الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عفواً سامي كليب سوف نشمت و لكننا لن نوزع الحلويات

عادل أسعد

2015 / 1 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


بعد أول تفجير ارهابي ضرب منطقة الرويس في الضاحية الجنوبية لبيروت خلال الأزمة السورية في آب من العام 2013 جاء رد فعل أبناء باب التبانة في طرابلس على المناسبة مفاجئاً بفجاجته و استفزازه فقد احتفلوا في الشوارع ابتهاجاً بالجريمة و أطلقوا النار في الهواء و قاموا بتوزيع الحلويات على المارة . بعد هذه الحادثة بفترة قصيرة ضرب تفجير مزدوج مدينة طرابلس في ذروة الازدحام بعد صلاة الجمعة و جاء رد فعل أبناء الضاحية على الجريمة لبقاً و منضبطاً بصرف النظر عن ماهية مشاعرهم الداخلية التي لن نعرفها أو عن وجهات نظرهم عن الجريمة و عن الفاعل ، فقد قدمت الضاحية تعازيها لطرابلس و عرضت المساعدة على أبنائها و أطلقت حملة للتبرع بالدم لأجل جرحى التفجيرين .
ان ظاهرة الاحتفال العلني بالعمليات الارهابية ابتهاجاً بسقوط ضحايا من الطرف المقابل هي ليست بالجديدة على شرائح كبيرة من مجتمعاتنا في الشرق التي وصل بها الأمر لدرجة التشفي العلني على نكبات وقعت لشعوب اخرى عانت من دمار و من سقوط الكثير من الضحايا بسبب كوارث طبيعية مثل نكبة تسونامي التي خلفت الكثير من الخراب و من الويلات التي قوبلت عندنا بشماتة و تشفي و بابتسامات مكبوتة .
بعيداً عن كل ما كتب حتى الأن عن الهجوم الارهابي على مبنى المجلة الفرنسية (شارلي ايبدو) بدءاً من أسرع تعليق شهده العالم يأتي على جريمة كان قد جاءنا من فهلوي عصره و بلبل زمانه فيصل القاسم الذي غرد بعد سويعات من العملية الارهابية متهماً النظام السوري بالوقوف وراءها بناءً على تصريحات للدولة السورية عن ارتداد الارهاب على داعميه ظلت ترددها و تعيدها و تزيدها منذ بداية الأزمة لعل و عسى يسمع الطرشان في نهاية الأمر . و بعيداً أيضاً عن سيل البرامج السياسية الاخبارية منها و الحوارية التي وجدت في الحادثة وليمة دسمة لها فطافت القنوات التلفزيونية بالمحللين و المفكرين السياسيين و بالخبراء الاستراتيجيين ليدلي كل بدلوه عن الحادثة شارحاً أسبابها و تداعياتها من زاويته الخاصة ، يتبقى لنا من وجهة نظري مقالين اثنين فقط يستحقان أن نتفاعل معهما بعد اسقاط كل ماذكر و هما مقال جان عزيز (جواب هولاند السري و سر الاله القاتل) و مقال سامي كليب (كفى شماتة الارهاب في نفوسنا).
يتحدث جان عزيز في مقاله عن الأسباب العميقة التي أفرزت جريمة شارلي ايبدو ، و يعرض للصفات البراغماتية و النفعية التي غرق بها الغرب حتى اذنيه ليصبح مبللاً حتى النخاع بالنفط العربي الذي يأتي من دول الخليج و على رأسهم المملكة التي تدس فكرها الأسود في ذهبها الأسود و تصدره إلى بلدان كفرنسا التي مازالت تصر على فكرة انها تنتمي إلى دول العالم الأول لأنها من الاوائل في الرفاهية و رفاهيتها هذه يجب أن تبقى قائمة مهما سفك على جوانبها من الاخلاقيات العامة و مهما قدمت لها قرابين من غض الطرف و الكذب على الذات .
ينوه سامي كليب بطريقتة اللبقة و الهادئة بأن اي تعامل مع الارهاب بغية توظيفه لتحقيق مكاسب سياسية سوف يشكل لاحقاً سلاحاً مرتداً يعود على صاحبه ، و يذكرنا بنفس الوقت بأن الكثير من أجهزة المخابرات الاقليمية و الدولية قد سبق لها و لعبت على هذا الوتر و شعوبنا قد ذاقت الأمرين من كأس الارهاب و عليه فان التشفي و اظهار العواطف الموتورة تجاه فرنسا أو غيرها من الدول في نكباتهم هو عامل قوي من العوامل التي تنزل على رأس الأمة الويلات التي تعاني منها .
بالطبع فان مواقع التواصل الاجتماعي كانت الأكثر نشاطاً في تعليقاتها التي انهمرت كالمطر ، منها تعليقات متشفية بفرنسا و أخرى تتهم جهات و دول معينة بالوقوف وراء العملية و اخرى تحذر المسلمين من تداعيات الجريمة عليهم و تنسبها إلى مؤامرة كبيرة تحاك ضد الأمة و المؤمنين . لكننا لو قمنا أيضاً باستبعاد ضباب ردود الأفعال التقليدية هذه فأننا سوف نرى ثلاثة تجليات عاطفية على هذه الجريمة ليست مفهومة تماماً و لا تتناسب مع السياقات التي ترافق هكذا نوع من العمليات الارهابية و هي : أولاً الاستنفار العاطفي الدولي الذي ترافق مع كثافة الاستنكارات و شجب الجريمة و الذي تتوج بمسيرة تضامن في باريس لزعماء دول كبار و صغار تأبطوا فيها الرئيس الفرنسي و هم يرفلون بمعاطفهم الداكنة التي تبرز منه وجوههم المكفهرة . كلنا مع التعاطف ضد الجرائم لكننا لم نرى سابقاً أحداً من هؤلاء الزعماء يزور اسبانيا أو لندن عندما ضربهم الارهاب فأوقع من القتلى المدنيين أضعاف الذين سقطوا في باريس ؟؟ ثانياً الصمت و العواطف الباردة التي أبداها جمهور المعارضة السورية على الجريمة و هو الذي عودنا على التهليل و الرقص عند اراقة الدماء ؟؟ ثالثاً نرى عند بعض الشامتين بفرنسا تكرار لحالة توزيع الحلويات (بشكلها المعنوي) التي تعتبر أقوى تجلي لانفلات العواطف السلبية عند المصائب .
ان فعل توزيع الحلويات عند فجيعة الآخر هو أمر حديث نسبياً في مجتمعاتنا ، فأنا مازلت أذكر الابتهاجات التي رافقت قصف الجيش العراقي لتل أبيب بصواريخ السكود حيث اقتصر التشفي وقتها على تهليل الناس من على أسطح منازلهم الأمر الذي استشهدت به اسرائيل أكثر من مرة لاحقاً كأثبات لها أمام دول الغرب يدعم ادعاها بأنها تعيش في وسط محيط بها يقدس القتال و يهلل لسقوط الصواريخ على المدن مما يبرر لها تعنتها مع العرب و اصرارها على اكتساب ناصية القوة و التفوق العسكري . و لكن هناك ماهو مضحك و مبكي في هذا المثال و يترافق في نفس الوقت مع مفارقة من الدرجة الاولى في مشاعر التشفي و توزيع الحلويات لان اسرائيل ذاتها مازالت تتشبث بهذا الخطاب مع الغرب حتى الأن مع ان جمهور المعارضة السورية و بالتحديد جماعة كبيرة من سكان غوطة دمشق كان أفرادها قد شحذوا ألسنتهم لاطلاق تكبيرات الشكر و استنفروا حناجر نسائهم لاطلاق زغاريد الفرح و هم متربصون قابضون على أسلحتهم بلهفة بينما عيونهم تحلق في السماء في انتظار لحظة اطلاق الطائرات الاسرائيلية لصواريخها على موقع جمرايا و على قطع عسكرية للجيش السوري في مدينة دمشق .
ان لم تخني ذاكرتي فأن أول مرة سمعت فيها عن توزيع حلويات في مناسبة سقط فيها ضحايا كانت في التسعينيات الماضية و كان بعض الفلسطينيين هم من فعلها ، و بعدها سمعت عن نفس الحادثة تتكرر في مخيمات لبنان و في غزة و من ثم انتشرت هذه العادة وصولاً إلى المعارضة السورية . ان الشعور بالحاجة لتوزيع الحلويات فوق الدماء يختلف كثيراً عن مشاعر التشفي أو الشماتة مع أن الكل يبدون متشابهين في المعنى و التطبيقات . فالتشفي يحمل في جوفه شعوراً بالانتقام و لكنه يبقى داخلياً و لا يترجم إلى سلوك خارجي بسبب مراعاة القيم العامة ، أما توزيع الحلويات فهو سلوك يعبر عن أقسى المشاعر تجاه الأخر و يكشف عن حالة عاطفية بهيمية يرقص فيها المحتفل فوق أشلاء الجثث و يقول للآخر ان دماؤك هي حلويات لي مما يذكرنا بطقس أكل لحم الجندي السوري الذي مارسه الزومبي أبو صقار .
كثيرة هي الدول و كثيرون هم الأشخاص الذين وزعوا الحلويات على دماء سورية ، فهناك الفهلوي فيصل القاسم الذي مازال يتأمل أن يوزع حلوياته على جثة سورية بربطها بجريمة باريس . و هناك فرنسا التي وزعت أطنان الحلويات على أشلاء السوريين في حمص و على جثث العسكريين و المدنيين ممن سقطوا بيد النصرة و داعش و مازالت تمارس تمارين الرقص حتى الأن آملة أن تؤدي في النهاية رقصتها الكبرى فوق أشلاء سورية كما فعلت بليبيا . و هناك الأردن و اسرائيل و كل جوقة ما كان يدعى بأصدقاء سورية الذين رأيناهم يتأبطون هولاند في باريس و يتعاطفون معه . و هناك المعارضة السورية التي بردت عواطفها فجأة على مصيبة الراقصة فرنسا فخشيت أن لا تحظى بشرف مشاهدة الرقصة الكبرى فوجهت لسانها تجاه سورية لعل و عسى تحصل على فرصتها الضائعة لفتح صندوق حلوياتها أو ما يعرف بصندوق باندورا (صندوق الآلام و المصائب) الذي استشهدت به فرنسا أكثر من مرة على لسان شيراك و ساركوزي لتوصيف دخول الأمريكان إلى بغداد و حل الجيش العراقي .
هناك تكملة لمقال جان عزيز لم تقال و هي ان ماوقع في باريس هو فاتحة بسيطة لما هو قادم لا محالة ، و المؤشرات واضحة لذلك فقبل الحادثة بحوالي الاسبوعين تكتمت فرنسا صاغرة على سلسلة عمليات نفذت بناء على فتوى صدرت من جوامع في فرنسا حيث هاجم مواطنون مسلمون بسياراتهم مواطنينن فرنسيين كانوا يحتفلون بعيد الميلاد لأنهم و حسب المهاجمين هم يمارسون طقوساً وثنية . و هناك أيضاً تكملة لمقال سامي كليب لم تقال و هي ان الويلات في بلادنا لن تتوقف ان لم يحصل تغير جذري في وعي شعوب المنطقة لأن المشكلة هي ذاتية ثقافية بالدرجة الأولى .
أما في سورية فنحن لنا تكملتنا الخاصة جداً فيما يخص شماتتنا على ما أصاب فرنسا ، فما نشعر به هو شماتة انسانية تحمل نبلاً في داخلها لأنها مرتبطة بوجعنا و هي تقول ان الشامت هو انسان قد مرت على رأسه تجربة موجعة و كان أو مازال يعاني من ألم فتك به و لكن الطرف الأخر و الذي هو طرف مسبب لهذا الألم لم يعر هذه الأحاسيس أي اهتمام حتى وقع هو نفسه ضحية لذات الألم . شماتتنا تحمل في جوفها أنة وجع مع صرخة لانقاذ مابقي من سورية ، شماتة تطلقها أرواح من سقطوا نتيجة "للثورة" السورية ، و يطلقها من رأى أبنه عار من ثيابه يعدم على الهواء مباشرة على يد داعش ، و من رأى أخاه يقطع رأسه و يؤكل قلبه على يد جبهة النصرة . شماتة يصرخ بها الجندي السوري و هو ثابت في وجه النار و البرد يسترجع صورة رفاق دربه الذين سقطوا أمامه في حرب لم يبدأها هو و لكنه مصر على انهائها . شماتة ألم تصورها زيارة الرئيس السوري لجيشه المرابط على خطوط التماس في رأس السنة ليقول لمن لم يفهم طبيعة معركتنا بعد ان هذه الزيارة تعني ان رأس السنة هي لكل السوريين ، و ان كانت فرنسا قد صمتت صاغرة على قتل الميلاد على يد الارهاب فنحن لن نفعلها و لن نصمت على قتل مستقبلنا بل سنفعل ما نراه حق بعقيدة رجال يواجهون الموت في الصقيع مبتسمين و هم لا يملكون من الطعام إلا المتواضع منه لأجل أن تحتفل كل سورية من خلفهم بزمن جديد ... نعم اننا نشمت بفرنسا و لجنودنا الحق في أن يشمتوا لأجل وطنهم و لأجل دماء اخوتهم و أحبائهم ، و لكنهم مع ذلك يقولون للعالم الذي يراقب حائراً اعذرنا على مشاعرنا فنحن نحتاج إلى القليل بعد كي نصل مع ألمنا إلى مرحلة القداسة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - عزيزي الكاتب لا تستخف بعقول القراء
سوري فهمان ( 2015 / 1 / 12 - 16:53 )
عزيزي الكاتب يبدو أن ذاكرتك ضعيفه فاول من قام بالعمليات الارهابيه في فرنسا هم من أتباع ولايت السفيه وأول من أفتى بقتل كاتب هو الخميني ولو رجعت لخطابات دجال المقاومه السابقة لسمعته يرغي ويزبد ويهدد بالقتل من رسم محمد فلا تستخف بعقول القراء

اخر الافلام

.. مخاوف من استخدامه كـ-سلاح حرب-.. أول كلب آلي في العالم ينفث


.. تراجع شعبية حماس لدى سكان غزة والضفة الغربية.. صحيفة فايننشا




.. نشاط دبلوماسي مصري مكثف في ظل تراجع الدور القطري في الوساطة


.. كيف يمكن توصيف واقع جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة؟




.. زيلنسكي يشكر أمير دولة قطر على الوساطة الناجحة بين روسيا وأو