الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


معركة سياسية.. وتغييب السياسة!

عصام مخول

2015 / 1 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


هناك أسباب حقيقية تستدعي وحدة الجماهير العربية في اسرائيل – وحدة كفاحية وفي أطر كفاحية، على مدار أيام السنة. كان مفهوم "الوحدة الكفاحية" ولا يزال، عصب صمود الجماهير العربية منذ أن وجدت نفسها أقلية قومية في إسرائيل بعد العام 1948، في صدام وجودي مع سياسة الاضطهاد القومي والاقتلاع والمصادرة والتمييز العنصري وصولا الى المد الفاشي الذي نواجهه اليوم.
وكان مشروع "وحدة الصف الكفاحية" هو المشروع المؤسس الذي اجترحه الشيوعيون وبنوا من حوله أطر "الوحدة الكفاحية" معركة تلو معركة، ليجعلوا من حطام شعب مشتت منكوب، أقلية قومية متجذرة في وطنها، وينتقلوا بها من نفسية النكبة الى نفسية الصدام والمواجهة. أقلية قومية مرفوعة الرأس، راسخة القدم، واثقة بنفسها، لا تتردد في المواجهة مع الفكر والممارسة الصهيونية في كل مفاصلها. ولكنها في الوقت نفسه، لا تتلعثم في تحديد تناقضها الرئيسي مع مشاريع الامبريالية والصهيونية والرجعية العربية في المنطقة. ولا تحايد في الصراع معها، جميعها معا وكل واحدة منها على حدة. ولا تتردد في انتمائها الى شعبها الفلسطيني والمساهمة في انتصار قضيته العادلة من موقعها داخل اسرائيل: "نحن أهل هذا الوطن الذي لا وطن لها سواه... لم ننكر، ولا يمكن أن ننكر حتى لو جوبهنا بالموت نفسه، أصلنا العريق: نحن جزء حي وفاعل ونشيط من الشعب العربي الفلسطيني، لم نتنازل ولا يمكن ان نتنازل عن حق هذا الشعب في تقرير مصيره وفي الحرية والاستقلال على ترابه الوطني" (وثيقة 6 حزيران 1980).
إن أية محاولة لتصوير "القائمة العربية المشتركة" التي يجري التحضير لها لانتخابات الكنيست القريبة والترويج لها على أنها قائمة "الوحدة الكفاحية" المناهضة للفاشية، أوأنها "وحدة المقهورين"، و"تحالف ثوري"، من خلال استبعاد الأسس الجوهرية التي تقوم عليها مثل هذه الوحدة، لا تتجاوز كونها محاولة بائسة لتضليل النفس وزرع الاوهام والمغالطة، وتغييب السياسة من الصراع السياسي، وتشويه مفهوم وحدة الصف الكفاحية واستبداله بمفهوم "مسخ"، لوحدة "تصفيف كراسي" في الكنيست ينادي بها بعضهم جهارا، وإعادة انتاج لوضع العجز السياسي القائم والطاغي على السياسة العربية في اسرائيل منذ سنوات، بديلا لأية وحدة كفاحية ممكنة ونقيضا لها وعوضا عن استخلاص أية عبرة من التراجعات والفشل.
وتماما كما أن حركة "شاس" لم تشكل في يوم من الايام مخرجا لليهود الشرقيين من ضائقتهم والتمييز ضدهم، بل كانت مخرجا للنخب من أصول شرقية، وتمكين هذه النخب من استثمار هذا التمييز وهذه الضائقة، فإن القائمة العربية المشتركة المطروحة، بمقدورها أن تشكل مخرجا للنخب السياسية العربية، لكن ليس لنضال الجماهير العربية وقضاياها المصيرية الملحة.




*الرجعية العربية بين التدخل على ساحتنا والتداخل فيها!*


إن طبيعة الوحدة المطلوبة يجب أن تكون خاضعة لطبيعة المعركة السياسية والفكرية السائدة. فالسياق السياسي والأيديولوجي الذي تجري فيه هذه الانتخابات أبعد من السياسة اليومية الجارية، على خطورتها وعلى خطورة تفاصيلها. فهذه الانتخابات التي فرضها اليمين المتطرف بقيادة نتنياهو عن وعي وسبق إصرار، جاءت استمرارا مباشرا لمنطق الحرب الارهابية التي نفذتها اسرائيل على الشعب الفلسطيني في غزة مؤخرا، وما سبقها من عدوان على الضفة الغربية والقدس العربية المحتلة، وما تلاها من المشاركة في الخفاء والعلن في العدوان الارهابي الذي تتعرض له سوريا، ومن الاعداد لحرب عدوانية على لبنان والمقاومة اللبنانية.
لقد أعلن نتنياهو على الملأ، حربا استراتيجية متدحرجة - وليس مجرد مجازر وعمليات أمنية – على الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة. ولم يتورع اليمين الفاشي في اسرائيل عن المجاهرة بأن عليه استغلال الفرصة الاستراتيجية المواتية في المنطقة العربية، لاقتناص تغيير جوهري على مكونات الصراع، في ظل مشروع "الفوضى الخلاقة"، ومشاريع الهيمنة الامبريالية على المنطقة، و"الربيع العربي" والثورة الظلامية المضادة، وتفكيك الدول وتفتيت الشعوب، ومواصلة الحرب الارهابية المعولمة على سوريا وعلى شعبها.
وفي إطار هذا التغيير الاستراتيجي الجوهري الذي يبتغيه اليمين الفاشي على طابع الصراع وطبيعته، يصبح الصراع صراعا على "يهودية اسرائيل " وليس على تحرر الشعب الفلسطيني، ويصبح مشروع الاستقلال الفلسطيني والدولة الفلسطينية، خاضعا ل"الحرب على الارهاب" الداعشي، وليس شرطا لدحره والانتصار عليه , ويصبح مطلب مرابطة جيش الاحتلال الاسرائيلي على نهر الاردن عنصرا في استقرار المنطقة وجزءا من الحل، وليس سببا لغياب الاستقرار والقضاء على الحل، وتصبح القضية المطروحة للحسم هي موقع اسرائيل في محور المعتدلين في الشرق الاوسط وليس قضية الشعب الفلسطيني.
وفي محاولة اليمين الفاشي أن يجني ثمار مشروع الفوضى الخلاقة والوضع الجديد الناشيء في المنطقة، وأدواته – الامبريالية والصهيونية والرجعية العربية، دفع بالانفجار الفاشي داخل اسرائيل الى درك جديد. وفي معركته لتغيير طابع الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، وتشويه معادلاته اعتبر ان الفرصة مواتية لتبديد الحقوق القومية للاقلية القومية العربية في اسرائيل، ومسح الانجازات الوطنية التي حققتها على مدى سنوات نضالها الطويل وتهديد حقها بالوطن وحقها المولود بالمواطنة في الدولة التي تقوم على وطنها.
وإذا كانت هذه هي مركبات الحالة السياسية القائمة، وهذه هي التحديات المصيرية التي أفرزت الانتخابات من جهة، وتفرضها المعركة الانتخابية من الجهة الاخرى، فإنه ليس من حق أحد أن يبني سياسة التحالفات والشراكة الانتخابية في تغييب التناقض مع عناصر ثلاثي الامبريالية والصهيونية والرجعية العربية في المنطقة . إن تركيز بعضهم في هذا النقاش، على أن التناقض الرئيسي يقتصر على التناقض مع الصهيونية، لا يعني تعميق الصراع مع الصهيونية بالضرورة، وانما يعني التستر على التناقض مع مشروع الهيمنة الامريكية من جهة، والتغاضي عن التناقض مع تواطؤ الرجعية العربية الفاعل مع المشروع الامبريالي ومع المشروع الصهيوني سواء بسواء.
إن التمايز على ساحة القوى السياسية الفاعلة على ساحة الجماهير العربية في اسرائيل لم يكن أكثر وضوحا وعمقا وشفافية مما هو عليه اليوم. وفي هذه الظروف فإن أي تحالف أو شراكة انتخابية، لا تقوم على موقف مشترك تتخذه هذه الشراكة من عناصر ثلاثي الامبريالية والصهيونية والرجعية العربية، مجتمعة وكل واحدة منها على حدة، تصبح ضربا من التحالف الانتهازي. فالرجعية العربية، التي كانت تتدخل في ساحتنا السياسية وتحاول أن تؤثر عليها في الماضي، باتت تتداخل في ساحتنا بأذرعها وأموالها وسياساتها في ظل مشروع التفكيك والتآمر على المنطقة. إن الشراكة السياسية المقترحة تشكل فرصة لمطالبة قوى رئيسية فاعلة على ساحة الجماهير العربية بفك ارتباطها بالرجعية العربية وبالمشروع الامبريالي في المنطقة، ليس من باب المناكفة والاتهام، وانما من باب الرغبة الصادقة في بناء شراكة وطنية استراتيجية صادقة وفاعلة.




*لا يكفي "تمرد الغيتو" للرد على الفاشية!*


ليس سرا أن هناك نقاشا حقيقيا يدور في داخل هيئات الحزب الشيوعي والجبهة حول الافكار المطروحة للشكل الذي نخوض به الانتخابات القادمة، وهو في جوهره نقاش سياسي وفكري واستراتيجي. وفي مركزه يطرح السؤال حول تحديد الساحة الاساسية التي نريد أن نمارس دورنا وخياراتنا السياسية عليها. وما هو البديل السياسي الذي نطرحه. وبديل لمن؟
فالساحة السياسية التي تتسع للمشروع السياسي الذي نحمله منذ عشرات السنين، هي الساحة السياسية الاسرائيلية بطولها وعرضها، وما يشغلنا هو أن نطرح بديلا لسياسة المؤسسة الاسرائيلية الحاكمة، بأحزابها المختلفة وإجماعها القومي الصهيوني، لا أن نلعب على ملاعبنا المحلية لننافس التجمع والقائمة العربية الموحدة، بل نمارس دورنا على الملعب الرئيسي في اسرائيل لاننا نطرح بديلا لنتنياهو وائتلافاته الخطيرة وبديلا لهرتسوغ وليفني ومن لف لف المعسكر الصهيوني. نحن معنيون استراتيجيا بطرح بديلنا التقدمي الديمقراطي الحقيقي ليحل مكان النظام القائم في اسرائيل. ومعركتنا لا تقتصر على تحرير المواطنين العرب وحدهم من هيمنة الصهيونية، بل إن معركتنا هي على تحرير المواطنين اليهود ايضا من هيمنة الصهيونية بفكرها وممارستها. إن تحديد الطابع الاستراتيجي لدورنا ليس مسألة نظرية فقط، مهما تململ بعضهم مدعيا أنها قضية نظرية لا ترتبط بالمعركة الانتخابية العينية التي تتطلب أجوبة آنية. لكن ما يفوت المتململين هو أن تحديد الطابع الاستراتيجي لنهجنا السياسي، يجب ان يشكل المدار الذي يجب ان يدور عليه وفي اطاره تكتيكنا الانتخابي وألا يتجاوزه او يتناقض معه.
وعندما نتحدث عن الانفجار الفاشي في اسرائيل والهجوم العنصري الشرس على الحريات الديمقراطية والانفلات الفاشي على الاقلية القومية العربية، تصبح الحاجة أكبر، إلى أوسع تحالف ديمقراطي، تقدمي لجميع القوى المناهضة للفاشية، يتسع للجماهير العربية ووحدتها الكفاحية الاكثر اتساعا، ويتسع لجميع القوى الديمقراطية اليهودية المعنية بمواجهة المد الفاشي ويخاطبها. إن وحدة الجماهير العربية الكفاحية، من المفروض ان تأخذ مكانها في اطار تحالف مناهض للفاشية والعنصرية، وليس بديلا عنه، في قائمة عربية مشتركة. إن كون الانسان عربيا أو كونه يهوديا لا يشكل قاعدة سياسية لأي تحالف. نحن نقيس الناس بحسب مواقفها وليس بحسب انتماءاتها، وهو أضعف الايمان. إن التجربة التاريخية علمتنا أن المواجهة مع الفاشية، لا يمكن ان تنتصر من خلال الانكفاء على الذات، وأن "تمرد الغيتو" بقياس تاريخي لا يعدو كونه حدثا عابرا وهامشيا، بينما يتطلب الانتصار على الفاشية تحطيم جدران الغيتو، و"تكسير جدران الصهريج"، وبناء الجبهة الشعبية المناهضة للفاشية مع القوى المناهضة للفاشية في شعب الاكثرية، وهي في حالتنا جبهة عربية يهودية تقدمية بالضرورة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - وحدة.. ام تجمع قبلي
نبيل عودة ( 2015 / 1 / 9 - 06:41 )
يجب الفرز في مقالك بين الطرح السياسي الفكري ورفع الشعارات . حقا الحزب كان دائما سباقا الى الوحدة الوطنية، الجبهة لم تكن تجربته الأولى.. لكنها تجربة مميزة لم تتواصل بنفس العزم والطاقة، وبنفس التركيبة التي انطلقت منها. جرى اسقاط معظم مركباتها وتحولت لىشبه حزب أخر.
المجتمع العربي اليوم ليس مجتمعا متجانسا حول مسائل بالغة الأهمية في صيرورتنا الاجتماعية. السياسة هامة . لكن القاعدة الاجتماعية تواجه اشكالية بالغة الخطورة لا يمكن للسياسية ان تجسر عليها بل من الخطأ اعتبار الموضوع سياسي فقط. حتى المجال السياسي يحتاج الى فرز. واقع ما نعانية ليس فقط سياسة سلطة عنصرية ، انما تنظيمات لم تبق موبقة لم ترتكبها من اجل خدمة السياسة العنصرية بوعي او بدون وعي. التجمع يتفسخ وقام بدورا تدميريا لمجتمعنا وساهم بتنمية العصبية الدينية والقومية الكاذبة (دوره في الناصرة). افضل نشطاء هذا الحزب انفضوا عنه وهو اليوم يعاني من التفكك
.. امام الجبهة فرصة ان تستعيد ما كانت تمثله سياسيا واجتماعيا وثقافيا
سافهم تحالفكم مع الطيبي .. عدا ذلك سيكون سقوطا ولن ينفع بعدها الندم.


2 - لا سياسة في إسرائيل
فؤاد النمري ( 2015 / 1 / 10 - 04:32 )
العصايات الصهيونية بمختلف مسمياتها تنجح فقط في تولي السلطة في إسرائيل عن طريق إبعاد الشعب عن السياسة التي تتلخص في الصراع الطبقي وتحسين وسائل العيش ليحل محلها تخصيص مجمل الثروة الوطنية لشذاذ الآفاق من اليهود وحتى غير اليهود من الروس والأحباش
من المؤسف أن هذا الإحتيال الصهيوني نجح أيضاً في عزل الشيوعيين أيضاً عن السياسة فاستعاضوا عنها بمعارضة الاحتيال الصهيوني بما يمكن أن يوصف بالاحتيال العربي أو القومية العربية حتى بات الصراع الطبقي غريباً عليهم وهو ما سمح لغيرهم من العرب أن يعرض مهارة أكثر في الرفص على حبال القومية الموتورة

الشيوعيون القوميون ليسوا شيوعيين

اخر الافلام

.. !ماسك يحذر من حرب أهلية


.. هل تمنح المحكمة العليا الأمريكية الحصانة القضائية لترامب؟




.. رصيف غزة العائم.. المواصفات والمهام | #الظهيرة


.. القوات الأميركية تبدأ تشييد رصيف بحري عائم قبالة ساحل غزة |




.. أمريكا.. ربط طلاب جامعة نورث وسترن أذرعهم لحماية خيامهم من ا