الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


Charlie Hebdo و سريالية العجز...

اكرم هواس

2015 / 1 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


هل يمكن إيجاد تفسير فلسفي او ابستبموجي او سوسيولوجي لما يجري... يمكننا ان نطرح الكثير من الأسئلة و التساؤلات... او نغمس رؤوسنا في رمال الكثير من النظريات العقلانية و التآمرية و التاريخانية و غيرها...؟؟؟... ام يمكننا ان نطرح اشكالية تمدد قيمة القتل الى كل مكان و الى اللا مكان بصيغ مختلفة و بالتركيز على مفاهيم و طروحات مختلفة... لكن هل من جديد يمكن ان يربط بين سيريالية المشهد الغريب حيث تحتضن الحرية رغبة الإفناء او تلتقي ابداعية الثقافة و انهزامية العجز...؟؟؟..

احد الأسئلة يظل يدور حول المعنى القيمي ... او قيمة القيمة في كل ما يجري....هل نحن في عصر تطوير القيمة و تفعيلها.... ام نحن في عصر فقدان القيمة لقيمتها لتنتج اللاشيء و هو الفناء.... حتى نقرب المفهوم... نفترض ان القيم في عصور ماضية ... يمكن ان تكون تلك العصور ليس لها واقع تاريخي و إنما نقوم نحن باختلاق ذلك بناء على صدى حكايات فلكلورية أحببناها او كرهناها... لكن لنفترض ذلك ان القيمة المتوارثة كانت تخلق قيمة ذهنية في عقولنا عند سماعنا عنها ( السماع يعني تعرفنا اليها سواء عن طريق السمع او القراءة او استخلاص عن طريق مناقشة او ملاحظة سلوك احد او تفهم حاجة احد... الخ من التقاطعات اليومية في حياتنا )...

المهم اننا ورثنا شيئا ذهنيا عن قيم و حدود اخلاقية ( إيجابية او سلبية وفق التفسير المصاحب للرواية او الأسطورية التاريخية )... كنا نحترمها في سلوكنا الفردي و الجماعي بطريقة او اخرى توائم مصالحنا لكنها ايضا تحترم بدرجة معقولة النظام الاجتماعي العام بحيث لا تحدث صدمات او تغييرات مفاجئة تسعدنا احياننا و تدمر المجتمع أحيانا اخرى...

لكننا نقف اليوم امام مشهد غريب... الناس تقتل الحرية باسم الدفاع عن الحرية... هذا جديد و هذا يختلف ... على الاقل ابستيمولوجيا... عن القتل بإسم الحق و بإسم العدالة و الله... هذا ما حدث في حادثة Charlie Hebdo... لان الرسامين في هذه المجلة الساخرة لم يكونوا من قوى اليمين كما كان الحال في مع صحيفة Jyllandsposten في الدنمارك... رسامو Charlie Hebdo ... او على الاقل ثلاثة او أربعة الكبار منهم عمرا و الأكثر شهرة...كانوا من من بقايا جيل ثورة 1968 الطلابية التي سقطت في مشروعها لتغيير النظام الرأسمالي...

هؤلاء الرسامون كانوا من بقايا اكثر المجموعات انغماسا في الفكر الماركسي و بالأخص المؤمنون بالاناركيزمة Anarchism... لذلك كانوا يكافحون بفنهم الذي اشتهر في الثقافة الشعبية الأوروبية كنوع من فن التهريج .... نعم هؤلاء المهرجين كانوا يكافحون ضد السلطة باشكالها لكن بشكل اخص السلطة الدينية... و بالفعل كان هناك ضدهم اكثر من 20 عشرين دعوة قضائية من الكنيسة الكاثوليكية... و دعوات اخرى من جهات دينية و سياسية اخرى مختلفة....

هذه كانت ثقافتهم و رؤاهم و تأويلهم للدوافع وراء السخرية من السلطة الأبوية الدينية و السياسية... و لكن هل كانت تلك ثقافة "تقدمية" كما يسمونها.....ام انها ثقافة تعجيزية ازاء هيمنة الرأسمالية المتزايدة و التي تقضي مضاجعهم الفكرية و الإبداعية ... هل اضطروا ام تطوعوا في التعاون مع المؤسسات الرأسمالية في النشر و جمع الاموال...؟؟؟...

جميل ان يدافع الانسان عن الحرية حتى و ان كانت نوعا من الاناركيزم غير القابل للتطبيق... و لكن التساؤل هو... الم يشعر هؤلاء عبر هذه السنوات من العمل في صنع السخرية من اصحاب السلطة.... انهم كانوا يشرعنون للسلطة و آلياتها ... بل و كانوا تيصنعون صورة إنسانية للرأسمالي الجشع و اصحاب السلطة الذين يتبادلون الكراسي و يحتفظون بقوتهم و جبروتهم...؟؟؟...

هل فكر هؤلاء يوما ان يدافعوا عن الملايين من المهمشين في باريس و حولها و خارجها...؟؟؟... الم يفهموا ان الأرستقراطية التقليدية قد انتهت منذ عقود كثيرة و ان السياسيين يذهبون الى وزاراتهم و برلمانهم بالمواصلات العامة و على الدراجات الهوائية و يجلسون في نفس المقاهي التي تجلس فيها العامة من الناس ... بل ان الكثير منهم يشتركون في برامج تلفزيونية ساخرة دون ان يشعروا بالإحراج او الانتقاص من قدرهم ...؟؟؟...

الم يفهموا ان التفسير الديني ( عند الكثير من الكنائس المسيحية) قد اختلف و ان زواج المثليين Homosexuality اصبح مقبولا و تجرى مراسلها في كنائس.... كما ان رجال الدين قد تنازلوا عن الوقار التقليدي و الهيبة الاعلوية و أصبحوا مثلهم مثل السياسيين مجرد أفراد يؤدون وظائفهم...؟؟؟...

الم يفهموا بان الاسلام يمثل حبلا نفسيا يمسك به مئات الآلاف من الشباب المهمشين لأنهم لايجدون للحرية من سبيل سوى الخيال و الأساطير بعد ان عجزت الدولة في توفير فرص العمل لهم و عجز المجتمع منحهم شرف الانتماء لهوية الحرية و ال Liberté...؟؟؟...

الم يشعر هؤلاء المهرجون الطيبون انهم أصبحوا فعلا آلية منتجة و بقرة حلوب للرأسمالية الإعلامية...؟؟؟...الم يفكروا في تحديد الحدود بين الماركسية التي يدافعون عنها و بين الرأسمالية التي يحاربونها...؟؟... الم يفكرا ان ينتجدوا مشروعا اجتماعيا يجد فيه الجميع حريته ... ؟؟... هل عجزوا عن انتاج ثقافة تستطيع ان تحول الحرية الى تعايش انساني بدلا من تقوقع تعتمد المظاهر .... الم يفكرو في خلق الأسس للانتماء بناء على تغيير في القناعة الذاتية و التي تدخل في عمق المنظومة السيكولوجية للفرد ...بدلا من فرض التغيير عن طريق شيطنة قيم الآخرين و لو بطريقة ساخرة...؟؟؟..لماذا رسخوا في فكر المهمشين تلك الأساطير و الأساطين عن طريق الحث العكسي بدلا من يقودونهم الى تلمس المعنى القيمي و الاجتماعي للحرية...؟؟...

لكن هذا كله جانب من العجز الثقافي.... اما الجانب الاخر و المتداخل بقوة في صنع الواقع الاجتماعي اليومي من المشهد السريالي...يتعلق بأؤلئك المهمشون أنفسم المتعطشون للحرية مثلهم مثل رسامي Charlie Hebdo... هؤلاء ايضا عجزوا ان يحولوا قيم الحرية في تراثهم التاريخي الى واقع اجتماعي.... كما عجزوا عن يحولوا عجزهم الثقافي الى اشكالية حضارية تتعلق ببنية المجتمع المدني ..... هم ايضا تقوقعوا و هذا ما جعلهم وقودا في ماكينة القوى الرأسمالية لإعادة انتاج ذاتها... و لماذا لم يحاول هؤلاء ان يجدوا دورا اخر في المسرح الكبير غير دور القاتل... الغادر... الناكر للجميل...؟؟..

و لكن حتى نفهم موقف المهرجين ... لنا ان نتذكر ان الثورة الطلابية في أوروبا سنة 1968... التي بدأت في فرنسا قد غيرت الكثير من موازين القوى فالجميع اصبح يمتاز بالحرية بينما الاستغلال بقي على أشده لكن تحول بعيدا عن المجتمعات الأوروبية..... و الماركسيون أصبحوا جنودا اوفياء في البنية الجديدة للتنظيم الاجتماعي السياسي الاقتصادي في المجتمعات الأوروبية و علاقاتها الاستغلالية في العالم الثالث.... لنا ان نتذكر هنا ان تلك الثورة الطلابية تم تجميدها في أوروبا الغربية و انتقلت بسرعة الى المعسكر الاشتراكي و لم تمضي عشرون عاما الا و قد انهارت التجربة الاشتراكية بإيجابياتها و سلبياتها.... و الكثيرون من هؤلاء الذين أطاحوا بالحلم الاشتركي كانوا من الماركسيين و الاشتراكيين و العمال.... اهم نواة الثورة الاشتراكية...!!!

لقد اثبت التاريخ ان بعضا من أسوأ الدكتاتوريات كانوا الأكثر حرصا في التحدث عن العدالة... هل تعطينا هذه الحقيقة فكرة عن مدى تعصب بعض الإسلاميين في الاندفاع الأعمى عن مشروع تاريخي سقط بسبب موجات العنف و القتل و الدمار التي جرت و ما تزال تعصف بالمجتمعات المسلمة بأسم الله الذي يؤمن به الجميع..؟؟؟..

في خلفية المشهد الباريسي يطرح السؤال :... الان ماذا ستحمل التطورات في الأيام و الأسابيع المقبلة ..؟؟... لا نعرف ... لكن من المؤكد ان الشباب المسلم ....شأنهم في ذلك شأن الماركسيين... اصبحوا مجرد أدوات فعالة في ايدي المهيمنين على النظام العالم... و المعادلة تظهر هكذا... الكثير من قوى اليسار و خاصة الماركسيون الكلاسيكيون منهم يزدادون اكثر غباء و الليبراليون اكثر خنوعا... الاسلاميون اكثر وقودا للصراع الدموي و الهدم و الدمار.... المسلمون بصورة عامة اكثر عرضة للتهميش و الانعزال... اما الجماعات اليمينة في الغرب فإنها تزداد قوى و عنجهية و شراسة...مؤسسات الدولة يتقلص دورها و تتخبط امام الأزمة الاقتصادية و مشاكل الهجرة... فيما تزداد قوة الاعلام الذي يظهراكثر انحيازا و اقل احتراما لقوانين منع العنصرية....بحيث أصبحت الصيغة اللغوية المجحفة و الحاملة للعناصر العنصرية يتوسع استخداما في وسائل الاعلام و في لغة السياسيين و الاقتصاديين و الكثير من القائمين على مشاريع اجتماعية من المفرض ان تكون في صالح المجتمع بغض النظر عن تكويناته و اختلافاته الثقافية و السياسية و الاجتماعية...!!!..

اما في المشهد السريالي الباريسي فان فرنسا و القوى الغربية تبدو اقرب الى التوتر و التهيؤ لتحول كبير و عميق..... زعماء الكثير من الدول خرجوا .... يذرف بعضهم الدموع على المهرج الذي كل يمثل الحرية و الديمقراطية و المدنية... بينما كانت أيدي البعض منهم تمتد خارج المسرح الباريسي لتسرق الخبز من افواه الجياع و تنشر الرعب و القتل في هذا الركن او ذاك من العالم.... و اخرون جاءوا ليكفروا عن ذنوب ارتكبها اجدادهم و ما زالوا يحملون وزرها رغم انهم أصبحوا اكثر تهريجا من Charlie Hebdo... هنا ايضا يقف المسلم " كالشمشون المعتوه" يقتل المهرج الساخر... او يقتل عبثية الحياة في عالم لا يجد فيه مكانا..... بينما تقف اسرائيل " العقلانية" حاضرة في كل العمليات أينما جرت في العالم و تخرج دوما منتصرة بسبب التضحية ببعض اليهود و التفعيل الدائمي لذهنية الهولوكوست..

اما المثقفون فهم خافضي رؤوسهم من الخجل.... لا احد يستمع الى ارائهم و اذا تفوه احدهم بشيء فانه يتعرض الى السخرية.... بشكل مباشر و شخصي أقوى بكثير من رسومات Charlie Hebdo.... هذه هي طبيعة الكوميديا السوداء العبثية التي تحدد مسار الأحداث و الحياة.... و المسرح الباريسي لا يختلف عن الكثير من امثاله الذي يتكرر هنا و هناك... و المؤلف و المخرج هو القوة المهيمنة....

نعم...انها هي و هي ما زالت تلعب... و ما زالت مسرحياتها ناجحة جداً...لانها ببساطة جعلت الجمهور و النقاد و الحراس جزء من المسرحية.... مسرحياتها ناجحة لانها تجمع الأحاسيس و الاحقاد و الدموع و الدماء و الافراح و الأتراح و السعادة و الحزن و الإبداع و الانتكاس..... انها تجعل الواقع مجرد تمثيل و تحول الجد هزلا و تلف الحياة و الموت في منديل المهرج...و تبرع في جعل المشاهدين ممثلين على المسرح و هم مغتبطزن اغبياء .... و تختزل دور الممثلين الى لاعبين بؤساء.... انها آلهة العالم الجديدة القديمة... صانعة الحداثة و التاريخ...

حبي للجميع...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أفضل ما قرأت لغاية الآن
نضال الربضي ( 2015 / 1 / 14 - 07:46 )
مرحبا أستاذ أكرم،

لقد استحوذ مقالكم على انتباهي بشدة و قرأته بعمق و أعتقد أنه أفضل ما قرأت لغاية اللحظة في وصف شمولي لما حدث.

نعم يا سيدي الكريم إنه مشهد سريالي، و كوميديا سوداء تصل إلى حدود العبثية، و تهريج مخلوط بعقلانية تجتمع فيه كل الأطراف المتناقضة.

شكرا ً لك على هذا المقال الرائع!


2 - تحليل محايد ومبدع ومتزن
HAMID KIRKUKI/ SAYADI ( 2015 / 1 / 14 - 11:31 )
ياليت الرأسمالية العالمية لا تتكئ على -عكازة- الدين المنخورة لأن العصى هذه ستتكّسر وتدخل في جحورهم أعمق،، من چآرلي عبدو و 911 وإنّ مضآجعة شيوخ الپترول سوف تنتج أولاد حرام يحرقون العالم بالزفت والإسلام! والصياح والزعيق، إن المهمشين في المجتمعات الرأسمالية كثيرين 12 مليون مكسيكي في أمريكا يعملون كاالعبيد ولكن لا يقتلون الأمريكان أمّآ المسلمين مغررين و مغسولي العقول من قبل الشيوخ الپترولية الرجعية والذين لديهم كميات فضيعة من الدولار لا يعرفون كيف بذخها سوى شراء الشباب المحرومين وتحويلهم إلى قنابل متفجرة بأسم دين بشع جاهلي مقفّرِ.
وآني كلّش ممنون.

اخر الافلام

.. شهداء وجرحى إثر غارة إسرائيلية استهدفت منزلا في مخيم النصيرا


.. الشرطة الأمريكية تعتقل طلبة معتصمين في جامعة ولاية أريزونا ت




.. جيك سوليفان: هناك جهودا جديدة للمضي قدما في محادثات وقف إطلا


.. سرّ الأحذية البرونزية على قناة مالمو المائية | #مراسلو_سكاي




.. أزمة أوكرانيا.. صاروخ أتاكمس | #التاسعة