الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تموز ومعضلة قدوم العسكر للسلطة ( 3-5) دفاعاً عن تموز

عقيل الناصري

2015 / 3 / 10
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


تموز ومعضلة قدوم العسكر للسلطة ( 3-5)
دفاعاً عن تموز
وتاسيسا على ذلك وبصورة عامة نرى أن هذا الدور له ما يبرره من الناحية العملية وكما دللت عليه الوقائع التاريخية .. لكن لايمكن تبريره مطلقاً كأنه ( ضرورة تاريخية ). فإذا كانت الظروف الملموسة للمرحلة الانتقالية من المجتمعات الفلاحية ( ايام العثمانيين)إلى الدولة المركزية ( تكوين الدولة العراقية عام 1921) ، قد منحت الضباط دورا مهما في عملية التغيير والانتقال .. لكنها ليس لها بُعد دائمي و ضرورة موضوعية تقتضيها سنن وقوانين التطور والارتقاء، إذ عندما يُكتمل بناء الدولة وتُفعل مؤسساتها وتترسخ فكرة المواطنة وسيادة القانون والانتقال السلمي للسلطة بين المكونات الاجتماعية وتحدد بالخاتمة وجهة النظام الاقتصادية.. آنذاك يعود الضباط إلى مهمتهم الأرأسية الكامنة في حفظ الحدود والسيادة.

ثانياً - دور وموقع الضباط في نشوء الدولة العراقية المعاصرة:
افترض هنا فرضية استقيتها من قراءتي للواقع التاريخي لنشوء الدولة العراقية المعاصرة وبسط سيطرتها وسريان فعل قرارها المركزي، بالعنف المادي والمعنوي، ومفادها:
أن قوى الاحتلال البريطاني وطاقمها العسكري والاداري، وبفعل رؤاها المتناقضة ، اسست الدولة العراقية وسلمت مفاتيحها الأراسية إلى ضباط المؤسسة العسكرية والشريفيين منهم بخاصة، لكن ليس بمقدورها أن تتحدا االوجود البريطاني نفسه.
هذه الفرضية هل تحمل مصداقيتها العلمية.. سنحاول البرهنة على ذلك من خلال دراسة الظاهرة العراقية ضمن أطار تحققها التاريخي المقترن بالمفهوم المنطقي العلمي والموضوعي. وضمن ذلك سأحاول تسليط الضوء والتركيز على حجم الضباط في بنية الوزارة العراقية بالعهد الملكي برمته حتى نتبين مدى دقة الفرضية اعلاه ، وفي الوقت نفسه البرهنة على النفي الموضوعي للفكرة الاساسية، التي انطلقنا منها في بحثنا، من أن ثورة 14 تموز قد فتحت ابواب السلطة امام العسكر.
سنحاول ان نقف مطولا أمام هذه الفكرة وتغطية الكثير من الجوانب التفصلية التي رافقت تأسيس الدولة وما لعبه الضباط من دور في قيادة الدولة العراقية وولوجهم إلى قلب السلطة سواءً في السلطة التنفيذية وإلى حد ما في السلطة التشريعية.
البدايات
بعد الانتهاء من احتلال العراق وإعادة التوحيد الإداري لأغلب مناطق الولايات الثلاث ( الموصل وبغداد والبصرة)، برزت إلى الوجود وبحدة متناهية إشكالية كيفية إدارة الحكم فيه، اذ طرحت هذه الاشكالية تقريبا منذ عام 1917 على ذات قوى الاحتلال بالاساس وعلى العراقيين بدرجة ثانية.
كان العراقيون ، بهذه الدرجة أو تلك ، يجمعون على فكرة الاستقلال وعدم الخضوع للأجنبي الغازي، وإن اختلفت حدود هذا المفهوم وطرق تحققه، فيما بينهم، لهذا انتفضت بعض المدن من اجل تجسيد هذه المقولة في الواقع ، ولو من الناحية الشكلية وهذا ما تم، فكانت انتفاضة النجف عام 1918وفي بعض اجزاء كردستان العراق السليمانية عام 1919 والحراك السلمي في بغداد وغيرها من المدن، حتى تكلل هذاالحراك الاجتماسياسي بأنتفاضة ( ثورة العشرين) التي لعبت دورا حاسما في تغليب احدى وجهتي الصراع في قوى الاحتلال ووزارة المستعمرات البريطانية آنذاك. كما يوضح لنا تاريخية قوى الاحتلال الأول أنهم أنقسموا إلى إلى فريقين أرأسيين بشأن كيفية إدارة حكم العراق وما طبيعته وآفاق مستقبله وماهية مكوناته الاجتماعية، وهما ما اصطلح عليهما ب:
- المدرسة الهندية التي كانت تساعدها، إلى حد ما، وزارة المستعمرات في لندن؛
- مدرسة القاهرة أو المكتب العربي في القاهرة والتي كانت تساندها وزارة الخارجية.
فالمدرسة الهندية كانت تدعو للحكم البريطاني المباشر في العراق، وتعارض بشدة فكرة الإدارة غير المباشرة لحكمه، كما كانت تدعو لها مدرسة القاهرة. وكانت الأولى تدعو هذه المدرسة إلى الخضوع لحكومة الهند البريطانية في إدارة العراق مشابهً لما كان عليه الحال في الهند ، بعد ضم ولاية البصرة إلى حكومة الهند وتهويد وتهنيد ولاية بغداد والتنازل عن ولاية الموصل إلى الانتداب الفرنسي وتطبيق الحكم االبريطاني المباشر وقوانينه من قبل ضباط بريطانيين. وكان ويلسن نائب الحاكم العام في العراق، من اكبر دعاة هذه المدرسة والمحبذين لها. وقد شرع بالفعل في إتخاذ بعض الاجراءات التي تمهد لتحقيق فكرته. كما أن هذه المدرسة كانت وراء فكرة المطالبة بانفصال البصرة عن العراق في مطلع العشرينيات من قبل من رأوا أن مصالحهم الآنية تلتقي مع هذه الفكرة .
أما مدرسة القاهرة فقد ركزت على فكرة مغايرة ، مفادها ، بعد إستقراء ظروف الحراك السياسي للعراقيين، توصلت إلى أن ظروف العراق الموضوعية والذاتية ، تتطلب إدارته بصورة غير مباشرة وذلك لما تكتنف إدارته المباشرة من قبل البريطانيين من صعوبات ، ناهيك عن التكاليف العالية لهذه الإدارة. كما إن الاستقلال ( الشكلي) يتناغم ونفسية اهل البلد في مرحلة الانتقال من المجتمعات الزراعية المتشظية، إلى الدولة المركزية. كما ان هذه المدرسة كانت تتلقى التوجيهات من لندن مباشرة وبالتحديد من وزارة الخارجية وفي مرحلة لاحقة من وزارة المستعمرات بعد نجاح مؤتمر القاهرة ربيع عام 1921. وكانت تنظر للعراق في اطار المشاريع الاستعمارية التي رُسمت في إطار المصالح البريطانية العامة وعلى وفق الخطوط التي انطوت عايها اتفاقية سايكس بيكو بين بريطانيا وفرنسا وروسيا القيصرية.
وهنا لابد من التأكيد على الحراك الاجتما سياسي للعراقيين وكانت ذروتها (ثورة ) انتفاضة العشرين التحررية، قد ساهمت في تعجيل وتحقيق صيرورة الادارة غير المباشرة ماديا عبر فكرة تأسيس الدولة العراقية وفرضتها كواقع موضوعي، وهو ما تبناه مؤتمر القاهرة عام 1921 .
أي بمعنى آخر كانت ثورة العشرين أهم رافعات تكوين الدولة العراقية المركزية والتي ( اجبرت) مؤتمر القاهرة على تبني ماهيتها الأراسية وكانت النتيجة السياسية المباشرة لتأليف الحكومة المؤقتة قبل اعلان تأسيس الدولة.
وعليه فإن ظرف تاسيس الدولة العراقية الناشئة كما لو أنه " ... تولى فيها الجيش تدريجيا دوراً مهيمناً في شؤون الدولة وأسهمت الظروف الخاصة بالعراق في تكوين هذا الدور، وإن المدى الذي استغل فيه الجيش أو الحكومة المركزية هذه العلاقات بذكاء يعطينا الإشارة إلى القوة الفاعلة في المسألة. وفي الواقع مؤشراً إلى طبيعة نظام الحكم الذي بدا بالتكوين... ".
لهذا استخدمت الدولة الناشئة، من خلال الجيش، القوة في فرض إرادتها وتأمين قرارها المركزي باعتبارها، كما أرى، ضرورة للانتقال من المجتمع العشائري النتشظي إلى الدولة المركزية... " . كما أن ظروف تأسيس الدولة على الصعيد الإقليمي وعدم تحديد الحدود سواء الشرقية أو الشمالية وحتى الجنوبية وتهديدات القبائل السورية.. بمعنى كل دول الجوار كانت بهذه الدرجة أو تلك كانت لها علاقات غير مستقرة بل ومقلقة.


الهوامش:
24- هم الضباط العراقيون الذين خدموا بالجيش العثماني في البدء ومن ثم إلتحقوا بما يسمى (الثورة العربية) بقيادة الشريف حسين/ شريف مكة وبالتعاون مع بريطانيا عام 1916، ضد الدولة العثمانية. واشتركوا في اغلب الحروب التي انيطت بهم.. وعملوا مع الملك فيصل في سوريا .. وعندما عينت بريطانيا فيصل الاول ملكا على العراق التحقوا به ولعبوا الدور الأراس في الدولة العراقية المعاصرة. للمزيد راجع كتابنا الجيش والسلطة في العراق الملكي، دفاعا عن 14 تموز، ط. 2، دائرة الشؤون الثقافية، بغداد 2005. أما عددهم فقد بلغ عددهم ، حسب وزارة المستعمرات البريطانية المستند إلى تقرير الاستخبارات البريطلنية، في حدود 190 ضابطاً، وعدد الضباط العراقيون في الجيش التركي فهم في حدود 450 ضابطاً ، الارقام مستلة من محمد طربوش، دور الغسكر في السياسة،، ، ترجمة محمود أحمد عزت البياتي،، ص. 352، دار الحكمة، بغداد 2012.
25- الكثير من مناطق ولايتي الموصل والبصرة تم استقطاعها ولم تضم إليهما بعد تأسيس الدولة العراقية.. فمثلا كانت منطقة ديار بكر ضمن ولايات الموصل ، كذلك الكويت وبغض مناطق جنوبها كانت ضمن ولاية البصرة.
26- للمزيد راجع د.غسان العطية، نشأة الدولة، ترجمة عطا عبد الوهاب . ص.223 وما بعدها، دار لام ، لندن 1988. أما المكتب العربي : هو في الواقع مكتب الاستخبارات اليريطانية في المنطقة العربية وقد تاسس عام 1916وكان يضم عددا من ضباط المخابرات والسياسيين ذوي الاختصاص والخبرة بشؤون العالم العربيكما كان بمثابة واسطة الاتصال بين المدوب السامي البيرطاني في مصر والشريف حسين في مكة وحرضوه على اعلان الحرب ضد الدولة العثمانية. وتم اغلاق المكتب عام 1920 وتوزع اغلب العاملين فيه على دول المنطقة التي خضعت للنفوذ البريطاني . ومن اشهر رجالات المكتب السير مارك سايكس(الذي صاغ بيان مود عند دخوله بغداد في 19 آذار 1917)، لورنس، مورنواليس، المس بيل وغبرهم، اما من العراقيين فكان جعفر العسكري ونوري السعيد ومحمد شريف الفاروقي وغيرهم.
27- " بعد أن أنتهى مؤتمر القاهرة من أعماله ، وأخذا مقرراته تظهر للوجود بالتدريج، وبعد أن سمع القاصي والداني بتوجه الأمير فيصل إلى العراق لاعتلاء عرشه . قدم لفيف من وجوه البصرة وسراتها : أضراب الحاد طه السلمانوعبد الرزاق النعمة وعلي الزهير وأغا جعفر والشيخ إبراهيم شيخ الزبير وسليمان الغماس رئيس بلديتها والحاج عبد السيد العويد والشيخ إكباشي السعد وأحمد باشا الصانع وعبد اللطيف باشا المنديل وعبود حمود باشا الملاكوسليمان الزهير ويوسف عبد الأحد عن المسيحين ويعقوب نواع عن اليهود وغيرهم، قدموا طلباً إلى المندوب السامي البريطاني في العراق السر برسي كوكس بتاريخ 13 جوان(حزيران)1921 م بمنح البصرة استقلالها السياسي بعد فصلها من العراق وإلحاقها بالهند. ثم توجه وفد بصري إلى بغداد...". عبد الرزاق الحسني، تاريخ الوزارات العراقية، ص. 100، ج. الأول، ط. 7 ، بغداد 1988 :
28- للمزيد عن مؤتمر القاهرة يراجع ، عبد الرزاق الحسني، تاريخ الوزارت ، ج. 1، مصدر سابق.
29-، د. محمد طربوش، ص. 21، مصدر سابق.

30 - وهكذا فقد تم "... منذ إعتلاء الملك فيصل العرش في 22 آب 1921 حتى نيل البلاد استقلالها في العام 1932، كانت هناك 132 مناسبة تدخلت فيها القوة الجوية الملكية ( البريطانية) لمساعدة الحكومة وشنت غارات، تضمن بعضها أحيانا إلقاء نحو عشرة اطنان من القنابل...". المصدر السابق، ص. 37








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البنتاغون يعلن البدء ببناء ميناء مؤقت في غزة لإستقبال المساع


.. أم تعثر على جثة نجلها في مقبرة جماعية بمجمع ناصر | إذاعة بي




.. جو بايدن.. غضب في بابوا غينيا الجديدة بعد تصريحات الرئيس الأ


.. ما تأثير حراك طلاب الجامعات الأمريكية المناهض لحرب غزة؟ | بي




.. ريادة الأعمال مغامرة محسوبة | #جلستنا