الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أسئلة الليبرالية ( 5 ) الليبرالية والديمقراطية

كمال اللبواني

2005 / 8 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


كثيرا ما يجري الخلط بين الديمقراطية والليبرالية من حيث المعنى والمدلول ، وهذا شيء مختلف عن الربط بينهما كمفهومين متميزين ، واحد يعتبر ( الليبرالية ) بمثابة فلسفة وموقف من الحياة وطريقة في التفكير وتنظيم للوعي ووضع للأولويات ، وآخر يعتبر ( الديمقراطية ) كتوصيف لنظام حكم محدد و ذو مواصفات محددة ، نحن قلنا أن الليبرالية فلسفة ، وأن الديمقراطية نظام حكم ، وهما مفهومان مختلفان منفصلان في الدلالة ، لكننا قلنا أن الديمقراطية هي النتيجة الطبيعية لليبرالية ، وأن المجتمع الصناعي الذي حمل فكرة الليبرالية وأنضجها , هو الذي أنتج الديمقراطية ليس فقط برغبة البرجوازية بل أيضاً وعلى درجة أكبر بنضال العمال والفقراء ضد استغلال رأس المال ، ومحاولة احتكاره للسلطة والثروة بحيث صارت هذه الديمقراطية ضمانتهم ضد الاستلاب والتهميش والاستغلال . مع الحفاظ على مبدأ الحرية وفلسفة الحرية ، لذلك قلنا أن الليبرالية بنظرنا تقوم على قدمين هما حرية السوق وضمان كرامة الانسان .
فالذي يربط بين الليبرالية والديمقراطية هو ضرورة عملهما معاً , فالليبرالية من دون ديمقراطية ستفتح المجال واسعاً أمام الجشع والاستغلال ، كما أنه من الصعب أن نقيم الديمقراطية على فلسفات شمولية .
وبعد هذا لا بد من العودة لموضوعة الديموقرطية التي يبدو أنها هي أيضاً عرضة للتشويش المؤدلج الذي يهدف لاحتكار حق الفهم والتحليل والتنظير بنمط أيديولوجي محدد ( يساروي ماركسوي ) لا يستطيع أن ينتج سوى العبث والاحباط والديماغوجيا .
كثيراً ما نسمع عبارات من نوع (الديمقراطية لا تستورد ولا تفرض ، لنا ديمقراطيتنا الخاصة ، ديمقراطية ننتجها من الداخل .. ديمقراطية تناسب واقعنا الاقتصادي ، وتناسب هويتنا وديننا ، وخصوصيتنا .. ) والسؤال المطروح هل هناك ديمقراطية أم ديمقراطيات ، وهل المقصود بالتنوع هو شكل الدستور أو نظام الحكم, أم مبادئ الحكم ومرجعياته الأساسية .. وهل الديمقراطية مجرد نظام حكم أم هي شيء ثقافي واجتماعي ، ومن ثم سياسي . ولماذا تطرح الخصوصية أليست وسيلة للتهرب , فالأنظمة ترى أن الديمقراطية لا تناسب واقعنا ( تقصد واقعها الاستبدادي ) .
بداية علينا أن نجيب على سؤال ماهي الديمقراطية ؟ و لن ندعي أننا نملك الحقيقة لكننا نتبنى الرأي الذي يقول بأنها نظام حكم محدد الصفات والمبادئ ، التي قد تختلف في الأشكال والتفاصيل المتعلقة بنوع الحكم رئاسي أم وزاري أم ملكي رمزي ، ونوع وعدد المجالس التشريعية وأنظمة الانتخاب ـ والتصويت .. الخ لكنها كلها يجب أن تضمن مجموعة مبادئ وشروط لا بد من توفرها معاً وجميعاً لكي تبقى الديمقراطية حية , حيث يفترض أنها تموت لوخسرت عضواً مكوناً من أعضائها وأركانها .
الديمقراطية كنظام حكم له مبادئ محددة هي : أن السيادة العليا ملك للشعب وهو مصدر كل سلطة ، وأن الشعب ينتخب بحرية من ينوب عنه ويمثله ضمن مناخ من الحريات السياسية تشمل حرية التعبير وتشكيل الأحزاب , ووفق نظام انتخابي وعمليات انتخابية تعددية لها معايير محددة . ومراقبة بشكل محايد ، وأن هذه المجالس التمثيلية هي الوحيدة ذات الحق في سن القوانين وتشكيل الحكومات وحلها .
يقوم نظام الحكم الديمقراطي على سيادة القانون الواحد المطبق على الجميع والذي تسهر السلطة التنفيذية على تطبيقه ، والمحروس والمراقب من قبل سلطة قضائية ومن قبل عموم الشعب ووسائل الاعلام الحرة ، ويعتمد على مبدأ فصل السلطات واستقلال القضاء وحياديته ، وتكافؤ الفرص واحترام حقوق الانسان وضمان حقوق الأقليات وعدم طغيان الأغلبية والاعتراف بشرعية وجود معارضة وبتداول سلطة دوري .
بعد هذا هل توجد فروقات بين أنظمة الحكم الديمقراطية ؟ نعم ... لكنها لا تطال الجوهر , فروقات في نظام الانتخاب نظام المجالس وظيفة الرئيس وظيفة رئيس الوزراء .. إلخ وهذه أمور لا خلاف كبير عليها بعد توفر الشروط الأولية للحكم الديمقراطي . ومن هنا فكل حديث عن خصوصية لا معنى له , بل هو تهرب من مواجهة الحقيقة ورغبة في تزييف الجوهر وانكاره .
السؤال الثاني كيف نحقق الديمقراطية ؟ بالرجاء والتوسل ؟ ؟؟؟ وهل يوماً أعطت السلطات المستبدة الحرية بدون ضغوطات حقيقية وجدية قهرتها ، ماهي هذه الضغوطات ، بكل تأكيد الجماهير الناس أصحاب الحق والسيادة الذين يريدون تقرير مصيرهم بحرية وبالتوافق ، لكن شكل هذا النضال يختلف من النضال السلمي المطلبي والنشاط الثقافي إلى التظاهر والاحتجاج وذلك يتبع نوع ردود فعل السلطة ومقدار الحريات المتوفرة ، وفي النهاية النضال السلبي ثم العصيان المدني ، كل هذه الوسائل هي وسائل مشروعة وتحقق الديمقراطية وأمينة للهدف ، لكن هناك وسائل قد تخون هدفها وتحرف النتيجة نحو نتيجة أخرى ، وهي العنف والعمل السري والقتال والتآمر ، كل ذلك باعتقادنا لن يحقق الديمقراطية بل سينجب سلطة مستبدة أخرى , لذلك نرى أن الوسيلة ليست بريئة ، وأنها هي بذات تحتاج لتمعن وامتحان وافادة من الخبرات ،
أما أنها تستورد وتفرض من الخارج ؟ تستورد نعم , فكل القيم والمثل والأفكار والأنظمة وكل شيء ذهني من نتاج الماضي أو الآخر يمكن استيرادة وتشغيله في أي مكان وتبعاً للظروف، من يستورد نظرية نيوتن يستورد مبادئ مونتيسكيو ، لا ضير في ذلك ، والافادة من خبرات الآخرين هي سنة الحياة .
أما أنها تفرض فهذا غير متوقع لأن الكل يريد أن يأخذ ، ولم يسبق أن فرضت الحرية على أحد يعتبر نفسه عبداً ، أما اذا كان المقصود هو الضغوط الخارجية ؟ فهي بكل أسف ضرورة ملحة لكسر شوكة أنظمة فاشية مستبدة ولغت في قوت ودماء شعوبها . فنحن نرحب بكل ضغط خارجي يهدف لكسر شوكة الاستبداد ويدعو للحريات واحترام حقوق الانسان , ونشجع الجميع على تحمل مسؤولياتهم الانسانية تجاه الشعوب الأخرى التي تعاني بسبب أنظمة حظيت ولفترة طويلة برعاية وحماية الغرب , الغرب الذي غير اليوم مواقفه بعد أن وقف وجهاً لوجه مع نتائج سياساته أقصد ظاهرة الارهاب ، فالارهاب ليس سوى نتيجة وردة فعل على سياسات الغرب في منطقتنا ، ولا نقبل أن يتهم ديننا ولا مجتمعنا ولا تاريخنا بأنه ارهابي ، الارهاب هو ظاهرة سياسية محدود بظرف سياسي هم مسؤولين مباشرة عنه ، فإذا غيروا رأيهم وسياساتهم فهذا جيد , ونحن سنتعاون مع السياسات الجديدة التي لا تدعم الاستبداد وانتهاك حقوق الانسان وحرية المجتمعات ، ولا تستبيح البشر وتستعبدهم ، لأننا بشر نحب أن نعيش بحرية وكرامة ، ونحب بقية أخواننا في الانسانية ، ونحن طلاب حق وحرية , ونكره العدوان والظلم وسفك الدماء .
لتأت الديمقراطية من المريخ ، لكنها لن تأت إلا من الداخل , ولن ينتجها إلا حركة شعبية , ولن يحرسها سوى وعي الناس وايمانهم . يمكن للخارج أن يضعف النظام ويمكنه اسقاطه , لكنه لا يمكنه بناء نظام ديمقراطي بدون أصحابه , أي بدون مشاركة فاعلة وحقيقية من الناس ، وما يبنيه بغياب ذلك هو نظام عسكري فاسد جديد .
فالديمقراطية هي نظام يمكن استيراده وتصديره ، ككل قانون وككل مفهوم ، وأن تفرض لا بأس فالذي يعيق الديمقراطية هو التعسف والاستبداد , وازالة التعسف والاستبداد قد يحدث بفعل داخلي أو خارجي أو بتعاونهما . لكن في النهاية لا بد من الوصول للحريات ولا بد من الاحتكام لارادة الناس الحرة .. لكي نقول أننا أنجزنا الديمقراطية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استعدادات إسرائيلية ومؤشرات على تصعيد محتمل مع حزب الله | #غ


.. سائق بن غفير يتجاوز إشارة حمراء ما تسبب بحادث أدى إلى إصابة




.. قراءة عسكرية.. المنطقة الوسطى من قطاع غزة تتعرض لأحزمة نارية


.. السيارات الكهربائية تفجر حربا جديدة بين الصين والغرب




.. طلاب أميركيون للعربية: نحن هنا لدعم فلسطين وغزة