أتذكر أن ابن بوبو رافقنا بمنتصف الثمانينات في الصعود إلى جبل قاسيون من أجل اشعال نار النوروز. فما أن تراقصت نيراننا، حتى رأينا أفراد الشرطة يتسلقون الصخور ويتجهون نحونا. بقي ابن بوبو في مكانه، غير آبه بصيحاتنا وتحذيرنا. فما أن صار الشرطيون أقرب مسافة، حتى سحبَ مسدسه بهدوء وبدأ بأطلاق الرصاص من فوق رؤوسهم.......!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ياحلاوة شعرها تسلم عيون اللي خطب?? يا أبو اللبايش ياقصب من ف


.. الإسكندرانية ييجو هنا?? فرقة فلكلوريتا غنوا لعروسة البحر??




.. عيني اه يا عيني علي اه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي


.. أحمد فهمي يروج لفيلم -عصـ ابة المكس- بفيديو كوميدي مع أوس أو




.. كل يوم - حوار خاص مع الفنانة -دينا فؤاد- مع خالد أبو بكر بعد