الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صابونة وشفرة حلاقة وعشرة دنانير

العربي عقون

2014 / 11 / 5
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني


البعض يسميها حرب الجزائر والبعض يسميها الثورة الجزائرية لكن الاسم الراسخ في أذهان الجيل الذي حرر الجزائر هو "الثورة" لأنها عند هؤلاء هي حركة تسارع تاريخي اختزلت قرونا في سبع سنوات ونصف السنة لتنقل شعب الجزائر من القرون الوسطى إلى عتبة التاريخ الحديث بل إن بعض الجزائريين في الجبال والأرياف وفيافي الصحراء الكبرى منع عنهم الاستعمار في ليل بهيم دام أكثر من قرن وربع القرن أن يحيوا حياة آدمية إنسانية بتشريعاته المنافية لحقوق الإنسان المسماة le code de l’indigénat (*) فأبقاهم في حياة بدائية أقرب إلى العصور الحجرية .
إذا كان شعب الجزائر لم يتوقف عن المقاومة طيلة ليل الاستعمار البهيم على امتداد أكثر من قرن فلأن ميزان القوى لم يكن متكافئا ولا حتى متقاربا فلم يكن الجزائري يمتلك عير الارادة واستعداده الدائم للتضحية من أجل الكرامة أما المعسكر الآخر فكان مدججا بالأسلحة الفتاكة من آخر ما توصلت إليه الاختراعات من وسائل الدمار مما أدّى إلى انخفاض عدد السكان في كل الوطن الجزائري الذي هو شبه قارة إلى حوالي مليونين ونصف المليون نسمة في تسعينيات القرن XIX وهو رقم كان ينذر بقرب إبادة الشعب الجزائري وفنائه خاصة وقد اتحدت عليه كل اسباب الفناء : الأمراض الفتاكة والتفقير والتجهيل والقتل الجماعي ... .
هذا هو الاستعمار الذي لا تتحدث عنه كتب التاريخ الرسمي هذا هو الاستعمار الذي حوله الطابور الخامس "البعثي" إلى مجرد محو هوية الجزائر مع أن الشعب الجزائري لم يفقد في يوم من الأيام هويته ولا شخصيته ولو فقدها ما كان له أبدا أن ينهض من كبوته ليخط بدمائه تلك الملحمة التي جرفت الاستعمار وأجْلت مليون مستوطن أوربي غادرت بهم مئات المراكب موانئ الجزائر باتجاه المتروبول بأعين دامعة ...
الطابور الخامس تسلل إلى الثورة لتصفية القادة المستنيرين وعلى رأسهم عبان رمضان تمهيدا لإلباس الجزائر هوية غير هويتها وتحويل الثورة عن مسارها بشعارات عفلقية ناصرية انقلابية ورمَى اولئك المريدون بثقلهم وهم يخططون لما بعد استقلال الجزائر لإجهاض الثورة وصرفها عن أهدافها واستيراد انظمة سياسية ومناهج تربوية وتجارب اقتصادية من شرق أوسط هزيل ومريض مرتمٍ في أحضان الماركسية السوفياتية ...
هكذا يتأسس جيش الحدود الذي كان يتأهب لدخول الجزائر بعد الاستقلال مباشرة لافتكاك السلطة من صانعي الاستقلال واتحد الخارج (وجدة وغارديماو) على الداخل وكان الهواري بومدين بدهائه على أتمّ الاستعداد لذلك مستلهما من عبد الناصر تاكتيك واستراتيجية انقلاب يوصله إلى هرم السلطة ليكون بن بلة هو المقابل لمحمد نجيب ... ولتكون الولاية الأولى (أوراس نمامشة) في الموقع الذي كان فيه إخوان مصر مع الفارق طبعا في العقيدة السياسية ... فالعقيد الزبيري الذي آلت إليه قيادة الولاية الأولى كان شخصا بسيطا وأمّيا وكان من السهل على الهواري بومدين أن يستميله إليه ويتخذ منه ومن الولاية الأولى جسر عبور وقوة إسناد للمرور إلى العاصمة الجزائر للاستيلاء على الحكم.
تحرك جيش الحدود من غارديماو ودخل إقليم الولاية الأولى وأغلبه من توانسة وجزائريين "متتونسين" وكانت خطته هي العمل على إحالة أكبر عدد من مجاهدي(**) الولاية الأولى على الحياة المدنية بتسريحهم من صفوف الجيش وإحلال جيش الحدود محلهم ..... وتجمّع جيش الولاية الأولى والتحق به جيش الحدود في تازولت لامبيز (باتنة) حيث اقام مقره (Q. G.) (***) المؤقت وهناك جيء بأحد عناصر جيش الحدود وكان كما ذكر لي أحد أعمامي وهو مجاهد من الرعيل الأول خطيبا مفوها ويتقن الأمازيغية أيضا حيث ألقى فيهم خطابا مليئا بالموعظة والآيات القرآنية قائلا لهم : إن الجهاد في سبيل الله قد تكلل بالنصر وأن ما قام به جيش التحرير يعادل الفتح العظيم وأنه يجب الآن العودة إلى حياتكم المدنية ... إلى أهليكم وذويكم فأولادكم واخوانكم وامهاتكم وزوجاتكم ..... الكل ينتظرونكم بشوق ... ومما قاله بالامازيغية الشاوية : thxedmem lwajeb , Ur awen yqqim kan ad trowhem ghur u chal n’lwaldin (****) ولأن الكثير من المجاهدين ليست لهم عقيدة إيديولوجية وكانوا فعلا يؤمنون بأنهم تطوعوا لتحرير الوطن فإنهم استجابوا وجاءت قيادة جيش الحدود لتمنحهم هدية "إنهاء الخدمة" : صابونة وشفرة حلاقة وألف فرنك (عشرة دنانير) .
هذا فصل من فصول الخديعة التي تعرضت لها الولاية الأولى أمّ الولايات مثلما تعرضت له الولايات الأخرى على يد الانتهازيين والوصوليين.
وبمناسبة إحياء الذكرى الستّين للثورة الجزائرية المجيدة نترحم على الشهداء ونحيّي من لا يزال على قيد الحياة من المجاهدين المخلصين الحقيقيين .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) قانون الأهالي وهو قانون عقابي زجري
(**) المجاهد في مصطلحات الثورة الجزائرية معناه عضو جيش التحرير ولا علاقة لهذا المصطلح بما نراه ونسمعه اليوم فيما تستعمل فيه هذه الكلمة.
(***) Quartier général مقر القيادة العسكرية
(****) العبارة الأمازيعية معناها : أدّيتم ما عليكم , لم يبق لكم إلا أنّ تعودوا إلى تراب الأجداد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - صوت العقل
دزيري ( 2014 / 11 / 5 - 20:15 )
اذن هل كان مصالي الحاح محقا عندما اعلن باكثر من وسيلة ان الثورة المسلحة لم يحن وقتها بعد نظرا لان الشعب الجزائري في غالبيته كان اميا ويسهل اقتياده بالشعارات والعواطف وكانه استلهم من غاندي فكره عندما اشار على الانقليز ان لا يخرجوا من الهند حتى يهيؤا الوضع للاسقلال وان لا تترك الهند فريسة لمتسلقي الثورات فالعبرة بالاستقلال الفعلي وليس بالاستقلال الصوري


2 - تفاضل
العربي عقون ( 2014 / 11 / 6 - 03:45 )
مرة اخرى نعود الى مسالة قراءة التاريخ للوصول الى استنتاجات والخروج باراء واحكام
لا ينبعي ان نقرا التاريخ بتفاضلية من هذا النوع ؟؟؟هل كان يمكن الحصول على الاستقلال اذا اخرنا الكفاح المسلح وجذوة الاستعداد للكفاح المسلح في اوج اشتعالها في النفوس لو تاخر اعلان الكفاح المسلح عملا بما تقوله عن موقف او راي مصالي الحاج لكان ذلك بمثابة اعطاء الفرصة للقوى الاستعمارية الفاعلة في الجزائر لرص صقوفها وحشد امكانياتها .... ولانطفات تلك الجذوة المشتعلة في النفوس ولكان من الصعب اعادة اذكائها ولكان من الصعب بل ربما من المستحيل ان تجد الثورة الاستعداد للتضحية كما كان عليه الحال من قبل
مصالي قدم رايه ولما لم يجد حسن القبول كان عليه ان يفعل ما فعله زعماء اخرين وهو ان يلتحق بالثورة لا ان يعاديها الى اخر لخظة في حياته.... هو واحد من الشعب والشعب باغلبيته قرر وعليه ان يكون الى جانب الشعب في قراره جنديا مقاوما ومقاتلا في صفوفه فالمعارضة لا يمكن ان تتحول الى معارضة
للوطن وثورة التحرير كانت هي الوطن
توعية الشعب ونشر التعليم يتطلب جهود اجيال واجيال وتحرير الوطن لا ينتظر ... الثورة هي احدى ادوات التوعية


3 - تحصيل حاصل
دزيري ( 2014 / 11 / 6 - 11:12 )
العبرة بالنتيجة يا استاذ وليس بالشعارات. الاستقلال كان تحصيل حاصل لكل الشعوب سواءا كافحت او حتى التي تلك التي لم تكافح هذا لا ينقص من الثورة التحريرية ولا من ابطالها وبالمناسبة ان تعرف جيدا مذا حل باغلبيتهم من تصفيات ونفي. ولكن يجب اعادة قراءة التاريخ جيدا لقد اقتنع العالم منذ الحرب العالمية الثانية وبتجذر الديمقراطية والعلمانية ان لا حل للعالم الا باستقلال كل الشعوب التي طالبت نخبها بالاسقلال ولا تقل لي ان الشعب الفلسطيني لم يحصل على استقلاله فانت تعرف جيدا ان القادة الفلسطينيين والعرب هم من رفضوا التقسيم المنصوص عليه امميا والا لكانت فلسطين دولة مستقلة منذ العام 47


4 - مماجكات لفظية
Syphax Rex ( 2014 / 11 / 7 - 03:51 )
اماذا تصر ايها الدزيري على الحنث العظيم
يعني في رايك ان الجزائر كانت ستستقل بثورة وبدونها ... لم يسبق وان قرات شيئا كهذا ابدا ... ما هذه الابداعات يا سيد دزيري هل انت من بقايا القدافي الذي نزل في مطار الجزائر وفي رجله قبقاب خشبي وعلى عينيه نظارات اشبه بقناع تنكري وشقشوقته تصل الى كتفيه وصرح قائلا -ان ثمن استقلال الجزائر باهظ دون ان تصنع شيئا يعادل تضحياتها ....- فما اسوا العقوق والنذالة
اما فلسطين فان مقال الدكتور لم يذكرها حتى بالتلميح فلماذا تقحم موضوع فلسطين هنا وسيبك م العرب وما العرب ليش ما تحررت فلسطين ع شان العالم حسب رايك اقتنع بضرورة استقلال كل الشعوب وفين هي الديمقراطية والعلمانية يا بو علمانية انت
شيء من العقل لا يضر يا حضرة والتطاول امر غير محمود

اخر الافلام

.. الشيف عمر.. طريقة أشهى ا?كلات يوم الجمعة من كبسة ومندي وبريا


.. المغرب.. تطبيق -المعقول- للزواج يثير جدلا واسعا




.. حزب الله ينفي تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي بالقضاء على نصف


.. بودكاست بداية الحكاية: قصة التوقيت الصيفي وحب الحشرات




.. وزارة الدفاع الأميركية تعلن بدء تشييد رصيف بحري قبالة قطاع غ