الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التراث العراقي .. وهمجية عبدة الشيطان

هويدا احمد الملاخ

2015 / 2 / 28
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


عند دخول هولاكو بغداد في صفر 655 هـ ، 10 فبراير 1258 م ، فإنه ارتكب أكبر مجزرة عرفها التاريخ، حيث وقعت فيها المجازر والنهب والاغتصاب والدمار ، وارتفع عدد القتلى حتى وصل الى حوالي مليون مسلم من النساء والأطفال والشيوخ والبالغين ، الى درجة انه صبغ نهر دجلة باللون الأحمر، كما دمروا المستشفيات مما أدى إلى موت المرضى قهرا وظلما ، فضلا عن ذلك قام المغول بتخريب قنوات الري وإفساد الاراضى الزراعية ،و قتل الماهرون في الصناعات ، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل دمروا مكتبة بغداد التي تضم الآلاف من المخطوطات في الفلك والطب والتاريخ .
و يقول ابن كثير في تاريخه "ثم ركزوا على تخريب القصور وإتلاف الكتب التي كانت تعبر عن حضارة الأمة وثقافتها، حيث كانت بغداد آنذاك عاصمة الخلافة ومهد الحضارة ومدينة النور، وقد وصل حقد التتار إلى حد أنهم ملأوا نهر دجلة بالمخطوطات، ليجعلوا منها جسراً لعبور خيلهم إلى الضفة الأخرى من النهر، حتى أن مياه النهر تحولت إلى اللون الأسود بعد ما صبغها المداد الذي صيغت به المخطوطات."
واستمروا على هذا الحال أربعين يوماً وهذا ما جعل المؤرخ ابن الأثير صاحب كتاب "الكامل في التاريخ" يقول: لقد بقيت عدة سنين معرضاً عن ذكر هذه الحادثة استعظاماً لها، كارهاً لذكرها، فكنت أقدم رِجْلاً وأؤخر أخرى، فمن الذي يسهل عليه أن يكتب نعي الإسلام والمسلمين؟ ومن الذي يهون عليه ذكر ذلك؟ فياليت أمي لم تلدني، وياليتني متُّ قبل هذا وكنت نسياً منسياً" .
لكن من المفارقات العجيبة ان يحدثنا التاريخ الإنساني أن المغلوب عادة ما يتبع الغالب، وهذا ما اتفق عليه أيضا علماء النفس والفلاسفة والأحداث التاريخية التي تثبت صحة تلك النظرية وهى موجودة وموثقة بأحداث . وقد تطرق إلى ذلك الفيلسوف العربي ابن خلدون الذي قال إن المغلوب يحاول دائما التشبه بالغالب في المأكل والملبس والدين.
إلا أن ما حدث بعد غزو المغول بغداد كان خارجا عن القاعدة، حيث لم يمض وقت طويل حتى دخل المغول في دين الله أفواجا. وبعد أقل من نصف قرن على غزو بغداد، وانتشر الإسلام النصف الغربي من الإمبراطورية المغولية التي تصنف تاريخيا على أنها ثاني أكبر إمبراطورية في التاريخ بعد الإمبراطورية البريطانية.
وقد حرص ملوك المغول على تشجيع رعيتهم للدخول في الإسلام ومن اشتهر بذلك السلطان محمود غازان الذي ينحدر من سلالة تنتمي إلى مؤسس إمبراطورية المغول جنكيز خان، وحكم إيران لثلاثين عاما في القرن السابع الهجري، وجعل الإسلام دين الدولة الرسمي وقطع صلاته ببلاط المغول في مركز الدولة المغولية شمالي الصين، التي كانت تدين بالبوذية في الغالب… فهل سعيد التاريخ نفسه ؟ !
ما أشبه الليلة بالبارحة ! ان ما حدث على يد هولاكو قبل عدة قرون فى بغداد يتكرر اليوم بثوب جديد فى صورة داعش "عبدة الشيطان " ، فقد استُباحت تلك الجماعة النهب والتدمير لمتاحف العراق العريقة ، ودُمرت متاحف بغداد والموصل وكركوك والبصرة وجامعاتها ومكتباتها وحضارة خمسة آلاف عام،وهذا ليس الاعتداء الأول الذي يتعرض له الإرث العراقي بعد أن شهدت الآثار العراقية أوسع عملية نهب وتدمير وسرقة في عام 2003 م عقب الغزو الأميركي على العراق. لكن ما لا شكً فيه أن تحطيم آثار متحف الموصل اليوم يغذّي مرة جديدة الطائفية والنزاع في البلاد ، والتى يتم تدميرها بطرق منظمة ومرتبة منذ الغزو الامريكى للعراق 2003 م والى يومنا هذا تدمير وسرقة الموروث الثقافي والحضاري للعراق .
إن هدف أعداء الإنسانية اولا ...وأعداء الإسلام والعروبة ثانيا ..منذ القدم السعي لمحو الحضارات العريقة فى المنطقة وهاهم يدمرون حضارات العراق البابلية والاشورية والسومرية ، وكذلك الكثير من المواقع التاريخية الإسلامية ، بعد ان سرقوا منها ما يريدون منذ حرب الخليج الثانية وقد دمروا مكتبة الموصل ومتحفها العريق بما يحويه من كنوز ومخطوطات تاريخية لا تقدر بثمن ، ونفس الأحداث تتكرر فى سوريا يوميا ، ومن الجدير بالذكر حرق المجمع العلمي فى مصر بما يحويه من كنوز المخطوطات على ايدى عملائهم .

ان عدد المواقع الأثرية في العراق أكثر من 12 ألف موقع تضم آثاراً تعود إلى حقب زمنية مختلفة، لكن هذه المواقع لا تجد الحماية الكافية ، الأمر الذي جعل العديد من هذه الأماكن عرضة للسرقة والتدمير المنظم حتى يومنا هذا.
لقد ادانت دار الإفتاء المصرية، الجمعة، تدمير عناصر من "تنظيم الدولة" الآثار والتماثيل الأشورية بمتحف الموصل في العراق، وأكدت أن الآراء الشاذة التي اعتمد عليها التنظيم في هدم الآثار واهية ومضللة ولا تستند إلى أدلة شرعية. ، كما وأكدت دار الإفتاء في بيان لها أن هذه الآثار كانت موجودة في جميع البلدان التي فتحها المسلمون، ولم يأمر الصحابة بهدمها أو حتى سمحوا بالاقتراب منها. واستشهدت دار الإفتاء بآيات قرآنية وأحاديث نبوية تنهى عن هدم التراث الإنساني، مطالبة جميع الدول والمنظمات المعنية باتخاذ كافة التدابير اللازمة لوقف أي اعتداء أو تدمير يطال التراث الثقافي أيا كان انتماؤه أو موقعه. وأكدت على ضرورة الالتزام والمحافظة على التراث الثقافي طبقا للمبادئ والسياسات المقررة بالمواثيق والمعاهدات الدولية والإسلامية.
كما طلبت منظمة اليونيسكو عقد اجتماع طارئ لمجلس الامن الدولي إثر نشر تنظيم الدولة الإسلامية تسجيلا يظهر فيه عناصر من التنظيم وهم يدمرون آثارا في مدينة الموصل بشمال العراق. وقالت مديرة المنظمة إيرينا بوكوفا إن "هذا الاعتداء هو أكثر بكثير من مأساة ثقافية".
حقا ..أنها مأساة ثقافية وحضارية وانسانية بكل معنى الكلمة ...!
ان مؤرخي الدولة الاسلامية مثل ابن كثير وابن الاثير وغيرهم من المؤرخين المسلمين ، قدا أرخوا لتلك الحقبة الزمنية التى عاصروها ، بحزن عميق وألم يعجز القلم عن وصفه ، نتيجة ما اقترفه هولاكو من ماسي إنسانية يندى لها الجبين ، فلا ندري ما الذي سيسطره مؤرخو اليوم للأجيال القادمة عن داعش ومن يساندها ويدعمها بالمال والسلاح والخبرات ، حين تُستباح حضارة العراق وثقافته وتاريخه تحت سمع وبصر العالم اجمع !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصطفى البرغوثي: الهجوم البري الإسرائيلي -المرتقب- على رفح -ق


.. وفد مصري إلى إسرائيل.. تطورات في ملفي الحرب والرهائن في غزة




.. العراق.. تحرش تحت قبة البرلمان؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. إصابة 11 عسكريا في معارك قطاع غزة خلال الـ24 ساعة الماضية




.. ا?لهان عمر تزور مخيم الاحتجاج الداعم لغزة في كولومبيا