الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوار المواطنة أهم من حوار الأديان

صليبا جبرا طويل

2015 / 6 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



الإنسان العربي في مجتمعنا ، وفي المهجر
يحتاج إلى ترميم. نحن نعيش في فقاعة هواء.
بسبب وجود حواجز دينية تمنع اندماجنا أو
قبولنا للأخر. في الشرق كما في الغرب
نستجدي وجودنا من خلال ما يسمى بحوار
الأديان بدل حوار المواطنة.


معجم المعاني الجامع، يعرف الحوار بحديث يجري بين شخصين أو أكثر. بسبب استعمال الكلمة كثيرا، وبكثافة، نضيف مقاصد أخرى للحوار بان نقول يجري بين مذاهب وطوائف واديان وأحزاب سياسية مختلفة واقتصاديين الخ... ويدور حول موضوع اجتماعي معين وهام لإيصال فكر وتعاليم للتبشير أو دعوة الطرف الأخر لتبني تعاليمي. و/أو من اجل الوصول إلى توافق أو اتفاق أو كسب تأيد طرف أو حتى اعتراف بالوجود خاصة في مجتمعات غير مستقرة كمجتمعنا العربي الذي ينخره الفكر العقائدي والأيديولوجي الذي غالبا ما يغلف بوجه قبلي. هذه كلها مجتمعة باتت تعشش في عقولنا وتطرح نفسها كبديل للدولة المدنية وللهوية الوطنية التي يفترض أن تذوب فيها كل مكونات المجتمع.

لماذا الحوار؟ لأننا لم نستطع أن نعيش معا على المستوى الإنساني . الأقليات تدفع دائما ثمن التغيرات في زمن الفوضى السياسية والفكرية والثورات. لأنها الحلقة الأضعف في الوطن.محاربتها وإزالتها تحرج السلطة بقدر ما تكسب الحركات الرافضة القوة. فكل ما يغلف حياتنا ويطاردنا ويحاصرنا أينما توجهنا وفي كل زاوية ولحظة من حياتنا هو الدين. لذلك بات الدين اللون الوحيد الذي يحاصرنا ويعمي عقولنا وإيماننا . عندنا في غياب فرض الدستور الذي يضمن للجميع المواطنة والعيش المشترك. وفي المهجر عدم قدرتنا على الاندماج في المجتمعات الغربية، فأننا نستجدي وجودنا من خلال ما يسمى بحوار الأديان. عسى أن نجد سبيل لمحنة هويتنا. التي هي دينية في الغرب ...وفي الشرق هي هوية وجود ليس فقط للأقليات الدينية أو المذهبية بل للنخب والأحزاب السياسية أيضا.

الحوار الديني غير مجدي وغير ضروري لأنه لا يلبي بالنهاية تطلعات الأطراف جميعها بالتساوي، ولا يمكنها من استبدال أو تفسير مواقفها الدينية بأمور توصل مكونات المجتمع لصيغة توفيقية لان لا مرونة في المطروحات الدينية، فهي جامدة وثابتة.البعض يري الحوار وسيلة ومناسبة لتقديم فكره ومعتقده كبديل لفكر ومعتقد الأخر. البعض يراه وسيلة للخروج من أزمة ومظاهر باتت تزعج أتباعه. الحوار جاء للبحث عن الذات من خلال ما تقوله الكتب الدينية في التعامل مع الأخر في زمن السلم والحرب.

الله -العقل الكوني - هو الحقيقة المطلقة الوحيدة الغير متعددة، التي ينتهي فيها خلاص البشرية بغض النظر عن دين أو مذهب، أو فكر إنساني في العالم اجمع . كونه مصدر القيم والأخلاق الإنسانية الغير منازع. وهو المتجلي في كافة الأديان منذ فجر الخليقة الأول جاء اقرب إلى فهم الإنسان للطبيعة وتحليلها واستمر إلى اعقد ما توصلنا إليه من معارف وعلوم شتى، وسيستمر إلى الأبد كونه أزلي. منذ بزوغ النضوج الفكري والعلمي المتدرج إلى اللحظة التي نعيش فيها وهو- الله- العقل الكوني الذي لا يموت زرع فينا العقل كي نبحث ونفكر ونبني عالم أفضل بأخوة إنسانية، باستقلالية وحرية ومساواة. وهذا ما يفسر وجود الأخلاق والقيم عند كل شعوب الأرض المتدينة والغير متدينة.والتي لها كتاب مقدس والتي لا كتاب مقدس لها.

كل دين، سماوي أو غير سماوي يمتلك طريق خلاص خاص به للوصول إلى الاسمي إلى الله إلى العقل الكوني. لذلك من الغير الممكن أن يحتكر دين محدد طريق خلاص البشر ويتصرف على أنه الوصي عليهم، وظل الله في الأرض. الخطاء الإنساني، وما يصيب في المقتل هو فرض طرف على طرف أخر طريق خلاص. كل دين يمتلك الحقيقة. أيضا الشعوب، والأفراد الذين لا يتبعون دين محدد، وليس لهم كتاب محدد يمتلكون الحقيقة ،كونهم يؤمنون بالإنسانية طريق ومنهج حياة، يتوجون أعمالهم على مبدءا الخير العام للبشرية جمعاء فيبين كم لديهم من قيم وأخلاق ليكونوا اقرب إلى الاخرالذي هو في تعاليمنا السماوية من أبناء الله.

الأحزاب وبشكل خاص الدينية منها هي جزء كبير من الإشكالية. لأنها تضع فكرها فوق القانون والدستور. تؤمن بالتعددية والديمقراطية كوسيلة للوصول إلى الحكم ومتى تحقق لها ذلك فإنها تعمل على إجهاض الدستور وتلغيه. عندها الأقليات الدينية تعامل كرعايا وليس كمواطنين، وتلغى الأحزاب السياسية.

عندما لا ينجح الحوار الوطني نلتمس طريقنا من خلال الحوار الديني لحل قضايانا العالقة.
حوار الأديان ولد نتيجة فشل في العلاقات بين أفراد الوطن الواحد. لم يستطع خلالها طرف من التكيف مع طرف أخر بسبب الاندفاع الديني الذي جاء نتيجة فشل الإيديولوجيات ...والقوميات من بناء مجتمع ديمقراطي تعددي في العالم العربي .النداء الديني أقوى في مجتمع أمي جاهل فقير عنه من مجتمع مثقف.

فشلنا في توظيف وتوجيه الرسالة الدينية من محبة وتسامح وفهم واحترام الأخر الذي يشاركنا الوطن لعلل ذاتية في نفوس البعض كان السبب المباشر للبحث عن طريق لتقارب وجهات النظر. فشل كل طرف في إيصال رسالته الإنسانية في دينه للأخر، وعدم فهمه ومعرفته وقراءته للرسالة الإنسانية في الكتاب المقدس للأخر كان السبب وراء الحوار. بالرغم عن مضى 1400 سنة لدخول الإسلام، و2000 سنة لدخول المسيحية، و3250 سنة لدخول اليهودية إلى الشرق فان كافة الأطراف منغلقة عن التعامل مع الأخر. المجتمع الفكري الناضج يحتاج إلى تفعيل القانون ووضع الدستور فوق الجميع وليس الاختباء تحت مسمى الحوار الديني.

هناك مذاهب ومدارس وأحزاب وجماعات تأسست على فكر ديني. كل منها يري انه يمثل الحقيقة ، والأفضلية له فيما يطرح من مبادئ لتحريك وتسيير المجتمع بالرغم من ارتباطها كلها بالكتب المقدسة. فان منهاجها تختلف. في المسيحية هناك مرجعية وهرمية لرجال الدين فلا يستطيع رجل دين أن يفتي كما يهوى. في الإسلام المرجعية والهرمية غائبة لذلك يتمتع رجال الدين بالإفتاء. المسيحيون كذا المسلمون الخ... لا يشكل كل منهم معسكر خاص به. لان البشر وعلى أي دين لهم اهتماماتهم ويقيمون أحزاب على أسس أيديولوجية وليس عقائدية. لذلك الأحزاب الدينية تشكل جزء من مكون المجتمع وليس المجتمع كله.

لذلك أرى في حوار الأديان مضيعة للوقت وللجهد وللمال... يجتمع أشخاص على مستوى فكري، وثقافي، وأكاديمي، وعقائدي وديني عالي لوضع برنامج يسعون من خلاله للوصول إلى حلول مستعصية، أصبحت تشكل خطر على تماسك النسيج الاجتماعي....تعقد جلسات المؤتمر ويناقش ما يطرح. وبعد انتهاء الجلسة الأخيرة يخرج الحضور بتصريح، ببيان ختام خط وحرر مسبقا. وتخرج بتوصيات وقرارات ينقلها رجال الإعلام والصحافة، عسى أن تصل إلى السلطة الحاكمة لدراستها ونشرها. للأسف وان وصلت لها، توضع في حجر سياسي لسنين طويلة، فلا تصل إلى رجل الشارع، ولا إلى وزارة التربية والتعليم كي يتم إقرارها كمادة دراسية لتعريف المواطن بها....وتستمر المأساة.

نتحاور من اجل التقارب. فلو جاء في تعاليم أدياننا ما لا يفرق لكنا بعيدين عن خرافة الحوار. عندها تكون الدعوة نابعة من عمق وجوهر الدين الموجه نحو احترام عقيدة الأخر وراءيه. الحل يأتي من خلال الدولة لأنها لجميع المواطنين وليس من رجال الطوائف. الدولة التي يتمتع فيها كل مواطنيها على اختلاف مشاربهم الدينية والسياسية بالمساواة والحرية. فإنها تقدم الحصانة للجميع. ولا تحتاج إلى رجال دين يركضون بحثا عن حلولا أمنة لرعياهم.

الحوار لا معنى له إن لم يستطع الخروج من نتيجة مفادها : " أن العيش المشترك بين المواطنين- أحزاب وطوائف ومذاهب- ممكن". في غياب الدولة وسلطتها يجري البحث عن حوار ديني كبديل للحوار الوطني. ندعى الانفتاح ونروج له. مسعانا أن نقلل من تخوف الأخر بالنفاق والكذب المنمق. نتحاور من اجل تأكيد وتثبيت جذورنا في أرضنا على مستوى الوطن. وإيجاد وسيلة عيش مشتركه. لا نكون بحاجة للحوار، عندما نعامل جميعا على مستوى الوطن كمواطنين متساوون في الحقوق والواجبات. يكون الحوار فعالا عندما لا نفرق، لا نميز، ولا نربط بين العقيدة والايدولوجيا. وعندما لا يكون دين للدولة..



عند الشعور بالخطر كالعادة نشجب ونستنكر وندين هذه المفردات دمرتنا ماضيا ، وحاضرا وستدمرنا مستقبلا أيضا. لنركز عن ما يجمعنا وليس ما يفرقنا. أن نختزل ما نؤمن به لنلتقي مع الأخر. الممارس نوع من النفاق العاطفي الذاتي. أن كان ما يفرقنا يكفرنا. فكيف يمكن أن نخرج من هذا المأزق الذي يضيق يوما بعد يوم. إن لم يخدم كل طرف الأخر فباطل هو عيشنا المشترك.


إذا كان الهدف جسر الهوة التي تفرق بين فقه وفقه، لاهوت ولاهوت....فاني أصر وأقول أن هذا لا شائن له بالمواطنة. لنركز على جوهر الدين وتعاليمه الني هي قيم وأخلاق وسلوك عدالة ومساواة ،فالإنسان لا يختلف عن الإنسان في تركيبه البيولوجي ولكن يختلف عنه في استعمال العقل نحن نخرج عن المألوف والجوهر الإنساني إن تشيعنا...اذا كان المقصود من الحوار الديني هو البحث عن من يمكن أن يتعاطف معي خلال ضعفي، لان الدستور لا يحميني، فهذه مصيبة .


الطبيعي أن يكون هناك انفتاح وليس حوار. وجود الحوار دليل أزمة داخل الوطن الواحد. المجتمع يحتاج إلى حلول وليس إلى ترقيع الواقع. لا ننكر بان هناك اختلاف ولولا وجود الاختلاف لكان البشر أصحاب مذهب واحد. لا يمكن لأي طرف أن يتخلى أو ينكر ما يؤمن به... فلماذا لا نسعى كلنا، الإجماع على كلمة حق يلتف حولها الجميع وتلتئم شملهم. جميعا ضمن هوية وطنية من اجل الوقوف أمام الساسة وتغليب فكرة العلمانية من اجل فرض السيادة والعدالة والحرية الدينية. لنتحاور على المستوى الوطني وليس الديني بأفضل ما عندنا دون الاستهتار وتكفير تعاليم الأخر. واجب الدولة حماية كل مواطنيها.بذلك تكون دولة لكل المواطنين بغض النظر عن انتمائهم العقائدي أو الإيديولوجي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي


.. كاتدرائية واشنطن تكرم عمال الإغاثة السبعة القتلى من منظمة ال




.. محللون إسرائيليون: العصر الذهبي ليهود الولايات المتحدة الأمر


.. تعليق ساخر من باسم يوسف على تظاهرات الطلاب الغاضبة في الولاي




.. إسرائيل تقرر إدخال 70 ألف عامل فلسطيني عبر مرحلتين بعد عيد ا