الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فعل المطالعة على الأشكال الأدبية والفنية , سيكولوجيا و سوسيولوجيا

موسي إبراهيم

2014 / 12 / 24
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


يقتصر الفعل القرائي أو ما يسمى المطالعة في شقه الإجتماعي , بالتأثير على الوسط الإجتماعي الذي يعيش فيه القارئ وهذا ما يحاول الباحث في علم الإجتماع أن يبحث فيه . رغم أن الفعل القرائي هو فعل يتصل بسيكولوجية الإنسان إلا أنه وفي نظرة جد متفحة نجده يأثر على ثقافة المجتمع , بل إنه كفعل بسيط جدا يستطيع في بعض الأحياان أن يغير بشكل جذري , الفعل الإجتماعي الخاص بالمجتمع المحلي إزاء ظاهرة إجتماعية محلية ما .
حيث أن ألية الفن والأدب تكمن في ضرب المشاعر الخاصة بالفرد نفسانيا لتتحول فيما بعد إلى شكل إجتماعي لكن السؤال الذي ينبثق في حال إذا ما أخدنا الموضوع بهذه الطريقة , هل يستوعب القراء نفس الكتاب بطريقة مماثلة ؟ وهل يحسون بنفس المشاعر التي يبثها النص الروائي أو المسرحي مثلا ؟ وهل تفسر تلك المشاعر في لحظات مقبلة من حياة الإنسان إلى أفعال متقاربة السمات ؟
وهذا بالطبع ما يمكن أن نتحدث عنه إذ يمكن القول بأن القراءة تختلف من قارئ إلى أخر وبأشكال مختلفة , ومتباينة حسب التصورات والمعتقدات التي يحملها , فمثلا إذا ما أعطينا رواية أو قصة قصيرة لبعض الأطفال حديثي النشأة فإننا نلاحظ أن البطل تختلف سماته من قارئ إلى أخر , وتأتي المربية الروسية ن. كروبسكايا , أشارت إلى حقيقة رئيسة وهي أن الكتاب الواحد يقوّم تقويمًا مختلفًا باختلاف القارىء 1 . حيث أن التصورات الخاصة بالكتاب الواحد تصور لدى القارئ إنطلاقا من حاجاته النفسية والإجتماعية . فهي تبوؤ في نفس الوقت مكان أحلام اليقضة .
أي بمعنى أن الإنسان عندما يقرأ كفرد واحد كتابا فإنه يستحضر تصوراته الإجتماعية حول موضوع الكتاب المقروء , فيكون البطل هو من يوافق تصوارته الإجتماعية , فيغضب على من لا يوافقها و يشفق على من يوافقها حتى و إن كان في النص الأدبي شريرا غير قابل للتعاطف . إلا أنه يماثله القارئ مع تصور الإجتماعي ويقارن مسار حياة الشخصية بتنشئته الإجتماعية فإذا ما ماثلتها , تعاطف معه على الفور . وهذا التعاطف قد يكسب القارئ بعض القيم الثقافية والإجتماعية التي يطبقها إجتماعيا في نفس المجتمع . فتصور معي أن مجتمعا كتابه يكتبون على قيمة أخلاقية معينة , أو يبررون قيمة شائنة معينة ألا يؤثر ذلك على مسار المجتمع , خاصة إذا ما وضعت هذه القيمة في اماكن تستوجب من القارئ أن يتعاطف مع الشخصية الموجودة في العمل الفني لأنها تلائم مساره الإجتماعي .
لكن المشكل الذي يصادفنا في هذا الفرض الذي طرحناه هو أن النص لا يمتلك نفس المعنى ولا يأثر في نفس الشخص بالطريقة العينية ولكن كيف يأثر إذن الفن والأدب في المجتمعات البشرية دون أن نعمم نفس الرسالة في أذهان القراء والمشاهدين ؟
وما يفسر هذا السؤال هو إستنتاج روباكن عندما يعتبر "ان للكتاب الواحد أو الكلام الواحد مضامين مختلفة بقدر اختلاف قرائه" 2
إلا أن الأمر لا يخرج من النطاق المجتمعي لكون الفرد الواحد فردا يؤثر بدوره في مجموعة من الأفراد الأخرين داخل الجماعة ولكن كيف يتم هذا التأثير . ربما حسب ما ذهب إليه فيغوتسكي حيث ينظر إلى الأدب بإعتباره نسقا من الأنساق العاطفية حيث يرى بأن الفن والأدب ينظم مجالا خاصا من نفسية الإنسان ككائن إجتماعي وهو مجال العواطف , حيث يرى أن هذا المجال هو المسؤول عن التأثير الذي يخلفه الأدب والفن كقيمة إضافية لعملية المطالعة أو مشاهدة العمل الأدبي بعد مرحلة الإستيعاب إلى مرحلة تكوين الشعور حيث ينظر إلى العمل الأدبي بإعتباره "منظومة من المثيرات المنظمة بصورة واعية مقصودة، بحيث تثير استجابات جمالية" .3
فإذا ما إعتبرنا هاته النظرية الأخيرة وأخدناها مبلغ الجد , فإنه كما هو مسلم في كل الأحوال نجد المشاعر لا تختلف من إنسان إلى أخر , وحتى إن تصور القصة أو الشكل الأدبي بشكل مختلفة عن الفرد الأخر , إلا أنه في حالة كان الشكل الأدبي يتحدث عن حالة إجتماعية ميؤس منها و تطابق حالات الأفراد القراء في المجتمع , فإنهم حتما سيشعرون بالغضب تجاه مسبب تلك الحالة في العمل الأدبي وقد يترجم في الواقع إلى نفس السلوك عند رؤية نفس الحالة واقعيا أو معايشتها , فتجد أن الطبقة القارئة لكتب أو المشاهد للمسرحيات التي تتناول تلك الواقعة الإجتماعية تتعاطف مع المظلوم الموازي في الواقع ذلك الذي في الشكل الأدبي .
لدى فإنها في هذه المرحلة لم نعد نتحدث عن الرأي أو تصور الذي يحمله الفرد إزاء واقعة إجتماعية , بل على العكس إننا نتحدث عن التصور الذي أصبحت حمله جماعة القراء "الجمهور" القارئ لنفس الشكل الأدبي أو الفني من نفس النوع والشكل للواقعة أو الظاهرة الإجتماعية وكيف يتفاعل معها ؟
مثلا إذا ما ذهبنا إلى هذا الإعتبار , فيمكننا البحث كذلك عن الصورة التي يعطيها الأدب لجمهور ما , أو شعب ما , من خلالها يغيير الجمهور المعني القيم والمعايير لتلائم الصورة الجديدة التي يتضمنها الشكل الأدبي حوله . وذلك تحت السؤال التالي . ما الصورة التي يعطيها الأدب أو الشكل الفني حول الجمهور القارئ لهذا الشكل محليا ؟
كما أسلفنا في ذكرنا أن للعواطف التي يشترك فيها الجميع إنسانيا أثر في نقل ما يبثه الشكل الأدبي إلى الواقع , حيث تدخل الطباع كما يعرفها علم النفس بأنها : "تلك الخاصيات التي تميز الفرد وتترك بصماتها على جميع مظاهره الخارجية وتعبر عن موقفه المميز من العالم ومن الناس المحيطين به"
وفي هذا التصنيف الذي تتركه العواطف يجب البحث عن تلك الخاصيات الشخصية التي تجعل من المطلع على الشكل الأدبي يحاول تقمص الشخصية التي توازيه داخل الشكل الأدبي , حيث يمكن لتلك الطباع التي تلف الشخصية الموازية أن تنتقل فيما بعد إلى العلاقات المتبادلة الواقعية مع الآخرين فتغنيها وتزيد من ثرائها.
ولفهم كيفية الإنتقال من الشكل الأدبي و الطباع التي تميز الجمهور المطلع حول مكون ما في الشكل الأدبي ,نحو الواقع بجميع تجلياته النفسية و الإجتماعية , يجب أن نتوقف على مراحل القراءة الثلات , وأهم ما سنأخده منه نحن في الميدان الإجتماعي هو المرحلة الثالثة كونها تهمنا أكثر و المراحل هي :
1- مرحلة ما قبل القراءة: في هاته المرحلة يظهر الإتجاه الإنتقائي للمطلع .
2- مرحلة القراءة: في هذه المرحلة يتم الإدراك حتى وإن كان مختلفا بين مجموع المطلعين حيث تقول - ل. جابيتسكايا: "كي تصبح القراءة فعلاً تواصليًا يجب أن يطابق اتجاه المؤلف اتجاهًا معينًا لدى القارىء"، وتميز بين الاتجاهات التالية:

1- الاتجاه الأساسي للقارىء المؤهل،
2- الاتجاه الترفيهي،
3- الاتجاه المهدىء،
4- الاتجاه التربوي .

3- مرحلة ما بعد القراءة: في هذه المرحلة تتبين التأثير الذي يقيمه الفعل القرائي على حياة الفرد ثم على المنظومة الإجتماعية من جهة أخرى , من خلال هذا التأثير تتحدد إتجاهات القارئ و إختياراته المقبلة .

وإذا ما أخدنا الحلقة الأخيرة من المراحل الثلاث فإنه يتبن لنا أن القارئ مستقبل تم موجه , وعندما يصل إلى المرحلة الثالثة ويجد نفسه في الشكل الأدبي المطلع عليه "قياسا على فعل القراءة" . فإنه يبدأ في تشكيل وعي مواز للوعي الذي يبثه ذلك الشكل الأدبي أو الفني ثم يبدأ في توجيهه نحو المحيطين به وهكذا تبدأ عملية تحوير الوعي الإدراكي لجماعة معينة إنطلاقا من الأشكال الأدبية التي تتطلع عليها هاته الجماعة .
هذا ما سيحلينا إلى محاولة القيام بأبحاث ميدانية في هذا الصدد ومحليا حيث تختلف طريقة تأثير العمل الإدبي أو الفعل الإطلاعي على الشكل الأدبي من منطقة إلى أخرى ومن شعب إلى أخر , حيث من الواجب علينا في هذه الحالة أخد الإعتبار و مراعاة التغيرات الجارية في المجتمع، وأهمها:
1. ارتفاع مستوى التعليم والثقافة.
2. تغير طابع العمل نتيجة دخول الأتمتة والمكننة والمعلوماتية إلى كافة الأعمال.
3. الانتشار الواسع لوسائل الإعلام الجماهيرية والمطبوعات وأنظمة المعلومات.
وهذا ما يفتح لنا أمام القيام بعمل أبحاث ميدانية حول تأثير الفن أو الأشكال الأدبية في الثقافات والسلوكات وكذا القيم والمعايير التي تتميز بها مجتماعات محلية مطلعة على تلك الأشكال الأدبية في خط كرونولوجي محدد .

-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------

1- بافلوفا آ. س.، دوافع القراءة وتصنيف القراء – "سيكولوجية القراءة وقضايا تصنيف القراء"، لينينغراد، 1984، ص 65.
2- روباكين ن. آ.، ما هو علم النفس المكتبي، لينينغراد، 1924، ص 53.
3- فيغوتسكي ل. س.، سيكولوجية الفن، موسكو، 1968، ص 40.
4- بليايفا ل. ي.، حول مسألة أنماط القراء – "قضايا سوسيولوجية وسيكولوجية القراءة"، موسكو، 1975، ص 143.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ألعاب باريس 2024: اليونان تسلم الشعلة الأولمبية للمنظمين الف


.. جهود مصرية للتوصل لاتفاق بشأن الهدنة في غزة | #غرفة_الأخبار




.. نتنياهو غاضب.. ثورة ضد إسرائيل تجتاح الجامعات الاميركية | #ا


.. إسرائيل تجهّز قواتها لاجتياح لبنان.. هل حصلت على ضوء أخضر أم




.. مسيرات روسيا تحرق الدبابات الأميركية في أوكرانيا.. وبوتين يس