الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صلاة فوق أريكة خشبية على الرصيف

علي أحماد

2015 / 1 / 19
الادب والفن


غادرت "سوق الجمعة" / الملاح قديما، قلب المدينة النابض بتناقضاته الصارخة وفسيفسائه العجيبة . فراشة.. زحام.. ضجيج يصم الآذان.. كلمات متناثرة فاحشة ونابية تخدش الحياء و يمجها الذوق السليم .. سلوكات شاذة يستنكرها أهل العقل والنقل.. تدخل السلطات الوصية "مناسباتيا" وبعنف لإفراغه من الباعة في محاولة بائسة و يائسة لإعادة النظام الى المكان دون تخطيط محكم وحل دائمين ينصفان المتضررين وسرت مشيا على الأقدام - الى أن انتهيت الى "لا بروال" قرب الحديقة المجاورة لمقهى" املشيل"، وقبل أن أواصل الطريق الى البيت ، جلست أستريح على أريكة خشبية الى جوار شيخ عليه ثياب بيضاء زادته وقارا ورزانة ، وعكازه في متناول اليد. اعتدل في جلسته بعد برهة تمتم بكلمات موزونة ورفع يديه مكبرا ومتيمنا القبلة. غرق الجوار في الصمت فقد قلت الحركة إلا من مراهقين يؤثثون فضاء الحديقة غارقين في جلسة خليعة/ باذخة حول قنينة خمر وسجائر ملفوفة يتوارون في جنح الظلام عن أعين دورية الشرطة التي تمشط دروب وحواري المدينة ، ومن متمدرسين (إناثا وذكورا) يخرجون من مقرات جمعيات أو منازل خاصة أو مكترات تخصصت في "السوايع" / (الدروس الخصوصية ) التي تفرغ جيوب الاباء مكرهين من أجل تحسين مستوى أبنائهم لمسايرة أقرانهم أو طمعا في نقطة زائدة يمنحها لهم أساتذة العلوم واللغات الذين راكموا ثروات من عرق جبين غيرهم والغريب أن الكثيرين يرون في "السوايع" حلا لما أفسدته المدرسة العمومية وخاتما سحريا لتفوق أبنائهم ! أو من نساء تأخرن خارج الدار لقضاء مآرب ضرورية و مستعجلة ومن "مومسات" نذرن أجسادهن لعابر سبيل يدفع مقابل متعة عابرة....
عجبت لشيخ أدركته صلاة العشاء فوق أريكة خشبية على الرصيف وأقرانه يعمرون بيوت الله، وقلت لعله هرب من ضيق الجدران ليروح عن النفس كربتها .أنهى صلاته - دون حرج ولا تذبذب - وأخرج من جيب جلبابه سبحة بنية يداعب حباتها في سكون ودعة وطمأنينة ، لم أبادله الحديث، لأني أحترم فيه صمته وانشغاله بذكر الله وبه يطمئن قلبه.
لازال هدير محركات السيارات وأبواقها يكسر صمت الليل ويقلق راحة المارة وأضواء نافورة "الدوار" ومياهها المتناثرة تتلألأ في منظر ساحر لا يقاوم.. البعض يأخذ صورا بما تمنحه تكنولوجيا الصانع الأصفر من إمكانيات باهرة لتخليد اللحظات الشاعرية دون الحاجة الى مصور محترف بارت تجارته واستغنى الناس عن خدماته ليختفي من الساحات والميادين بعد أن بصم وجوده عدة أجيال ....من بين المارة تظهر طفلتان نزقتان جمالهما يخلب الألباب ، صاحت الكبيرة ( آه.. كنا سنعلن غيابك في مختفون ) وهي ترسم ضحكة جميلة شكلت ثقوب الجمال على وجنتيها المتوردتين وشعت عيونها الخضراء المتسعة عن بريق وهاج يشي بذكائها الحاد . بدأت تقفزان وترتميان في حضن الشيخ وهو يداعب خصلات شعرهن في حنو وحدب يلامس شغاف القلوب... نظرت الى الشيخ فبدت عليه قسمات التأثر وغمرته نشوة عارمة وانبسطت أسارير وجهه فرحا بحفيدتيه. تقدم أب الطفلتين بقامته المديدة ومنكبيه العريضين وانحنى في وقار وأدب جم على رأس الشيخ وطبع قبلة طاعة وإحسان. رفض الشيخ يدا امتدت اليه لتساعده على النهوض في كبرياء واعتداد بالنفس....قفزت صورة أبي وهو في أشد حالات ضعفه الإنساني يأبى المساعدة الى ذهني واغرورقت عيناي بالدموع وتسارعت دقات قلبي …. كم كنت بارا به، ولكنه خص أخي الأكبر ب"الرضا"!!
القوا علي تحية الوداع وغادروا المكان في طقس مهيب . تيقنت الساعة أن هذا الشيخ لن تطأ قدماه دار المسنين والعجزة وأن (الناس الكبار كنز في الدار )








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا


.. ياحلاوة شعرها تسلم عيون اللي خطب?? يا أبو اللبايش ياقصب من ف




.. الإسكندرانية ييجو هنا?? فرقة فلكلوريتا غنوا لعروسة البحر??