الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسرحية (أهريمان) : جماليات الأسطورة بين حرية الحركة وغياب المعنى

صميم حسب الله
(Samem Hassaballa)

2014 / 12 / 2
الادب والفن


شكلت الأساطير القديمة والمعتقدات الدينية الراسخة في ذاكرة الشعوب رافداً مهماً في تيارات المسرح الأوروبي بدءاً من (أرتو) وليس إنتهاء بتجارب (روبرت ويلسون وريتشارد فورمان) في مسرح مابعد الحداثة ، ولم يكن المسرح العراقي والعربي بمعزل عن ذلك فقد تنوعت التجارب المسرحية التي إستقت من الأساطير مضامين نصية إرتبط حضورها مع شخصيات فاعلة على مستوى الأسطورة فضلا عن ظلالها الرمزية التي افاد المسرحيون من إعادة انتاجها على خشبة المسرح بما ينسجم مع الرؤية الاخراجية المعاصرة لتلك الشخصيات، لاسيما شخصية (كلكامش) التي قدمت على خشبة المسرح مرات عدة كما في تجارب الاستاذ (سامي عبد الحميد) ، الامر الذي كشف عن إمتلاك تلك الشخصية وغيرها من الشخصيات ذات السمة الأسطورية ، القدرة على الانسجام مع الرؤية الاخراجية في ازمنة مختلفة ، كما ان تجارب (الرقص الدرامي) الذي تطورت عروضه على نحو واضح مع فرقة (مردوخ) العراقية ، افادت هي الاخرى من مصادر أسطورية في عدد من عروضها ونماذجها ( نار من السماء ، و طائر الزو .. وغيرهما) الأمر الذي كشف عن قدرة المشتغلين بالمسرح على التعاطي مع المنجز الاسطوري والعمل على إعادة انتاجه على خشبة المسرح على وفق فرضيات إخراجية مغايرة لما توافر عليها في الأسطورة ، كما في العرض الراقص (أهريمان) ، كيروكراف ( علي دعيم) تجسيد ( علي دعيم ، امين جبار ، عقيل سعدون، ضرغام عبد الهادي، محمود عاشور ، سهيل نجم،أحمد سعد، أنسام كريم، علي جبار، محمود رجب، أسل فلاح، اثير نجم، هنري كونوي، هشام جواد ، أيمن صباح، مسلم عقيل ، عمار حسون ) تصميم الأضاءة ( ناظم حسن) موسيقى ( ضرغام عبد الهادي) ، والتي قدمت على خشبة المسرح الوطني في بغداد مؤخراً .

مرجعيات الأسطورة والرؤية الأخراجية

في البدء علينا أن نحدد تعريف (الكيروكراف) الذي إختاره (علي دعيم) لكي لا يكون بديلاً عن المخرج المسرحي ، إذ يعرّف (الكيروكراف) في المعجم المسرحي بوصفه ( مصطلح يعني اليوم فن تصميم الرقصات ، وتطلق تسمية كوريغراف choregraphe على مصمم الرقصات والمسؤول عن التنظيم العام للحركة في العرض(...) وهي تعني حرفياً فن تدوين حركات الرقص) ويدل ذلك على ان صانع العرض (علي دعيم) قد إختار مسمى الكيروكراف في الإشارة إلى الوظيفة التي تقع ضمن حدود إشتغاله ، الأمر الذي دفعنا إلى التساؤل التالي: (هل إستطاعت الحركة لوحدها وبمعزل عن باقي عناصر العرض التعبير عن الفكرة التي تصدى لها فريق العرض؟) يبدو ذلك مستحيلاً ، ذلك أن (الكيروغراف) قد غادر وظيفته في التصميم الحركي وإعتمد على وظيفة المخرج المسرحي في تأثيث فضاء العرض على المستوى البصري ، فضلا عن إختيار الازياء التي كانت تجرد الراقصين من هوياتهم التي إعتمدت الحركة فقط كاشفة عن شخصيات متعددة تمتلك كل منها خصوصيتها في الحياة الإجتماعية ، الأمر الذي بات معه العرض في حالة عاصفة من التقاطعات التي تكشفت عبر الحركة وجمالياتها/ والأزياء ودلالاتها ، بمعنى ان كل راقص قد تحول بفعل الزِي الذي يرتديه إلى شخصية تختلف عن غيرها من شخصيات العرض ، كما ان التقاطع كان حاضراً في الفعل الحركي الموحد الذي إعتمده الكيروغراف في تصميم الحركة ، والذي اسهم في غياب تام للسلوك الفردي الذي تحتكم عليه كل شخصية بمعزل عن غيرها ،لاسيما أن (الكيروغراف) كشف في بداية العرض عن شخصياته التي كانت تجوب فضاء صالة المتفرجين من اجل التاكيد على معنى مزدوج إرتبط الاول بالتأكيد على ان شخصيات العرض هي جزء من هذا المجتمع ومن البيئة ذاتها ، والمعنى الآخر يأتي من اجل تعريف المتلقي بوظيفة كل شخصية ، كما هو الحال مع شخصية (الصياد) وغيرها، ولايقتصر الأمر على الشخصيات الراقصة بل يتعداه إلى الشخصيات الرئيسية وأعني (علي دعيم ، و أمين جبار) اللذين إمتلكا قدرة ومهارة حركية عالية تكشف عن حجم الجهد الذي بذله كل منهما ، إلا ان إختيار (الكيروغراف) العمل على توحيد الشكل والحركة دفعنا إلى التساؤل مرة اخرى عن السبب الفكري والجمالي في إعتماد شخصيتين متشابهتين في السلوك والوظيفة داخل العرض، على الرغم من أنتظار المتلقي لتلك اللحظة المفقودة في زمن العرض والمتمثلة بحدوث الصراع بينهما إلا انها ظلت لحظة من نسيج خيال المتلقي فحسب ولم تتحول إلى فعل تعبيري على خشبة المسرح، على الرغم من ان فرضية الصراع تلك تتكيء على معطيات توافرت في عنوان العرض الذي ألقى بظلاله الأسطورية على المتلقي ودفعه إلى التساؤل عن معنى (أهريمان) الذي بدا مجهولاً للوهلة الأولى، إلا ان حضور ( GOOGL ) للمساعدة كانت كافية في الكشف عن معنى (أهريمان) الذي يعرّف: ( في ديانة زورووأستر إله الشر وهو في حرب دائمة مع إله الخير المسمى أموزد وسينتهي الأمر بهزيمته وغلبة الخير المحض على العالم فلا يكون للشر وجود) ، وفي موضع آخر يعرّف ( أهريمان) على انه (الشيطان أو روح الشر في الديانة الزرادشتية) ، وقد إستطاع (علي دعيم) توظيف هذه الشخصية الأسطورية وتحويلها من المتن الألهي الغيبي إلى الوجود المادي الحاضر الذي إرتبط بالجماعات الإجرامية المتطرفة التي تعتمد الشر سلوكاً والقتل منهجاً من اجل تحقيق مصالحها، إلا ان ذلك لم يعف العرض من الوقوع في شرك المغالطات الفكرية التي هيمنت على جماليات الحركة والتشكيلات البصرية التي توزعت على مستويات عدة ، احدها إرتبط بالشكل الأيقوني الثابت الذي تضمن وجود شخصيات إعتمد الكيروغراف على الوعي الجمعي في التعرف عليها عن طريق الأزياء وغطاء الوجه والالوان السوداء في إشارة إلى تلك الجماعات الطفيلية التي تعتاش على القتل ، الأمر الذي بدا فيه المسرح منقسم إلى مستويات ثلاث إرتبط احدها وهو في عمق المسرح على وجود تلك الجماعات التي إعتادت التواجد في الظلمة كما هي الخفافيش، والمستوى الثاني في وسط المسرح يكشف عن وجود شخصيات المجتمع المتنوعة (عن طريق الأزياء) ، والمستوى الثالث يتمثل في مقدمة المسرح وفيه (اهريمان المزدوج)، الأمر الذي منح المتلقي قراءة متعددة للعرض (الكيروغرافي) ، لاسيما مايتعلق بفكرة سيطرة (أهريمان) على افراد المجتمع ، وهو الموضع الوحيد الذي بدا منسجماً في توحيد الحركة بين جميع الشخصيات ، في إحالة واضحة إلى تحويل الجميع إلى ضحايا (سبايكر) المغفور لهم ، ذلك ان (الكيروغراف) افاد من المادة التلفزيونية الموجعة التي تعرض الضحايا ضمن نسق حركية بدا معروفاً عند المتلقي العراقي ، ولم يقتصر الأنسجام على هذه اللحظة فحسب بل تعداه إلى منطقة المستوى الاول المتمثل بوجود إيقونات التكفير ومجرميه، إذ كشف التشكيل البصري الذي اعتمده (الكيروغراف ) عن معنى دلالي متقاطع يتمثل قسم منه في وجود اللون الابيض في موضع يكتنفه السواد ، ومن جهة اخرى فإن المعنى الدلالي يحيل إلى براءة الشهداء وما الأبيض إلا إشارة إلى براءة أرواحهم الطاهرة ، الامر الذي يترك المتلقي في حيرة من الأشتغال القصدي الذي إعتمده (علي دعيم) في توصيف المشهد ، وفي ختام العرض كشف (الكيروغراف) عن حاضنة الأرهاب الحقيقية مستفيداً من العلامة التكنولوجية المعروفة (APPLE) والتي تاتي تعبيرا عن الهيمنة الامريكية وقدرتها المستمرة في صناعة الفوضى والدمار في بلاد لايدرك رجال السياسة فيها ان الصراع على السلطة لاينقذ المجتمع من الخراب ، وعلى الرغم من اهمية الفكرة إلا انها بدت خجولة في نهاية العرض كأنما الكيروغراف تنبه إلى ضرورة وجود طرف آخر لمعادلة الموت ، بعد ان كشف العرض عن صورة أحادية لصانعي الموت في بلادنا.

علاقة جمالية بين الظل والضوء والموسيقى

كشف العرض المسرحي الكيروغرافي عن عدم قدرته على التعاطي مع المعنى بمعزل عن عناصر العرض المسرحي ، الامر الذي بدا فيه التوظيف الجمالي واضحاً على الإشتغال الضوئي ، لاسيما مايتعلق بمشاهد الظلال المتمثلة في المنطقة التي تضمن مجرمي الليل ، فضلا عن عدم إعتماد المصمم على الحركة المتشعبة في التنقلات الضوئية بل كانت منسجمة على نحو كبير مع منطلقات الحركة الجسدية، كما ان إعتماد الكيروكراف على توظيف مشاهد خيال الظل أسهمت في خلق تكوين بصري جمالي لاسيما مشهد السلالم ، التي أمتلكت دلالات فكرية مغايرة لجماليتها ذلك انها تقع ضمن المستوى الاول في العرض والمرتبط بالجماعات التكفيرية التي يسعى العرض إلى كشف جرائمها والإطاحة بها بينما جاء المعنى الذي أنتجه الشكل البصري مغايراً لانه جعلها ترتفع عالياً فوق مستوى الجرائم التي إرتكبتها بحق المجتمع والإنسانية ، من جهة اخرى فإن إختيار الموسيقى كان موفقاً ومنسجماً في كثير من المواضع بإستثناء بعض المواضع التي كانت فيها الموسيقى اكثر فاعلية من الفعل الحركي لاسيما مايتعلق باللحظات الموسيقية التي تكشف عن وجود حالة ترقب على خشبة المسرح إلا انها ظلت بمعزل عن معادلها البصري / الحركي على خشبة المسرح ، فضلا عن ذلك فان عدم التحكم بمستوى الصوت سبب ارباكاً سمعياً عند المتلقي في بعض المواضع ، كما ان توظيف المؤثرات السمعية لاسيما الصرخات التي تخرج عن الراقصين كان لها أثر فاعل في إغناء الفعل الدرامي ، إلا انها ظلت خجولة ، كان بإمكان الكيروغراف تفعيلها وخلق تنويعات متعددة منها ذلك ان صرخات الضحايا تختلف عن صرخات قاتليهم من مجرمي التكفير والتطرف، وهي مغايرة ايضاً لتلك التي يطلقها (أهريمان المزدوج) .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: كان نفسي أقدم دور


.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: -الحشاشين- من أعظم




.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: خالد النبوي نجم اس


.. كل يوم - -هنيدي وحلمي ومحمد سعد-..الفنانة دينا فؤاد نفسها تم




.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: -نجمة العمل الأولى