الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأجير مصانع الغزل والنسيج .. وجه آخر للخصخصة

رياض حسن محرم

2015 / 5 / 8
ملف الأول من أيار 2014 - تأثيرات الربيع العربي على الحركة العمالية وتطورها عربيا وعالميا


منذ ان قامت حكومة محلب بتحصين العقود الرأسمالية وإخراج العمال من معادلة الطعن عليهابالقرار بقانون رقم 32 لسنة 2014 الذى أكد فى المادة 8 مكرر قصر منازعات العقود على أطرافها وهم الحكومة والمستثمر فقط وسريان القانون بأثر رجعى على القضايا التى حكم فيها وتلك المنظورة أمام القضاء المصرى أو التى ستقام مستقبلا بحجة تشجيع المستثمرين الأجانب والمحليين وطمأنتهم مع إستبعاد تدخل عمال تلك الشركات محل التصرف من اللجوء للقضاء بالرغم مما قد يلحق بهم من أضرار جرّاء تلك العقود سواءا بإهدار حقوقهم عن فترات عملهم السابقة أو بتسريحهم عن طريق التقاعد الإجبارى أو المعاش المبكر ويؤدى القانون الى اطلاق يد السلطة فى التصرف فى أملاك الشعب دون رقابة قضائية لاحقة على توقيع تلك العقود فى تعارض فج مع الدستور الذى أقرته تلك السلطة بعد إستفتاء شعبى وينص فى مادته رقم 96 بحظر تحصين أى عمل أو قرار إدارى صادر من جهة الإدارة من رقابة القضاء وعلى إثر إصدار هذا القانون شكّل المهندس ابراهيم محلب لجنة غير قضائية برئاسته وعضوية عدد من الوزراء ورئيس هيئة مستشارى الدولة وممثل عن القوات المسلحة وآخر عن جهاز الأمن القومى وممثل من هيئة الرقابة الإدارية ليكون لها وحدها النظر فى مخالفات عقود الإستثمار.
وإستمرارا لهذه السياسة تم إصدار عشرات القوانين والإجراءات الإدارية لتمهيد الطريق أمام إستكمال إستيلاء رأس المال العالمى والمحلى على ما تبقى من أصول مملوكة للدولة عن طريق العديد من القوانين كقانون الإستثمار الجديد وقانون العمل والخدمة المدنية وعشرات القوانين التى صدرت أو على وشك الصدور فى غياب المجلس التشريعى المنوط به النظر فى تلك القوانين واقرارها، وآخر ما جرى فى ذلك الصدد هو موافقة وزارة الإستثمار ومجلس الوزراء على إقتراح الشركة القابضة للغزل والنسيج بتأجير مصانع قطاع الأعمال من شركات الغزل والنسيج الى مستثمرين أجانب والسماح بنقل المصانع الى مناطق جديدة وبيع أراضى تلك المصانع حيث تمتلك تلك الشركة القابضة لعدد 32 شركة تابعة لها ومستمرة فى سياسة الخصخصة التى أضاعت عشرات الشركات وأهدرت حقوق مئات الالآف من العمال.
هى أهم وأعرق الصناعات المصرية منذ أن أدخل محمد على زراعة القطن الى مصر وتم إنشاء الشركة الأهلية للغزل والنسيج عام 1898 ولكن الطفرة الكبرى فى الصناعة حدثت إبتداءا من عام 1927 عندما أنشأ طلعت حرب رائد الصناعة المصرية شركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبرى وشركة مصر صباغى البيضا وشركة مصر للحرير الصناعى لتتحول مصر بعدها الى قلعة عالمية لصناعة الغزل والنسيج حيث تميز ذلك القطاع بتوفر المادة الخام والأيدى العاملة الماهرة وكانت تلك المصانع متكاملة بدءا من الحلج فالغزل والنسيج والتبييض والطباعة والتجهيز وحتى صناعة الملابس والخدمات المصاحبة كمساكن العمال ومنافذ المواد الإستهلاكية وإنتاج معدات الغزل والنسيج وغيرها، واصبح هذا القطاع يستحوذ على حوالى 25% من القوة العاملة ويساهم بأكثر من 26% من الناتج الصناعى المصرى وبلغ عدد الشركات الحكومية فقط 33 شركة تركز معظمها فى القاهرة والقليوبية والغربية والجيزة ثم إمتدت لتشمل معظم محافظات القطر ولعبت الطبقة العاملة فى هذا المجال الدور الأكبر فى الحركة الوطنية المصرية ومثلت القطاع الرائد فى المجال النقابى والسياسى بشكل عام ومعقلا مهما للتيار اليسارى على مدى تاريخه النضالى وبرزت قيادات يسارية عمالية فى جميع المنظمات الشيوعية تاريخيا من عمال الغزل والنسيج وكان للشركة الأهلية بالأسكندرية الدور الأبرز فى صفوف الحزب الشيوعى الأول (حزب 1921) وشهد إضراب عمال الشركة الأهلية ومواجهاتهم للبوليس وقوات الإحتلال جزءا من التاريخ الوطنى واستمر إضرابهم لمدة 52 يوما، وفى الأربعينات كان للحركة الشيوعية فى مصانع الغزل والنسيج بشبرا الخيمة القيادة الحقيقية بواسطة مناضلين عظام كطه سعد عثمان ومحمد شطا وغيرهم، وكان لعمال شركة الغزل والنسيج بكفر الدوار المبادرة بأول إنتفاضة مسلحة بعد أقل من شهر على يوليو 1952 ودفع خميس والبقرى رقبيتهما ثمنا على مذبح الحرية وإستقلال الحركة العمالية، بينما يسجل تاريخ ثورة 25 يناير الدور البطولى لعمال شركة غزل المحلة فى التمهيد والإعداد لتلك الثورة من خلال سلسلة من الإحتجاجات والإضرابات المتعددة إبتداءا بانتفاضهم فى 2007 وإضرابهم الشهير فى 6 ابريل 2008 وهتافهم بسقوط مبارك وتمزيق صوره ودفعهم للعديد من الشهداء والمعتقلين ثمناعلى مذبح الثورة.
لقد بدأت مشاكل شركات الغزل والنسيج بمصر منذ ستينيات القرن الماضى حيث تم تحميلها بعمالة تفوق طاقتها بسبب تكفل الدولة آنذاك بتعيين جميع الخريجين بواسطة مكاتب العمل مما أدى لزيادة الإنفاق على بند الأجور بهذه الشركات بالإضافة الى فرض أسعار جبرية على منتجاتها والزامها بإنتاج نوعيات معينة من الأقمشة لمحدودى الدخل وأزياء منخفضة السعر للطلبة والعمال مما أدى فى النهاية الى نقص السيولة المالية لهذه الشركات وضعف قدرتها على صيانة وإحلال وتجديد الآلات والمعدات وتسبب فى النهاية لتقادمها وتخلفها فى ظل تطور عالمى متسارع وتقدم تكنولوجى ضخم فى ذلك المجال ويشمل ذلك إبتكار مواد خام غير تقليدية من البترول "بتروكيماويات" عالية الجودة ورخيصة السعرمما أدى بالضرورة الى ضعف القدرة التنافسية فى الخارج وتدفق المنتجات المهربة رخيصة السعر وبجودة أفضل من مثيلاتها المصنعة بالداخل وواكب ذلك إرتفاع أسعار المواد المستوردة الداخلة فى الصناعة عالميا كالأصباغ والإكسسوارات، سبب آخر أضيف الى ما تقدم وهو تحول صناعة النسيج فى العالم الى استخدام القطن القصير التيلة الذى لا ينتج فى مصر والعزوف عن استيراد القطن المصرى طويل التيلة مع عدم قدرة قطاع النسيج المصرى الى التحول لهذا النوع وعدم مواكبة الانتاج المصرى من القطن لهذا التحول لأزماته المتكررة، وساهم كل ذلك فى خروج مصر من سوق المنافسة العالمى فى مجال المنسوجات والملابس الجاهزة.
لقد أدى التفاقم المطرد وإهمال الحكومات المتعاقبة الى تدهور شديد فى تلك الصناعة الى أن بدأ عقد التسعينات وتسارع إندماج الإقتصاد المصرى فى السوق النيوليبرالى العالمى وتوجه حكومة رجال الأعمال الكومبرادوريين الى تصفية القطاع العام المنتج وتوالى عمليات الخصخصة فى إتجاه عمدى لتخريب قلعة صناعة النسيج فى مصر تمهيدا لبيعها بثمن بخس وتفاقمت مديونية هذه الشركات وتم تقديمها على طبق من فضة على مذبح الخصخصة وتكالب اللصوص عليها ليم بيعها لمجموعة من الأفاقين العالميين وإستخدامها كحصان طروادة للتطبيع مع العدو الصهيونى "إتفاقية الكويز" بدلا من العمل على تطويرها وحل مشاكلها وإستعادة الدور الريادى المتميز لتلك الصناعة على المستوين المحلى والعالمى لتنتهى تلك القصة الحزينة الى تدمير عدد من أعرق شركات النسيج وتخريبها وتشتيت عمالها والتدخل الأمنى الفظ ضد القيادات النقابية والعمالية التى تحتج على ما يحدث من تخريب متعمد.
لاشك أن الإتجاه الى تأجير شركات الغزل والنسيج فى مصر الى ثلة من المستثمرين الأجانب دون الإهتمام برأى العاملين فى هذا القطاع هو بداية الطريق لعملية خصخصة جديدة لهذه الشركات دون إهتمام بمستقبل من تبقى من العمال بهذه الصناعة تمهيدا لبيع تلك الشركات وتدمير آخر معقل صناعى قائم على صناعة عريقة تميز بها المصريون منذ أكثر من مائة سنة على الأقل وتحول نضال العمال الى مواجهات عنيفة مع السلطة التى صدّرت فى مواجهة فعالياتهم قوات الشرطة والأمن الوطنى والأمن المركزى ضد كل مناضل عمالى حقيقى بتنسيق مباشر وعلنى مع رجال الأعمال والإتحاد الحكومى الأصفر للعمال ليتم الزج بالقيادات العمالية فى السجون وفصلهم وتشريد أسرهم، وإذا كانت حجة السلطة القائمة أن حل تأجير تلك الشركات هو بسبب خسائرها فربما نصحو قريبا على تأجير سكك حديد مصر وربما قطاع السياحة أيضا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السياسة الفرنسية تدخل على خط الاحتجاجات الطلابية


.. روسيا تزيد تسليح قواتها ردا على الدعم الغربي لكييف | #غرفة_ا




.. طهران.. مفاوضات سرية لشراء 300 طن من اليورانيوم | #غرفة_الأخ


.. الرياض تسعى للفصل بين التطبيع والاتفاق مع واشنطن | #غرفة_الأ




.. قراءة عسكرية.. صور خاصة للجزيرة تظهر رصد حزب الله مواقع الجي