الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سوريا مأساة القرن (أو عندما يتحول رئيس مستبد إلى مصاص دماء )

محمد رتيبي

2014 / 12 / 31
مواضيع وابحاث سياسية


يظهر أنه لا وجود لأزمة هزت العالم الحديث، كالأزمة السورية، فمنذ إنطلاق الثورة السورية في مدينة درعا على إثر كتابة بعض الأطفال لشعارات تطالب بالحرية وبإسقاط النظام البعثي . والنظام يشن حملات ضد كل من يقول لا للاستبداد ، نعم للكرامة والعدالة الاجتماعية . فليس من قبيل الصدفة أن تنعث الثورة السورية بأنها أزمة إنسانية ، إذ إن عدد الشهداء الذين سقطوا بها فاق بكثير الثورات التي قامت في بعض البلدان العربية . بالإضافة إلى عدد اللاجئين الذين الذين وصل عددهم إلى الملايين . لكن الغريب في ذلك هو أن يظل النظام يتشدق بأنه حامي الأمن والمحافظ على الوحدة السورية ، فعن أي وحدة يتحدث ؟ كيف لنظام قتل الناس ، ونكل بشعبه شر تنكيل أن يدعي أنه يدافع عن كرامة الشعب ؟ هل وصلنا إلى هذه الدرجة من اللامعنى ؟ كيف لنظام مجرم وسفاح أن يبرر جرائمه التي ينكرها العقل وتقشعر لها الطبيعة بدعوى الحفاظ على أمن سوريا ؟ ماذنب النساء اللواتي رملوا ، والأطفال الذين يتموا ؟ كيف لنظام قت،ل وهجر، ورحل ، وفضلا عن هذا استخدم السلاح الكيماوي ضد أناس عزل لا يملكون إلا صوتهم السلمي أن يطالبهم بعد ذلك بالمصالحة ؟ أليس في هذا الأمر ضحك على الذقون ؟ هل من العدل أن يصير المجرم والضحية سيان ؟ أليس السن بالسن والعين بالعين ؟ أليس البادئ أظلم ؟ أليس من السذاجة أن ينادي نظام فاقد للشرعية بإصلاحات دستوية ؟ أليس الفرق بين هلتر وبشار واضحا ، إذ في الوقت الذي دافع فيه الأول عن ألمانيا بكل قوته وروحه وجوارحه قرر الثاني تدمير سوريا من أجل الكرسي ؟ أليس من الجنون أن يصور الذئب نفسه بمظهر الشاة ؟
إننا لا نمل ولا نكل من تكرار القول القائل بأن ملامح الثورة السورية قد بدأت تلوح في الأفق منذ أن أن انتطلقت المظاهرات التونسية، لقد كانت هذه بماثة الإنطلاقة والشرارة الأولى لشباب عربي ذاق مرارة الاستبداد والعبودية . إن الشاب العربي منذ انطلاق الثورة السورية قد قرر الخروج للشارع ليس لتحقيق مكاسب مادية ، بل لإيمانه بحقوقه المعنوية والإنسانية ، الحق في الحرية ، الحق في العيش الكريم ، والعدالة الاجتماعية . لكن وبدل أن تستجيب الأنظمة لمطالب الشعب المشروعة ، بادرت إلى ما يسمى محاولة احتواء الأزمة . وبذلك فإن هذه الأنظمة تعمل بمنطق ما يسمى محاولة تصريف الأزمة ، وإيهام ليس الراي المحلي فحسب ، بل الرأي العالمي والمجتمع الدولي بأن المسألة لا تعدو أن تكون محاولة للقضاء على الإرهاب .
إن مصطلح الإرهاب ، ينبغي التوقف عنه بدقه ، إذا كان شخص ما يحمل سلاحا ويرغم الناس على اعتناق قناعاته السياسية أليس هذا إرهابا ..إذا نحن سلمنا بهذا التعريف ، فإن نظام بشار يكون أكبر نظام إرهابي عرفه العالم الحديث . إن سوريا ومنذ انطلاق الثورة في الخامس عشر من مارس في مدينة درعا من سنة 2011 ، قد وصلت إلى مرحلة حاسمة جدا ... وكانت الثورة السورية تسير في أمان وسلام . لكن لما أدرك نظام بشار خطورة الأمر، حاول أن يجد مخرجا عن طريق حل "قديم-جديد"، يتمثل في السماح للتنظيمات الإرهابية في اجتياح المنطقة ، حتى يقول للشعب السوري إنكم الآن بين المطرقة والسندان ، إما أن تختاروا ضربة المطرقة وإنما أن تتحملوا قسوة السندان . ونقصد بالمطرقة والسنداد كل من نظام بشار ، وتنظيم الدولة ..
وفق هذا الفهم ، يكون " تنظيم الدولة" أكبر خطة سياسية وأحقرها في التعامل مع الشعب ، طبعا إن تنظيم الدولة الإرهابي قد اقترف ولا يزال جرائما تنكرها الفطرة ، لكن بشار عرف كيف يستغل الأمر بأن يظهر بوصفة البطل الأسطوري القادر على تخليص سوريا من هذه "الجمرة الخبيثة" .
وفي المقابل لا ينبغي أن نحلل الأزمة السورية دون ذكر المسأة التي عرفتها مصر ، فإسقاط " الإخوان المسلمين" في مصر وما واكبه من تطور وعنف قد زاد الطين بلة . حيث إن إسقاط محمد مرسي زاد من شدة الغضب في الشارع ، مما خلق نوعا من الحقد الدفين لدى "الإسلاميين" وزاد من انفعالاتهم. طبعا إن سقوط الإخوان في مصر له دلالات عميقة ، لأن هذا السقوط سواء أسلمنا بأنه انقلاب أو ثورة شعبية ، فلا يهم الأمر مادامت النتيجة واحدة . لقد كانت الجركات الإسلامية تعتقد بأنها ما أن تصعد حتى تتحقق أطروحة نهاية التاريخ " نستعير هذا المفهوم من وزير الخارجية السابق والمفكر الأمريكي : فرنسيس فوكوياما" وبالتالي يتحقق " الروح المطلق " "ويتصالح الذئب مع الشاة" ، وتتحول "سيوف الحرب إلى أسنة للمحراث" و " أفواه المدافع إلى مأوى للطيور الجميلة " لكن وبعد زمن ليس بالطويل يظهر السيسي لكي يطلق رصاصة الرحمة على هذه العقيدة، ويصعد إلى الحكم بدم بارد . أمام هذا الأمر لم يجد بعض أنصار الجماعة إلا الخروج ومحاولة استنفاذ الورقة الأخيرة التي بقيت لهم وهي المواجهة المسلحة ، لكن رحى الحرب هذه المرة ليست في مصر وإنما سوريا ...لا نقصد بأن للإخوان علاقة بتنظيم داعش، لأن تأكيد ادعاء كهذا أو نفيه هو من اختصاص المتختصين . إننا لا نمل من تكرار أن ما حدث في مصر انعكس على الواقع العربي ، حيث أحس الإسلام السياسي بأن الغنيمة سرقت من بين يديه ، وأن حرمته استبيحت في عقر داره ، فما كان له إلا أن يحاول تبني المواجهة ......
أما نظام بشار فقد عرف كيف يستغل الأمر عموما ، بأن يحول المعركة لصالحه ، وأن تظهر الثورة السورية كما لو أنها معركة بين " الخير والشر ، بين حزب الرب وحزب الشيطان ، بين اللاهوت الخير والناسوت الشرير " هذا ما وقع فعلا ، فالخير المطلق بحسب نظره يمثله هو والشر يمثله كل من يلود بالخروج عن سلطته . إن النظام السوري يحاول أن يقول لشعبه أنتم بين خيارين إما الأيبولا أو السرطان " إي إذا اخترتهم تنظيم داعش فأنتم تختارون الأيبولا أي الموت السريع ، أما إذا اخترتموني فأنتهم تختارون السرطان أي الموت رويدا رويدا ...لكن الشعب السوري الأبي رفض الانصياع لهذا الأمر ، فمادام الأمر واحد ، وهو الموت ، فكيف إذا نقف مكتوفي الأيدي ننتظر "الموت الرحيم" مادامت النتيجة واحدة وهي الأستبداد ؟
على كل حال ، إن سوريا الآن موضوعة بين سيف ذو حدين ، وعليها أن تناظل لا من أجل تجنب أحدهما لتقع تحت رحمة الآخر ، وإنما لأسقاط التنظيمين ، من جهة تنظيم بشار المستبد ، ومن جهة تنظيم داعش الإرهابي ... وكيفما ما كان الحال ، فإن الشعب السوري هو شعب المثقفين ، إذا قد خرج لإسقاط بشار فكيف له أن يرضى بتنظيم لم يحمل دخوله إلى سوريا إلا العنف والجرائم والمذابح ضد الإنسانية .
وفي المقابل ، إن الغرب الذي سكت على مجرزة من أبشع مجازر العالم الحديث ، قد أهان نفسه وبخس من قيمه ، أليس من العار أن يصرح السيد أوباما أو السيد وزير الدفاع الأمركي تشاك هيجل بأنه سيدعم المعارضة السورية بأسلحة خفيفة خوفا من أن تسقط الأسلحة النوعية في يد التنظيمات المتطرفة . لكن حتى لو سلمنا بصدق نية كل من السيد أوباما ووزير دفاعه تشاك هيجل ، أليس من الجنون، مواجهة بشار الذي يمتلك طائرات سخوي الروسية ومضادة الطائرات بأسلحة خفيفة ؟؟ هذا طبعا إذا كان هذا الأمر صدر عن نية طيبة في قطع دابر بشار. أما الفضيحة الأخلاقي فهي أن يكون هذا القرار الذي قدمه سيادة الرئيس الأمريكي محاولة لزيادة نار الأزمة ، وكأنه يقول لهم " تقاتلوا ، ليقتل بعضكم بعضا ، ونحن من موقعنا نشاهد ، لكي نكرم الفائز ، هذا طبعا إن كان بينكم فائز "
ويظهر بجلاء أن العالم العربي قد وصل إلى مرحلة حاسمة في تاريخه، وأن عليه أن يناظل من أجل القطع مع الاستبداد بشقيه السياسي والديني . وأن يتحرك ضد كل وصاية تعمل بمنطق الشيخ والمريد..إننا لا نحكم على الثورات بالفشل ، إن ما تمر به هذه البلدان شيء طبيعي ، وربما هو المقدمة لإعصار أقوى ستحمله السنوات المقبلة ...ونكرر القول إن ما وقع في مصر كانت له تبعات كارثية، فمن جهة صعود السيسي بدم بارد ، ومن جهة أخرى الشطط في استعمال السلطة من لدن الإخوان وربط " الديمقراطية التشاركية " لو أن لهم ديمقراطيتهم الخاصة ..ولعل هذا هوا ما جعل الشارع يزيد في غليانه ..إن إسقاط الإخوان بتلك الطريقة ليس بالأمر المناسب، إذ ما هكذا تكرس الديمقراطية. لابد من إعادة النظر في الثرات ، ومحاولة قراءته من جديد بكيفية نقدية، تماما كما فعل سبينوزا وبايل ، وفولتير في أوربا ...وأن ندرك أن ما يحدث الآن في عالمنا العربي حدث بالفعل في القارة العجوز ، وأن من الواجب تعلم الدرس البليغ ....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرات الطلاب الأمريكيين ضد الحرب في غزة تلهم الطلاب في فرن


.. -البطل الخارق- غريندايزر في باريس! • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بلينكن في الصين.. مهمة صعبة وشائكة • فرانس 24 / FRANCE 24


.. بلينكن يصل إسرائيل الثلاثاء المقبل في زيارة هي السابعة له من




.. مسؤولون مصريون: وفد مصري رفيع المستوى توجه لإسرائيل مع رؤية