الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقاربة بين الله و الصفر

الطيب عبد السلام
باحث و إعلامي

(Altaib Abdsalam)

2015 / 6 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


بين الله والصفر

ان اشكال الوجود من وجهة نظر الفلسفية يحتاج الى تعريفات وفرضيات معرفيه تبرره و تحلله و تفسره بغرض اعطاءه تلك القيمة المعرفية وبالتالى التعامل معه كأمر حقيقي الحدوث و ذو ماهية.
ولعل ذلك السؤال الازلي الذي اقام امما و حضارات واباد اجناسا وثقافات ما انفك يراود الانسان ويشغله ويبقيه حائرا خائفا ضعيفا او قويا مستكبرا جبارا...
من الذي فعل كل هذا؟؟

في حال حديثنا عن هذه القيمة
الخالقه من وجهة نظر تاريخانية فأن ذلك سيعيدنا مباشرة الى علوم "الميثيلوجيا" و نظيرها المادي "الاركلوجيا" و في حال الحديث عنها من وجهة نظر علمية حسابية فأن ذلك يضعنا مباشرة امام محاولات البرت انشتاين حول نظرية " الكل شئ" و تتدرج لتختلف نسبة هذه القيمة الخالقه الى كل أنسان حسب حوجته و مقدرته فالله بالنسبة للمزارع هو الذي سينزل له المطر و بالنسبة للمريض هو الذي سيشفيه و بالنسبة للمقاتل هو الذي سينصره.....

يقودني هذا مباشر للاعتراف الكامل بوجود تلك القيمة المؤثرة في حياتنا و تفاصيلها، ولنتفق على تسمية تلك القيمة ب "الله" وهي المعادل السيميولوجي لقيمة المؤثر الكلي في ثقافتي العربو اسلامية.
اذا فالله هو المعادل الرمزي الوصفي لقيمة المؤثر الكلي او " الخالق" بمعنى ان قيمة المؤثر الكلي محفوظة بوضعها في خانة المدلول السيميولوجي الذي ذكرناه سابقا.
و الجميع يعلم ان هذه القيمة ليست ذات وجود مادي محسوس يمكن الاشارة اليه عينا والقول بأن هذا الكيان هو كيان المؤثر الكلي.
و الخطاء القاتل الذي يقع فيه الجميع هو الربط المباشر بين فكرة الانتفاء الحسي للمؤثر الكلي و فكرة انعدامه و فنائه ،و لأجل هذا الربط القاتل افنت البشرية زهرة حضارتها و مواهبها العقلية اما دفاعا عن هذا الربط او نفيا له.
فلنتأمل ذلك الرقم الرائع الجميل صاحب كل هذه الافعال الساحرة في حياتنا و صاحب تلك النقلات الحضارية الكبرى في وجودنا...هذا الرقم الذي يجلس الأن في احد شطاءن الساحل الغربي لأمريكا واضعا نظارته الشمسية على عينيه و كأس ليمونادا بارد امامه و فتاة بلون الرمل الاسمر تستلقي بجواره مرتدية لباس البحر الاحمر المثير.

لولا هذا الرقم الغامض المغامر الجميل الوسيم الفتي الرائع المثير المؤدب المطيع الابدي لكنا نحن الأن في خبر كان ولما سارت السيارات ولما دارت العجلات ولما تحركت المصانع و لتتخيلوا معي ذلك الشاب الخجول الذي يتحدث في الهاتف مع حبيبته المتغطرسه ماذا لو اختفى هذا الرقم فجاءة من الوجود، بلا شك فأن الفتى سيبكي حتى الثمالة و قد فقد الاتصال فجاءة بحبيبته و الكثير من الكلمات والافكار الخجولة كانت تنتظر دورها في القول.
ماذا لو أن هذا الرقم اختفى فجاءة من الحياة...لحظتها فأن كل شئ سيحدث في ذات اللحظة او لن يحدث الى الابد.

دعونا الأن نقلب المستندات الشخصية لهذا الرقم ونعرف سيرة حياته العامرة لدى كل الشعوب
و من ثم نجري ربطنا المباشر بين الله والصفر :
فلنغمض اعيننا و لنستمع الى هذه الحكاية القديمة المصحوبة بذلك اللحن التاريخي القديم...

أصـل الرقم صفر
اختلف المؤرخون في أصل الصفر ومنبته : فرجح أكثرهم أنه هندي الأصل . كما أن العلماء السابقين الذين تكلموا عن الأرقام الهندية والحساب الهندي ، ذكروا الصفر ضمن كلامهم في هذا المقام . وقد زعم البعض أن كلمة الصفر العربية هي تعريب لكلمة الصفر الهندية (شونيا (Sunya = ، وليس هذا بشيء . وقد ومال البعض إلى أن الصفر ربما كان من اختراع الإغريق أو الرومان ؛ لأن جداول بطليموس الفلكية - التي كانت في القرن الثاني الميلادي - فيها إشارة للصفر ، كما أن بعض المخطوطات العربية في الحساب تتكلم عن الصفر الرومي . إلا أن منهم من اقتصر على نسبة صورة الصفر الدائرية للإغريق دون اختراع أصل الصفر ، وذلك لأن الصفر من ابتكار الحضارة البابلية ، وزعموا أن الهنود أخذوا الشكل عن الإغريق . وذهب البعض كما في الفقرة السابقة - إلى أن الصفر من صنع الحضارة البابلية : فالبابليون لم يستعملوا رمزا للصفر ، لكنهم تركوا مكانه فراغاً إلى أن كان آخر عهد الكَلدانيين فجعلوا للصفر رمزا مميزا .
ورأى بعضهم انه من وضع عربي ومنهم من جنح إلى أنه صيني الأصل . لكن دُفع بأن الصينيين إنما اقتبسوا الصفر من الهنود أو العرب.
يعد الصّفر أوّل الأعداد وأكثرها تبسيطا وأشدها شهرة ودهشة واستعمالا وأهميّة وروعة . وفي الحقيقة ، يمتاز هذا العدد بمزايا خاصّة استثنائيّة لا يتمتّع بها أيّ عدد آخر ، إذ بعد انتهاء العدد تسعة ، تستعين الأعداد بالصّفر من أجل دورة جديدة ، وحين يصل العدّ إلى التّسعة عشر ، يتدخّل واحد ثان مع الصّفر ، من أجل ابتداء دورة جديدة ثانية . من هنا ، الصّفر بعد أزليّ ، وهو أساس الخلق ، والسّر الذي ترتكز عليه كل الأعداد ، وإليه تعود في النهاية لتتنامى وتعظم . لذلك يرمز الصّفر إلى الاستمرارية ، منه يبتديء كل شيء ، وفيه ينتهي كل شيء ، ويستحيل على الأعداد الاستمرار من دونه .

الصّفر عند العرب
يعتبر الخوارزمي من أبرز علماء العرب والعالم في الرياضيات ، وقيل إنه هو الذي ابتكر الصّفر وجعله عددا مهما في العمليات الحسابية . واستعمل العرب النقطة لتدلّ إلى الصّفر ، وبيّنوا دوره في العمليات الحسابية ، وأهميّته في تحديد مراتب العشرات والمئات والألوف . ويقول الخوارزمي : (في عمليات الطّرح ، إذا لم يكن هناك باق نضع صفرا ولا نترك المكان خاليا لئلا يحدث لبس بين خانة الآحاد وخانة العشرات . ثمّ إنّ الصّفر يجب أن يكون من يمين العدد ، لأنّ الصّفر من يسار الاثنين ، مثلا – 02 – لا يغيّر من قيمتها ، ولا يجعلها عشرين) . وساعد الصّفر في تسهيل المعادلات الجبريّة والحسابية . وعن العرب انتقل إلى أوربا . وكان العرب نقلوا الأعداد ، بما فيها الصّفر ، من الهند . وقيل إنّ العرب استعملوا الصّفر مكان الفراغ الذي كان الهنود يتركونه للدّلالة إليه

مما ذكر في السرد التاريخي اعلاه لعلنا قد بدأنا نعرف بعض التلميحات لذلك التشابه بين قيمة المؤثر الكلي " الله" و قيمة المؤثر الرمزي " الصفر".
و لقد ظل الصفر لسنوات عديدة عددا غير معترف به بل وقد صرح ابن الياسمين الفاسي بذلك في قوله : "لأن الصفر ليس بعدد ، وإنما يدلك على ما بعده إذا كانت المنزلة فارغة"....

و الصفر المسكين في ذلك الوقت لم يجد من يدافع عنه لأنه لم يدخل بعد في النظام الحياتي البسيط البدائي الذي كانوا يعيشون به حتى مجئ الثورة الصناعية حيث تغير و جه كل شئ....حتى السماء.
اليوم من يجروء ان يقول لشخص ان الصفر لا قيمة له...في لحظات سيجد كل صواريخ العالم و مدافعه في وجهه.... ان لم يوصف على اقل تقدير بانه يحتاج الى دروس لمحو الامية التقنية التي يعاني منها.

تحدثنا في هذا المقال الطويل عن الله و عن الصفر كل على حدة لكن الاجابه الواضحة النهائية المباشره التي سنحصل بموجبها على العلامة الكاملة ما زالت غامضه.
انها لحظة الحقيقة......

ان القيمة الكلية المؤثرة هي منتفية الوجود الحسي كما ذكرنا انفا...ذات الشئ ينطبق مع قيمة المؤثر الرمزي... و لا احد يستطيع نفي تأثير القيمة الكلية المؤثرة على الحياة بذات القدر فأنه لا احد يستطيع ان ينفي تأثير قيمة المؤثر الرمزي على الرغم من استحالة الامساك به حيا.

اتفقنا ايضا ان القيمة الكلية المؤثرة تطورت و تدرجت في درجات التطور الميثيلوجي حتى صارت معنى واحدا تتعدد مسمياته و ان الاسم هو حفظ لخانة العدم الحسي ذو التأثير الكلي وذات الامر ينطبق على المؤثر الرمزي.....
الاجابة النهائية اذا هي :

ارفعوا القناع عن وجه القيمة الكلية المؤثرة و القيمة الرمزية المؤثره لتعرفوا وجوه من تختبئ تحتها.

********
اغسطس-2013








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجماعة الإسلامية في لبنان: استشهاد اثنين من قادة الجناح الع


.. شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية




.. منظمات إسلامية ترفض -ازدواجية الشرطة الأسترالية-


.. صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها




.. كاهنات في الكنيسة الكاثوليكية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24