الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحركة الفلسطينية الأسيرة ما بين الأفلاطونية والواقعية

فادي قدري أبوبكر

2015 / 2 / 8
أوراق كتبت في وعن السجن


الحركة الفلسطينية الأسيرة ما بين الأفلاطونية والواقعية


لم تأخذ الحركة الوطنية الأسيرة هذه الصفة من فراغ ، بل أن تجربة الأسرى تستحق أن تسطر وتؤرخ بصفتها حركة وطنية ، لما قام به الأسرى من صمود في وجه السجان ونضالات طويلة ، جعلت من المعتقلات الصهيونية قلاعاً للمناضلين ، أقاموا عليها حكم شبه ذاتي ، وذلك باعتراف العدو الصهيوني.

لقد امتازت بدايات الحركة الفلسطينية الأسيرة بالثورية، و كان لتمرد الأسرى على كلمة "نعم سيدي" ، ورفضهم للباس المهين وغيرها ، بداية مهمة على الرغم من بساطتها إلا أنها تحمل في طياتها انتصاراً معنوياً للأسرى وإنجازاً مركزياً . كما استحق الأسرى أن يوسموا بالمثالية لما كانوا يحملونه من قيم أفلاطونية .

أحتلت الحركة الوطنية الأسيرة وبجدارة مكانة طليعية في صفوف الحركة الوطنية الفلسطينية ، وساهمت الحركة الأسيرة في تخريج مناضلين من قلاع الأسر ، قاموا بنقل تجربتهم الوطنية إلى الجامعات والمعاهد الفلسطينية ، الأمر الذي أثرى الحركة الطلابية وجعلها ترتقي لتمثل نموذجاً مميزاً في الحركة الوطنية الفلسطينية ككل.

مع تطور ونضوج الوعي الوطني الفلسطيني ، أصبح هناك تكاملاً ما بين كل من الحركة الأسيرة، الحركة الطلابية والحركة النقابية ، والانتفاضة الأولى عام 1987م خير مثيل على هذا التكامل ، كما أن تفاعلاً جماهيراً صاحب سطوع نجم الحركة الأسيرة ، الأمر الذي جعل الحركة الوطنية الأسيرة تستمد قوتها المعنوية من الشارع الفلسطيني ، لتستكمل نضالاتها في وجه السجان الصهيوني.

أما العدو الصهيوني ، قد استمر في محاولاته الرامية إلى تمزيق الحركة الوطنية الأسيرة وإجهاضها، فأقامت ادارة سجون الاحتلال سجن نفحا عام 1980م ، وقامت بعزل عدد من الكوادر القيادية في هذا السجن الصحراوي . إلا أن السحر انقلب على الساحر ، واستمرت الحركة الوطنية الأسيرة وتمخضت عنها كوادر تلو الكوادر وقيادات تلو القيادات . حتى أصبح للحركة الأسيرة وزنها الذي لا يستهان به ، وأصبحت ادارة السجون تحسب ألف حساب قبل أي خطوة تقدم عليها تجاه الأسرى.

أما قلعة بئر السبع فكانت تضم كوادر وقيادات مميزين لهم تجربتهم الوطنية الطويلة التي استزاد منها العديد من الأسرى . كما كانت قلعة بئر السبع تعيش جواً تنظيمياً مثالياً ، وهذا الأمر أجمع عليه العديد من الأسرى ، فالأسير المحرر قدري أبوبكر والذي عايش تلك الفترة الذهبية أكد في مقابلة تلفزيونية أن الوضع في قلعة بئر السبع كان مثالياً لدرجة أن عضو الكنيست آنذاك "دي ايلا كوهين" قالت " إن سجن بئر السبع هو كالدولة المستقلة داخل أسوار ". هذا إن دل فإنه يدل على مدى صلابة الحركة الوطنية الأسيرة ، وتعاظم قوتها في فترة قياسية على شاكلة الثورة الفلسطينية المعاصرة التي تعاظمت قوتها في فترة قياسية أيضاً مقارنة مع ثورات العالم .

أما بخصوص مسألة الأسرى ما بعد أوسلو ، وخصوصاً العشر سنوات الأخيرة ، فإن تفكك وترهل البنى التنظيمية داخل السجون لهو انعكاس لصورة الوضع في الواقع الفلسطيني ، أي أن مجتمع الأسرى الفلسطينيين والمجتمع الخارجي الفلسطيني تربط بينهما علاقة تأثير وتأثر . فالقيم الأفلاطونية التي كانت منتشرة بين أبطال الصمود وأبطال الكرامة في قلاع الأسر ضمرت بعد أوسلو تحديداً ، أوسلو الذي خلط الأوراق والمفاهيم ، وأصبحت الحركة الوطنية الفلسطينية الأسيرة كما وصفها السيد ناصر دمج في إحدى مقالاته " ما بين صعود الفردي و ضمور الجماعي" ، وهذا هو الواقع في التركيبة الفلسطينية السياسية والثقافية التي ألقت بظلالها على واقع الأسرى داخل المعتقلات الصهيونية.

وعليه فإن الحركة الوطنية الأسيرة لن تضيف شيئاً في المستقبل دون وجود إضافة من الحركة الوطنية الفلسطينية في الخارج ، فالالتزام بالواقعية وحدها هو خضوع للأمر الواقع ، والالتزام بالمثالية وحدها من جانب آخر هو مجرد تفكير حالم . لذا فإن أي إضافة مستقبلية لا يمكن توقعها من الحركة الفلسطينية الوطنية ككل دون التوفيق ما بين المسار المثالي والواقعي كاستراتيجية مواجهة ضد العدو الصهيوني.



فادي أبوبكر

[email protected]









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرات واعتقالات في الولايات المتحدة الأمريكية.. حراك جامعي


.. الأمم المتحدة: هناك جماعات معرضة لخطر المجاعة في كل أنحاء ال




.. طلاب معهد الدراسات السياسية المرموق في باريس يتظاهرون دعمًا


.. الأمم المتحدة: الهجوم على الفاشر بالسودان سيكون له عواقب وخي




.. مصر تعرض على إسرائيل عدة أفكار جديدة كقاعدة للتفاوض حول الأس