الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أوراقٌ ضائعةٌ

محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)

2015 / 4 / 25
الادب والفن


للحزن مواسم، وللفرحة أخرى. يفيض الحزن بغير مواسمه، يكتسح الفرحة من فوق الوجنات. ينطفئ خافتاً بريق العيون، وتحلّ سحنة من لونٍ رماديٍ تغطيّ بلونها ما يحيط بها. تموت السنابل عرائس في غير مواسمها ويهاجر الحبّ غريباً وراء دفء القلوب، وخفقة الروح وبريق الأعين، فما عادت هناك نواميس تفتح أقفالها وتشرّع شبابيكها. تنير جنباتها، وتغسل قيعانها من عتمة كالطاعون داهمت ساحتها.
صدأ يرقد في الأغوار، يقتل وهج الروح وتألقها فتتعطلّ عجلات العمر، والذاكرة تسافر حافية في المجهول بحثاً عن عزاء، ولا مغيث سوى الخيال.
بين الضاربين في الأرض سعياً وراء الحلم وناموس الحياة صداقةٌ قِدم الأرض، تحالفٌ مقدس يحكمه عهد على عدم الخصومة ولو لساعة. كليل الصحراء الشتوي، حين تكون الروح في وكر الحبّ وترتمي شبقاً يقاسمها في محنتها قنديل زيتيّ يهتك سر الليل بومضته، فتغفو في حضن الرغبة واللوعة أسرار ويخبّ الغرباء عن أوطانهم في ليل الاسفار بحثاً عن وسادة ورصيف.
تتشظّى الذاكرة. تبحر في المجهول حافيةً، تستأنس بظلمتها. تبحث عن وطن يسافر في حقيبة. تتلاشى الرؤى ويتغير طعم الاشياء ولونها، بينما تغيب الأسباب. فعندما ترحل العيون في مزدحم التذكر، تستفيق في الرأس كلّ الملامسات الشفافة، حتى تلك التي لم تبرعم أو تُزهر. أشياء كثيرة تنتمي لخانة الأحداث في غمرة التعب والفرح، وأخرى علقت بدمائنا كرائحة الجسد الطفولي.
فبين النسيان والتشتت ثمةّ مساحة تضيق مرّة وتتسع أخرى، مزهوة تبدو وضبابية تغدو. وفي الحالتين يحار العقل في البحث عن مخرج لما هو فيه من عيٍّ ومن عجز، فكلاهما يكدّ الذاكرة المكدودة أصلاً.
بسبب انشغال الذاكرة بأكثر من محور، يخبو بريقها وتخفت حدّتها، فيدبُّ النسيان إليها دبيبَ الخدر إلى الجسم، ويزحف كما التصحر، فتمسي قحفةً خربةً تشكو وحدتها وحالها. فتتلاشى صور وتنمحي، وتولد أخرى وتضمحل، وما بين الولادة والرحيل تشدّ اليد على هواء، تلك هي الحصيلة، فراغُ اليد وليس سوى ذلك.
ويبقى النسيان نعمة وبلوى، يذهب بالذاكرة نحو منحدرات لا يستطيع أحد إيقافها، فالذاكرة في هذه الحالة إبحار في يباس، والوقت قيظ، ولا مسعف سوى الذاكرة نفسها، وحتى التسجيل والتدوين لا يخلق تلك البرك الصافية من الغبطة.
بات إجبار الذاكرة على الاستعادة والتذكر عمليةَ تعذيب في مسار الموت البطيء.
فالدرب الذي سلكه الإنسان يضعه أمام جروحه مرات ومرات، في الضيق والانشراح، تلك معادلة كانت وما تزال غوراً عميقاً تجذّر وسال في العروق منذ الصبا ولا يزال.
تكثر الأوراق الضائعة، وننسى أين أضعناها. بعض الأوراق الضائعة عندما أعثر عليها أُعيد قراءتها لأكتشف أن العالم قد تغيّر.
أعلم أنها موجودة ولا أعرف مكان وجودها، ليت للأوراق لسانٌ يفصح عندما ننادي تلك الأوراق لتُذكّرنا عندما نريد التذكر ونحن نفكر أين أضعناها؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: بحب التمثيل من وأن


.. كل يوم - دينا فؤاد لخالد أبو بكر: الفنان نور الشريف تابعني ك




.. الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: لحد النهاردة الجمهور بيوقفن


.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: كل ما أشتغل بحس بن




.. أقرب أصدقاء صلاح السعدني.. شجرة خوخ تطرح على قبر الفنان أبو