الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
تاريخ الجزية : وصمة عار على كل الغزاة
طلعت رضوان
2015 / 2 / 4العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تاريخ الجزية : وصمة عار على كل الغزاة
طلعت رضوان
تاريخ (الجزية) تاريخ قديم ، قِدم الاستعمار وغزو الشعوب واحتلال أراضيهم لنهب ثرواتهم، وفى العصور القديمة والوسيطة أخذتْ (الجزية) عدة مُسميات ، ولكن تلك المُسميات كانت تعنى شيئـًا واحدًا ، هو اجبار الشعب الذى أحتلتْ أرضه أنْ يدفع للغزاة نسبة معينة على كل (رأس) من رؤوس البشر، وهو ما فعله كل الغزاة الذين احتلوا مصر، وفى عهد الاحتلال الرومانى كان المُسمى (ضريبة الرؤوس) وفى عهد الاحتلال العربى كان المُسمى (جزية) وعندما دخل الغازى عمر بن العاص مصر، كان أول سؤال سأله ل (المقوقس) عن مقدار ما يأخذونه على كل رأس من المصريين، وخيّره بين ثلاثة أمور: الإسلام أو الجزية أو القتال.
ورغم ما هو معروف ومذكور فى كل كتب التراث العربى / الإسلامى عن (الجزية) التى فرضها العرب على شعبنا (وعلى كل الشعوب التى غزوها واحتلوا أراضيها) فإنّ أصحاب تيار(تجديد الخطاب الدينى) يحاولون (تجميل الصورة) ويرون أنّ البعض فهم معنى الجزية فهمًا خاطئـًا أدى إلى تبرير ما يحدث فى بعض الأحيان من اعتداء على البعض من (أهل الكتاب) والذين هم من نفس البلد والوطن. وترجمة هذا الكلام أنّ المصريين المسيحيين ينطبق عليهم حق (المواطنة) الذى نظمته المواثيق الدولية. فإذا كان الأمر كذلك فلماذا تكرار الحديث عن الجزية ؟ الهدف هو نفى أنّ الإسلام انتشر بالقوة وبحد السيف . وينتهى هؤلاء إلى أنّ أهل الكتاب لم يتعرّضوا للأذى حتى فى أشد عصور الدولة الإسلامية تطرفـًا. بينما يرى أ. حسن كامل الملطاوى أنّ الجزية تؤخذ من المفروضة عليهم مع إشعارهم بالذلة والصِغار (المجلس الأعلى للشئون الإسلامية عام 72 ص 334) وهذا يدل على أنّ تفسير آية الجزية موضع خلاف بين الفقهاء. وكتب أ. خليل عبدالكريم ((منذ قديم أثار تفسير هذه الآية الكثير من الجدل بين المفسرين والفقهاء واختلفوا فيما بينهم . كما اختلفوا فى تفسير معنى الصِغار الوارد فى الآية فبعضهم قال إنها تؤخذ بالعنف)) (المشكلة الطائفية فى مصر- مركز البحوث العربية عام 88 ص 81) أما أ. أحمد أمين فقد نقل ما كتبه ابن الأثير من أنّ الدخول فى الإسلام كان بهدف الفرار من الجزية لما ((يشعر به من المهانة. فالإسلام هو دين الحكام . أضف إلى ذلك أنّ بعض الولاة لم يكن يرعى تعاليم الدين وتسامحه فى الذميين . فكان يسومهم سوء العذاب فاضطروا أنْ يفروا من دينهم إلى الإسلام)) (فجر الإسلام ص 142) وكتبتْ د. سيدة إسماعيل كاشف ((كان العرب فى مصر وغيرها من البلاد التى فتحوها يُخيّرون أهالى البلاد المفتوحة بين ثلاثة أمور: الإسلام أو الجزية أو الحرب. كذلك لم يكن للإسلام مبشرون يقومون بالدعوة لهذا الدين كما فى الديانة المسيحية)) وذكرتْ أنّ حيان بن سريح كتب إلى عمربن عبدالعزيز ((أنّ الإسلام قد أضر بالجزية)) (مصر فى عصر الولاة - تاريخ المصريين رقم 14 ص111 ،132) أى أنّ العرب عندما غزوا مصر لم يتــّبعوا أسلوب التبشير، وإنما أسلوب فرض الأمر الواقع . ويؤكد ذلك ما ذكرته د. ناريمان عبدالكريم من أنّ الرسول قال لأحد قواده ((إنْ أنت حاصرت أهل حصن أو مدينة فأرادوك أنْ تستنزلهم على حكم الله فلا تستنزلهم على حكم الله ولكن أنزلهم على حكمك فإنك لا تدرى أتصيب فيهم حكم الله أم لا. وستجدون رجالا فى الصوامع معتزلين الناس فلا تتعرضوا لهم وستجدون آخرين على رؤوسهم مفاحص فاقلعوها بالسيوف)) وكتب إلى أساقفة نجران ((إنى أدعوكم إلى عبادة الله. فإنْ أبيتم فالجزية فإنْ أبيتم آذنتكم بحرب والسلام)) وترى د. ناريمان أنّ أهل الكتاب ((كفروا بكتاب الله تعالى وهو القرآن ورسوله محمد)) وتنتهى إلى ضرورة فرض الجزية عليهم (معاملة غير المسلمين فى الدولة الإسلامية – مكتبة الأسرة عام 97 من ص26- 47)
كان هدف العرب إذن منع مواطنى كل دولة يغزونها من الدفاع عن أنفسهم ، أى منعهم من حمل السلاح الذى ربما يكون ضد المحتل . وتزاوج هذا الهدف مع الهدف الأول ، أى الحصول على ثروات البلاد المغزوة من خلال آليتين : الجزية والخراج . وفى مقارنة بين الإحتلاليْن الرومانى والعربى لمصر كتبت د. زبيدة عطا ((إنّ وضع الفلاح تحت الحكم البيزنطى لم يكن بالوضع المميز. ولكنه لم يكن أسوأ فترات تاريخه. إذْ ليس بأسوأ من سابقه أو لاحقه)) (الفلاح المصرى بين العصر القبطى والعصر الإسلامى – تاريخ المصريين رقم 48 ص 10) وعندما حاور عمرو بن العاص عمر بن الخطاب ليقنعه بغزو مصر، لم يتطرّق فى حديثه إلى نشر الإسلام إنما قال ((يا أمير المؤمنين . إئذن لى أنْ أسير إلى مصر. هى أكثر الأرض أموالا. وأعجزها عن القتال والحرب)) (ابن عبدالحكم : فتوح مصر وأخبارها - مؤسسة دار التعاون- عام 1974- ص47) وكيف يكون الفتح / الغزو (سلمًا) وقد وصل عدد جيش عمرو فى غزوه لمصر أكثر من 16 ألف مقاتل عربى ؟ وكيف يكون الهدف نشر الإسلام مع إجبار كل مصرى أنْ يستضيف عددًا من العرب لمدة ثلاثة أيام وسط زوجته وأولاده ؟ وعن غزو الاسكندرية فإنها ((فـُتحتْ عنوة بغيرعهد ولا عقد ولم يكن لهم صلح ولا ذمة)) كما أنّ عمرو بن العاص ((سبى أهل بلهيب وسلطيس وقرطسا وسخا فتفرقوا وكتب عمر بن الخطاب إلى عمرو بردهم فردّ من وجد منهم)) وما معنى عبارة عمرو التى لا علاقة لها بنشر الإسلام ((من كتمنى كنزًا عنده فقدرت عليه قتلته)) ؟ وذكر ابن أبى رقية ((أنّ القبط أخرجوا كنوزهم شفقــًا أنْ يبغى على أحد منهم فيقتل كما قتل بطرس)) وما علاقة نشر الإسلام بالجباية التى وصلت إلى درجة أنْ تكون (جزية موتى القبط على أحيائهم)) وأنّ القبط ((بمنزلة العبيد)) ؟ وما علاقة نشر الإسلام بأسلوب أداء الجزية حيث التعليمات ((أنْ يختم فى رقاب أهل الذمة بالرصاص ويُـظهروا مناطقهم ويجزوا نواصيهم ويركبوا على الأكف عرضًا ولا يدعوهم يتشبّهون بالمسلمين فى لبوسهم)) وهل كان للجزية مقدار ثابت ؟ روى هشام ابن أبى رقية أنّ قسيسًا طلب من عمرو بن العاص أنْ يخبره مقدار ما عليه من الجزية. فقال عمرو وهو يشير إلى ركن الكنيسة ((لو أعطيتنى من الأرض إلى السقف ما أخبرتك ما عليك إنما أنتم خزانة لنا.. إلخ)) كما أنّ الجزية جزيتان : جزية على رؤوس الرجال. وجزية جملة على أهل القرية. ومن هلك ممن جزيته على رؤوس الرجال ولم يدع وارثــًا فإنّ أرضه للمسلمين)) (أى للعرب) وعن عبد الملك بن مسلمة ((أنّ رجلا أسلم على عهد عمر بن الخطاب فقال : ضعوا الجزية عن أرضى . فقال عمر: لا. إنّ أرضك فــُـتحتْ عنوة)) وكانت الجزية فى وقائع عديدة تؤخذ من الذين دخلوا فى الإسلام . لذلك كتب عبد الملك بن مروان إلى عبد العزيز بن مروان أنْ ((يضع الجزية على من أسلم من أهل الذمة. فكلّمه ابن حجيرة فى ذلك فقال : أعيذك بالله أيها الأمير أنْ تكون أول من سنّ ذلك بمصر. فوالله إنّ أهل الذمة ليتحملون جزية من ترهّب فكيف تضعها على من أسلم منهم . فتركهم عند ذلك)) وعندما تمّ عزل عمرو بن العاص عن الجباية قال له عثمان ((يا أبا عبد الله درّت اللقحة بأكثر من درها الأول. فقال عمرو: أضررتم بولدها)) وهل كانت الجزية هى الأداة الوحيدة ؟ لنستمع إلى كلمات عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص فى عام المجاعة : إلى العاص بن العاص . فإنك لعمرى لا تبالى إذا سمنتَ أنت ومن معك أنْ أعجف أنا ومن قبلى . فياغوثاه ياغوثاه . فكتب إليه عمرو بأنه سيرسل له قافلة من العير أولها عندك وآخرها عندى . ووعده بقافلة أخرى عن طريق البحر. ثم شعر بالندم فقال (( إنْ أمكنتُ عمر من هذا خرب مصر)) ورغم هذا الندم من عمرو فإنه عندما عُزل عن الجباية قال ((أنا إذن كماسك البقرة من قرنيها وآخر يحلبها)) كما أنه كتب إلى ولاته فى غزوة برقة أنْ يشترط عليهم ((عليكم أنْ تبيعوا أبناءكم وبناتكم فيما عليكم من الجزية)) (ابن عبد الحكم – مصدر سابق من ص 47 – 121) وكتب د. عبد الله خورشيد البرى ((أنه أتبع فى توزيع دور الاسكندرية التى كان الجنود العرب يحتلونها بطريقة الابتدار. أى أنّ ((من ركز رمحه فى دار فهى له ولبنى أبيه)) (القبائل العربيبة فى مصر- دار الكاتب العربى عام 67 ص 230)
إذا كان أصحاب تيار تجديد الخطاب الدينى ينتهجون نهجًا مثاليًا ، فكيف يكون الرد على الأصوليين الذين يرون ضرورة فرض الجزية على المسيحيين مع حرمانهم من الخدمة العسكرية أمثال أ. مصطفى مشهور مرشد الإخوان الراحل ؟ (أهرام ويكلى 3-9 إبريل 97) ولماذا تكون الكتابة عن الجزية ولا تكون عن الأساس العصرى للدولة الحديثة؟ الأساس الذى يُعلى من حق المواطنة. وأنّ هذا الحق لن يتحقق إلاّ فى ظل (علمنة الدولة) التى تتأسس على فصل المؤسسات الدينية عن المؤسسات السياسية. لو تحقق هذا لن نجد من يكتب ((الإسلام لا يمنع التعامل مع غير المسلمين. ولكن يمنع المودة القلبية والموالاة. لأنّ المودة القلبية لا تكون إلاّ بين المسلم والمسلم )) (جريدة اللواء الإسلامى – العدد 153) لم يكتب هذا الكلام شكرى مصطفى أو عبود الزمر من مدرسة أعداء الحياة وأعداء الحداثة ، إنما كتبه الأستاذ الدكتور أحمد عمر هاشم. فهل نلوم الذين يقومون بتنفيذ أوامر القتل ويتربون على كراهية المختلف معهم دينيًا ، أم أنّ سبب المشكلة فى الأساتذة والدكاترة الذين يروجون للتعصب ولا يعترفون بأبسط حقوق الإنسان : حق المواطنة ؟ ومع مراعاة أنّ هذا الحق لن يكون له أى وجود ملموس إلاّ فى ظل تطبيق مبادىء العالمانية ، وهى المبادىء التى يُعاديها كل الأصوليين ، وترفضها كل سلطات البطش .
***
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي