الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تدجين -قصة قصيرة

عبد الفتاح المطلبي

2015 / 1 / 29
الادب والفن


تَدْجيــــــــنٌ
قصة قصيرة
عبد الفتاح المطلبي


بينما كانت السماءُ تتنقلُ بينَ الزرقةِ والسوادِ والأرضُ تواصلُ إنشغالَها بدبيب ِالكائناتِ وكنا نحنُ نواصلُ بمعرفتِنا الكاذبةِ مزيداً من الجهلِ وكان من البديهي أنْ نظنَّ أنَّ لنا جلوداً مشعرةً بينما كانتِ الإحتمالاتُ تتراوحُ بين أن نرى في بعضِ الأحيانِ ذلك الشعرِ ريشاً أو يحصل أن تتعرف لوامسُنا على الصوفِ في ذلك الشعرِ متواطئين مع قرابتنا مع ذوي الريش والصوف بقبولٍ صريح أحيانا ومُتفلسف في الغالب وهذا ما يخص ملمسَنا وما ينبتُ على جلودِنا أما ما يخصُّ أصواتَنا فهي تتراوحُ بين أقصى أسفلِ سلم الترددات و أعلاها نبرةً ففي أحيانٍ كثيرةٍ سُمع بيننا خوارٌ عالٍ بين فترةٍ وأخرى و في أحيانٍ أخرى هسيسٌ ودمدمةٌ وقرطٌ ٌ بالكاد تميزه الأذنُ وبعضُ نسيسٍ وصفيرٍ واهنٍ مُنكرين أن تكون لنا مثل هذه الأصوات حتى لو تكررتْ وتكررَ إنصاتنا المُتقصّي لها لكننا كنا جميعا قد اعتدنا على القوقأةِ، القوقأةُ التي نُجيدها قراءةً وكتابةً وكلاما بدا كأن مخارجه قد استحوذ عليها حرفُ القاف اللعين عندما أطلّ من رأس القوة الغاشمة ،كثيرٌ منا حاولَ أن يُعَدّلَ من مخارجِ صوتِهِ لكنّ تلكَ المُحاولاتِ لم تُفضِ إلا إلى قوقأةٍ شاذّة لا هيَ كما اعتدنا ولا هيَ قد غادرت نبرَها الممتلئ بقوةِ القافِ ذي التردد الرتيب ،قق قا ق قيق قووووق هكذا ليس أكثر فما الفرقُ بين ذلكَ وأي خطابٍ لا يترك أثراً ولا يؤثّرُ في تركةٍ وهكذا تراكم القولُ على القولِ كلما مضى الزمن حد ابتلاع اللام ومن بعدهِ اللسان كله لتصبح قو قو قوقأةً لا غير؟...
المعضلةُ بدأت عندما انشغلنا بما لدينا وتوهمنا أنه هو ما نريد نحنُ الذين ابتلعنا اللسان و انحشرنا في دائرة القاف و أنكرنا تماما أن يوجدَ غيرُه ، تلك الأشياء الشائعةِ التافهة المألوفة حدّ القرف، بصيص ضوء ، عتمة ، غذاء ، شراب ،ما يرشح من قذارة تحتنا ذلك العالم الموجود حولنا والذي لا يستطيع نظرُنا المتخالف على جانبي رؤوسنا المنضغطةِ مثل قطعة نقد معدنية بين إبهامٍ وسبابة ان يرى غيرَه ولم نحسبْ يوما أننا قاصرون عن رؤيةِ ما هو أبعدَ مما نستطيع ومن العجيب أننا اعتقدنا دائما إن ما لا نراه غيرُ موجودٍ مع إنه يُحتملُ وجودُهُ وإن السببَ لا يتعلقُ به بل بنا وبقدرتنا البائسة والمحدودة على الرؤيةِ ، لا أستطيع أن أكتم دهشتي من اللحظةِ التي خلالها أقول كل تلك الأشياء لرفيقي الذي اعتدتُ أن ألتقيه كلما التقطنا أنفاسنا من سعينا المبتذل في هذه الحياة وانتبهنا إلى أننا نواصل التقاط ما يُلقى إلينا وكأننا في سباقٍ ،مفترضا أنها شطحة من الشطحات التي تنتاب أي مخلوق في أي وقت وعليه وجبَ أن تعرف عزيزي أن كل التصورات والشطحات لا تعني شيئا حين لا نلتمسها في مسالك الحياة ومُعاناتها ومن الطبيعي أن نغادر تلك اللحظات ساعة نرجع إلى أحوالنا التي نحنُ عليها راضين بكل شيء مقتنعين بما أنتجنا من قوقأة على إنها كلامٌ فاشٍ بيننا منذ أمد بعيد، نتخفى تحت قصور رؤيتنا نبذل على مدار الزمن جهودا حثيثة في إخفاء ما ينبت على أذرعنا من زغبٍ سيصيرُ ريشاً في ما بعد بينما لازالت الديكةُ الحرةُ تصفق أجنحتها باعتدادٍ مذكرةً نفسها أنها من الطيور لكنها لا تطير.بسبب عاداتِ الأكل السيئةِ لا غير..
نحنُ كما أعلم نمارسُ الحياة مثلما يرادُ لنا أو كما درجنا عليها ، نمشي ونرى بعضنا نختلط لا نزعج أنفسنا بقيادة الأحداث ولا نهمُّ بما يجب أن نحصلَ عليه فهناك من يتكفل ذلكَ بطريقةٍ غامضةٍ لا جدوى من تقصيها وحتى حين نفكر بالسماء التي لا نراها إلا لُماماً بسبب جدراننا التي تفتقرُ إلى نوافذ فإننا لانعرف عنها إلا نأيها عنا وكل ما يندّ عنا بخصوص ذلك قوقأةٌ لا غير وبما إننا لا نستطيع كسر ما بدواخلنا فقد تعوّدنا على المعاش تحت بصيصِ ضوءٍ مصنوع والنوم إذا حلّت العتمة لتسكنُ معها كل الحياة وتنقطع تلك الأصوات التي نصدرها المتراوحة بين قافٍ وقافٍ وحسيس الأجنحة التي نسيناها تماماً ،المنصت في تلك الحال ربما يتناهى له صوت هسيس وحفيف واهن يصدر من شركاء أضأل من أن نراهم ولكننا تسالمنا على تقبل الأمر،قال رفيقي: أترى الذي هناك فوقنا ؟ ، تلك الأمكنة العالية!( وكان يشير برأسه المنتهي بما يشبه المنقار) كم حاولنا الطيران لبلوغها ولكن وسائلنا قصرت عن أن تبلغ المكان ، فكنا ردا على حقيقة عجزنا نتكهنُ ونؤوِلُ ولا زلنا كذلك ولم نتوصل إلى أي حقيقة وكان علينا أن نعي دائما أن الليل والنهار في هذا العالم وسيلتان لكبح جماح الرتابة والحِفاظ على الأمور كما هيَ ننام إذا حلت الظلمة ونتيقظ إذا انفجر الضوء من فوقنا بضغطةِ زر وبذلك فمن يملك تلك الأزرار يتحكم بالظلمة و يتحكم بالتالي بنومنا ويقظتنا ، ولهذا الحد رفع ما يشبه الجناح إلى ما يشبه الفم ولكنه أقرب إلى المنقار ومسح ما التصق به من لعاب تراكم في زوايا شبه الفم لكثرة الكلام الذي قاله بقوقأةٍ فصيحةٍ ، فضحكت وقلت بالطريقةِ ذاتها :
- أنت تشبه داجن ياصديقي فرد علي:
- ماذا تعني بكلامك هذا ؟، هل تحسست ما أنت عليه ، هذا شبيه الريش الذي يكسو جلدك وفوق رأسك شبيه العرف !
الغريب في الأمر إنني تنبهت إلى أننا متشابهان وإنه مُحِقٌ تماماً فهو يراني كما أراه لكنه ظل يظن باختلافه عني كما واصلت ظني باختلافي عنه ليسَ لشيء إلا للتنافسِ على ما يُلقى إلينا وبينما كنت أبحث عن حقيقتي التي تركتها تتلبسني قبل نومتي الأخيرة التي أذكر قبلها أنني حلقت الشعر النابت في وجهي و مسحت على صفحتي وجهي بماء الكولونيا الرخيص ذي الرائحة التي تضاهي رائحة مسحوق الغسيل ولم أعتنِ كثيرا بملمس باقي أجزائي لحظة أخذني النوم فنمت لأجدني هنا وأنا أتحاور معه ويُعجزني عن الرد على كلامه المتصل والمنطقي حول الحياة ، الموت، الليل، النهار، ولم تكن رؤيتي لما هو عليه ، الريش و العرف على رأسه لتسمح لي في حينها أن أرى ريشي و عرفي الذي فوق رأسي مع أنني واصلت الإعتقاد بأن ما أنا فيه مجرد حلم لكن سماعنا لجلبة متوسطة وأصوات خطو لأقدام ثقيلة وزمجرات محركات تهدر و انطفاء الأضاءةِ بغتةً وحلول ليل حالك أدى بنا إلى الإنزياح نحو قلقٍ عظيم لننكمش ساكنين أنا وصاحبي الذي أحادثة بلغة بدت تحت تأثير هذه الظروف الجديدة مثل قوقأة متصلة ومن ثمة سكوتنا وسكوت الجميع، جميع من كان حولنا في قاعتنا الفسيحة وامتداد أكف ثقيلة لتقبض علينا كما يقبض على الداجن عادةً من منابت الأجنحةِ بين الإبهام والأصابع الأربعة ثم نودع في قفصٍ ضيّق لا يفتح إلا لنخرج إلى مصائرنا المتنوعة في تلك اللحظة الفريدة صدرت من صاحبي قوقأة عالية النبرمثلما يفعل ديكٌ مُستثار تبعتها قوقئات كثيرة استيقظت على إثرها من النوم ممسكا بآخر قوقأةٍ تعبرُ حلقومي وكان الفجر قد أرسل خيوطه الأولى على نول الحياة ليحوك نهارا جديدا ، تحسستُ ساعديَّ فكانت مثل جناحٍ مهلوس الريش توا وإنني ربما سأكون وجبةً لأكيلٍ نهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع