الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نظرات وذكريات مؤلمة

أماني محمد ناصر

2005 / 9 / 20
الادب والفن


أشعل لفافة تبغ ٍ في غضب ثمّ نظر إليّ مليـًا... وغرق في التفكير العميق شاردًا في الأفق البعيد...
قلت له:
- مالك صمتّ هكذا؟
لم يجبني بأي حرف وإنما اكتفى بنظرة حَمـّلـَها كلّ معاني الاستخفاف وعاد من جديد لتفكيره العميق...
منذ مدة طويلة وهو هكذا... يصمت حينما يغضب بدل أن يحدثني أو يحاورني...
سألته من جديد:
- لماذا لا تحدثني بشيء؟!
نظر إليّ نظرة شعرتُ بمدى كراهيته لإتمام الحديث معي قبل أن يقول لي:
- أنتِ؟!
- وهل ترى غيري في هذا المنزل؟
جالت عيناه في وجهي تتنقل به كما لو أنه يراه للمرة الأولى قبل أن يقول لي:
- وماذا ينفع الحديث معك ِ؟!
صدمني جوابه هذا... فهل حقـًا كما يقول أنه فقد لغة الحوار معي؟!
قلتُ له بتحدّ بالغ:
- يبدو أن الحديث معكَ أنتَ هو الذي قد أصبح عقيمـًا!!!
تطلـّـع إليّ بعمق... قبل أن يطفئ لفافة تبغه التي أنهاها بصمتٍ وغضب... وأخرج واحدة أخرى... وضعها بين شفتيه... وفتح علبة الثقاب ليشعلها... ولكنه وجدها فارغة!!!
شرد طويلا قبل أن ينظر إليّ تلك النظرة التي حرتُ في فهم معانيها... ثمّ بدأ يُنَقــّل نظره بيـن علبة الثقاب الفارغة..... وبينــــي!!!!
أخذ نَفَسـًا طويلا... حمل علبة التبغ ومفتاح سيارته ومضى...
وفي غمرة غضبه هذا نسي أن يأخذ حقيبته معه ... فدفعني الفضول وكثيرًا ما كان يدفعني لأن أرى ما بداخلها... صور شخصية له ومصنفات تخصّ عمله وبضعة أقلام ومفاتيح وزجاجة عطره... وكتاب... رحت أقلـّب صفحاته... استوقفتني كلمات كتبها في ورقة صغيرة وضعها في منتصف الكتاب:
"إلى نور عيوني... نور:
إلى التي وجدتُ فيها عطري...
إلى التي وجدتُ معها راحتي...
كنتِ الواحة الجميلة التي ألجأ إليها بعد يوم عملٍ مضنٍ...
بحثتُ في فضاءاتِ أيامي عن مورد عذب فلم أجد إلاّكِ...
أنتِ فقط ومعكِ فقط أحسّ بالطمأنينة والراحة ومع لمسة دافئة من يدكِ تتبلسم جراحي وآلامي...
كنتُ أستغرب اهتمامكِ الكبير بشؤوني الصغيرة... وكيف لا تنسين شيئا منها... وكيف كانت كلـّـها مهمة عندكِ...أنتِ الأنثى الحقيقية الوحيدة في حياتي...
أنتِ الأنثى الحقيقية الوحيدة في حياتي... "
هي أنثى حقيقية؟ فما أنا إذا ؟!!!!
هكذا هم الرجال كاذبون ... مخادعون...
ســتّ سنوات من عمري ضاعت مع إنسان مخادع....
يقول أنها أنثى حقيقية... فكيف ينظر إليّ إذا ؟؟؟!!!...
سأرحل عنه... سأترك له الصغير... سأحوّل حياته إلى جحيم... سأنتقم لأنوثتي المجروحة...
سأجعل منزله جحيمًا آخرًا... سأريه كيف يهوى غيري...
جلستُ والرسالة في يدي أعيد قراءة كلماتها وأتأمّل كل حرف فيها... أقرأ وأفكّر.....
سألملم أشيائي وحاجاتي وأرحل عنه... وسأترك له الصغير أحمد لأرى كيف سيتدبر أموره وأمور ابنه....سأتصل بأمه لأعرّفها على حقيقة ابنها الذي تعتبره أفضل الأبناء....يا إلهي.... إنـّـه يزعم في رسالته أنها أنثى حقيقية!!! فما أنا إذا؟؟؟!!!
ذهبتُ إلى المرآة وجلستُ أنظر إلى نفسي ورحتُ أقـلب الأمور ببعضها وأتساءل ما الذي عناه بأنها أنثى حقيقية ؟ هل تغيّـرتْ كثيرًا معالم وجهي ومعالمي... كيف لم أنتبه إلى ذلك قبل الآن ...كيف لم أُعِـر انتباها لما قاله لي ذات يوم: "لقد أضحى مرأى وجهكِ كمرأى من هي أكبر منكِ بعشر سنوات.... تبدين أكبر مني بكثير بهذه العقدة التي لا تفارق حاجبيك... وبشعرك غير المصفف كما يجب... وبعينيك اللتين تبدوان وكأنهما خارجتان للتوّ من نوم عميق... "
وهنا بدأتُ أحاسب هذه المرأة التي أراها في المرآة ... أنا لستُ هكذا... لستُ المرأة التي يصفها بهذه الصفات...هل من الممكن أن أكون هكذا؟... لا...
إذن ما سبب كلامه ؟... ما سبب وجود امرأة أخرى في حياته؟...
وعدتُ بذاكرتي إلى تلك الأيام التي كنتُ أستقبله فيها بـِوَابلٍ من الأسئلة التي كنت أحاصره بها فور عودته إلى المنزل دون أن أراعي مدى تعبه وحاجته للراحة... وكيف كان يؤكـّد لي أنني الوحيدة التي تربعت عرش فؤاده... و تذكرتُ أيضـًـا كيف فاجئني يوما وأنا أفتش في جيوب طقمه لأنتزع منها صورة لفتاة جميلة وأبدأ بتوجيه سلسلة من الاتهامات إليه والكلمات الجارحة عنها... فأكتشف مؤخرا أنها لابنة زميل له طلب منه يومًـا وبحكم وظيفته أن ينجز لها جواز سفر...
تذكرتُ كيف كان واسع الصدر حيال تصرفاتي، وكيف كان يستمع لي حتى نهاية حديثي... بل كان ينظر إليّ بحنان وحب وابتسامة رقيقة يمتص بها غضبي...
وتراءى لي في هذه اللحظات وأنا أقلب الأمور ببعضها كيف كنتُ أهمل نفسي طوال السنة و حينما أريد شيئا منه ألبس أجمل الثياب وأتزين بأحلى زينة وأتعطرله بأروع العطور فقط...فقط حينما كنت أريد شيئا منه... وحينما أشعر برغبته في قضاء ليلة جميلة معي كنتُ أتعلل بالتعب والإرهاق وكثرة الأعمال المنزلية وكنتُ أبقي ابننا أحمد مستيقظـًـا حتى ساعة متأخرة من الليل إلى أن ييئس زوجي مني ويمضي محبطــًا إلى فراشه ...
وكم كنت أظهر له انزعاجي حينما يأتي موعد إجازته لأنه كان يحب قضاءها في المنزل... ومعنى ذلك أنه ستزداد مسؤولياتي لأنني سأخدمه بنفسي !!!
وكم أزعجته... وكم آلمتهُ... وكـم... وكم... وكــــــم!!!
أعجبُ الآن من ردود أفعاله... لم يكن يقسو عليّ كما أقسو عليه... كان دائمـًا حنونـًا معي...
وعادت ذاكرتي إلى ذلك اليوم الذي دخل وائل إليّ مبتسما حاملا أغراضًا منزلية وزجاجة عطرٍ أهداني إياها بمناسبة عيد زواجنا الأخير... وكيف لم تعجبني حينها هديّته... ورحت أذكر ما قلته له وهو يطبع قبلة على خدي:
- جميلة هي هذه الهدية... ولكن زوج صديقتي عبير أهداها البارحة عقدًا من الذهب الخالص... أتاها به خصيصا من باريس ليليق بها...
تراجع عن خدي متألما وهو يقول بنبرة غاضبة:
- لا تُحـدّد الهدية بحسب قيمتها... بل بحسب الشخص الذي أهدانا إياها...
تابعته بنظراتي وهو يذهب إلى غرفة الجلوس... أشعل التلفاز ... وجلس ينظر إليه ولا يرى شيئا...وزدتُ عليه أني طلبتُ منه أن يغيّر مكان جلوسه... فأنا لم أنهِ تنظيف المنزل بعد ...
قال لي:
- إلى الآن لم تنتهِ منه؟
- ابنكَ شغلني كثيرًا عنه...
- سأسمع موجز الأخبار ثم أترك الغرفة لكِ..
لم يرق لي جوابه... فعلا صوتي عليه أمام ابننا الوحيد ذو الخمس سنوات... ليقول لي بعد يأسه من أنانيتي:
- كما تشائين ...
ذهب إلى غرفة النوم ِ... فأنهيتُ تنظيف الغرفة ثم اتجهتُ إلى المطبخ ووضعتُ الغسيل في الغسالة وأدرتُها...
جاءني صوتـَـه من الداخل:
- أطفئي الغسالة... فصوتها مزعج... وأنا أريد أن أستريح...
- الحق عـليكَ... فقد عدتَ قبل أن أنهي واجباتي المنزلية ... ثمّ إن ابنكَ وحده ينهك القوى...
- وهل أنتِ المرأة الوحيدة في هذا العالم التي لديها أطفالٌ وأعمالٌ منزلية؟
اتجهتُ إليه قائلة بحزم:
- إن لم يعجبكَ هذا المكان فيمكنكَ أن تغيره... ألا تراني مشغولة بأعمالي؟! هذا بدل أن تمدّ لي يد المساعدة فيها!!!
نظر إليّ تلك النظرة التي لن أنساها ما حييت... وحمل أشياءه ... وخرج من المنزل...
كيف لم أفكر بعد خروجه بما حصل؟ مع علمي أن الحب الكبير الذي يكنـّه لي في داخله يمكن أن يعيده إليّ مساءً بتلك الابتسامة المعهودة... ذاك الحب الذي لم أعرف كيف أستغله كأنثى تريد المحافظة على منزلها من الضياع...
عاد مساءً بضحكته الرنانة وشفافية حديثه الساحر... حاملا بإحدى يديه عقدًا من الذهب الخالص... وبيده الأخرى حمل ابننا...
نزعتُ عني صدرية المطبخ... كم أزعجتني رائحة الخضار المقلية الممزوجة برائحة الثوم التي صدرت عنها...
سألني وهو يطوّق رقبتي بعقد الذهب :
- أين زجاجة العطر التي أهديتك إياها يا سهام؟!
أجبته بتردد بالغ:
- أهديتها لأختي الصغيرة بـ... بمناسبة عيد ميلادها...
صمتَ على مضض... ومضى عني...
نعـــم !!!
لقد كان وائل رائعـًا في كلّ شيء معي... فهو لم يشأ أن يجرحني بقوله أنني كلّ يوم أستقبله برائحة الطبخ ورائحة الثوم والبصل... فأهداني زجاجة عطر رائعة... ولم يشأ أن يخدش مشاعري في كلّ مرة نتشاجر فيها، فكان تجنبـًـا لزيادة المشاكل بيننا يتركني حتى أهدأ ويخرج من المنزل ولا يعود دون أن يكون بين يديه هدية رمزية تعبيرا عن حبه لي...
لم أفهم الرسالة إلا اليوم... وأظنّ أنني قد فهمتها متأخرًا...كما فهمتُ أشياء كثيرة جعلته يخـرج اليوم دون أن يعود حتى الآن...
فهمتُ الرسالة التي قرأتها... فهمتُ ماذا كان يقصد بأنها أنثى حقيقية... فهمتُ كيف يحب الرجل أنثاه، وكيف تعامِـلُ الأنثى رجلها...
تذكرتُ الآن كل نداءات وائل لإنقاذ حبنا، وتذكرتُ كم كان صبورا في حياته معي...
ولكني مع ذلك لن أغفر له وجود امرأة سواي في حياته...
تذكرتُ الآن حبي له ولأحاديثه ولكن... ماذا جرى لي؟! ماذا جرى لمشاعري وقلبي؟!
كيف أصبحتُ فارغة من الداخل ِ ؟!!!...
هل هذا ما كان يقصده حينما نظر إلى علبة الثقاب الفارغة ثمّ أخذ ينقـّـل نظره بينها وبيني؟؟؟!!!











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: كان نفسي أقدم دور


.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: -الحشاشين- من أعظم




.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: خالد النبوي نجم اس


.. كل يوم - -هنيدي وحلمي ومحمد سعد-..الفنانة دينا فؤاد نفسها تم




.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: -نجمة العمل الأولى