الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المصالحة الوطنية الحقيقية ....... الطريق الصحيح لإستقرار العراق

داخل حسن جريو
أكاديمي

(Dakhil Hassan Jerew)

2015 / 6 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


المصالحة الوطنية الحقيقية
الطريق الصحيح لإستقرار العراق
أ.د. داخل حسن جريو
عضو المجمع العلمي العراقي

منذ غزو العراق وإحتلاله عام 2003 وحديث الأوساط السياسية في العراق ما زال مستمرا حول المصالحة الوطنية, دون أن يحدد أحدا ماهية هذه المصالحة ومفهومها ,والجهات المقصود مصالحتها , وكيفية إجراء هذه المصالحة,إذ يفترض أن تكون هذه المصالحة بين جهات فاعلة ومؤثرة في أوساطها السياسية ومحيطها الإجتماعي,وليس بين قوى هامشية وشخصيات عشائرية لا قيمة لها, ويفترض إستعداد جميع القوى الساعية للمصالحة, تقديم تنازلات متبادلة عبر حلول وسطية لتذليل جميع المشاكل من أجل مصلحة العراق العليا .
شكلت الحكومات المتعاقبة التي توالت على حكم العراق منذ عام 2003 وزارة لهذه المصالحة المنشودة, فضلا عن قيام الحكومة الحالية تكليف أحد نواب الجمهورية بمتابعة ملف هذه المصالحة التي يتحدث عنها الجميع بماسبة وبدونها.شكلت لجان وعقدت ندوات ومؤتمرات في مكة المكرمة والقاهرة وبغداد وأربيل وبعض دول الجوار برعاية جهات مختلفة بضمنها جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي, لبحث ملف المصالحة الوطنية كل حسب مرئياته , وبمشاركة قوى إقليمية ودولية أحيانا ممن لها علاقة بالشأن العراقي ولها مصالح وإرتباطات بهذه الجهة أو تلك , وأنفقت ملايين الدولارات للترويج لهذه الندوات والمؤتمرات, وبرغم كل ذلك ما زلنا نسمع جعجعة ولم نرى طحينا,حيث لم تثمركل هذه الجهود عن أية نتيجة تذكر,بل إزدادت الأمور تعقيدا حيث تصاعدت حدة الصراع بين الكتل السياسية المشاركة في العملية السياسية القائمة حاليا في العراق فيما بينها من جهة , وبينها وبين القوى المعارضة للعملية السياسية من جهة أخرى إلى حد الإحتراب وتصاعد العمليات الإرهابية التي أدت إلى إحتلال ثلث الأراضي العراقية.
هنا نقول أن من يريد تحقيق مصالحة وطنية حقيقية لا بد أن يقر بثوابت وطنية محددة يجمع عليها كل من ينشد هذه المصالحة بإخلاص, ومن هذه الثوابت الآتي:
1. أن العراق بلد متعدد القوميات والأديان والطوائف , يتعذر حكمه من قبل أية قومية أو دين أو طائفة بعينها, تحت أي ظرف أو أية ذريعة.
2. أن العراق تتشابك فيه القوميات والأديان والطوائف, لدرجة يصعب فصلها عن بعضها في الكثير من مناطقه, وبخاصة في محافظات بغداد والموصل وكركوك وديالى وصلاح الدين.
3. أن العراق وحدة جغرافية مترابطة مع بعضها , تعتمد كل منطقة على ثروات المناطق الأخرى ,فالثروة النفطية مثلا تتركز في جنوب العراق, بينما تتركز الموارد المائية في شمال العراق, وهو أمر يؤكد حاجة كل طرف إلى الطرف الآخر , مما يحتم ضرورة التعايش والعيش المشترك لمصلحة الجميع.
4. أن العراق الحديث الذي تشكل من ولاية بغداد والجزء الأعظم من ولايتي الموصل والبصرة بعد إنسلاخه من الدولة العثمانية وتخلصه من الإحتلال البريطاني عام 1921, ليس كيانا مصطنعا أوجدته المصالح الإستعمارية البريطانية كما يزعم بعض دهاقنة المستعمرين وتروج له بعض الأقلام المأجورة , فالعراق كان موجودا منذ الأزل , مهدا لأقدم الحضارات التي عرفتها البشرية , وشواخصها ما زالت قائمة حتى وقتنا الحاضر, برغم بكل ما حل بالعراق من ويلات ونكبات , كان آخرها ما قام به تنظيم داعش الإرهابي من تدمير بعض معالمها في الموصل ومناطق أخرى على مرأى ومسمع العالم أجمع دون أن يحرك احد ساكنا . عرف العراق خلال عصور ما قبل الميلاد ببلاد النهرين باللغة الأكدية بمعنى أرض الأنهار, ومنها اشتقت التسمية الإغريقية" ميسوبوتوميا" والتي تعني ما بين الأنهار.أما تسميته الحالية فتعود إلى حوالي القرن السادس الميلادي، ويعتقد أن أصل التسمية تعود إلى تعريب لمدينة أوروك (الوركاء) السومرية.
5. أن الحديث عن إتفاقات سايس بيكو سيئة الصيت التي قسمت بموجبها البلاد العربية بين المستعمرين البريطانيين والفرنسين لا تعني العراق فقط, بل عموم البلاد العربية التي كان شريف مكة المكرمة الحسين بن علي يطمح لتوحيدها في دولة عربية واحدة ,وهي بحد ذاتها لم تنشأ العراق الحديث, بل فصلته عن البلدان العربية الأخرى , وقامت بتتويج الأمير فيصل أبن الحسين ملكا عليه عام 1921 عبر إستفتاء شعبي أجراه البريطانيون, ووضعته تحت الإنتداب البريطاني حتى عام 1930, ودخوله عصبة الأمم ليكون بذلك أول بلد عربي ينال عضويتها , بينما إستمرت بلدان عربية كثيرة ترزح تحت نير المستعمرين سنين طويلة.
6. أن الديمقراطية بمفهومها الصحيح لا تعني هيمنة قومية أو دين أو طائفة , أوتهميش أو إقصاء الآخرين من القوميات والأديان والطوائف الأخرى على الإطلاق, بحكم كثرتها العددية, في ظل غياب أحزاب وطنية شاملة لجميع القوميات والأديان والطوائف.
7. أن العراق وطن الجميع , وهو أمر يستلزم ضمان حقوق جميع أبنائه بالعيش الكريم والتمتع بخيراته,ومشاركتهم جميعا ببنائه كل حسب مؤهلاته وقدراته.
8. لا يجوز قيام نظام سياسي على أساس التمايز العرقي أو الديني أو الطائفي تحت أي مسوغ.
9. تحريم حمل السلاح من قبل أية جهة كانت تحت أي مسمى أو أي ظرف كان, وأن يكون حمل السلاح حصرا بالقوات المسلحة العراقية بصنوفها المختلفة من جيش وشرطة وقوات أمنية.
10. أن تكون القوات المسلحة العراقية شاملة وجامعة لعموم الشعب العراقي وحامية لأمنه وإستقراره وحمايته من أي عدوان خارجي أو أي تمرد مسلح داخلي,وأن لا تكون هذه القوات مسيسة لحساب أية جهة كانت بحيث تكون خارج الصراعات السياسية في جميع الظروف والأحوال.
11. نبذ كل أشكال العنف والتطرف الفكري والقومي والديني والطائفي , ومحاربة الإرهاب تحت أي مسمى كان.
12. إسدال الستار على كل مآسي الماضي والحاضر وتركها لذمة التاريخ.
13. إبطال جميع القوانين التي تمس كرامة المواطنين أو تهدر حقوقهم أو تصادر حقوقهم السياسية.
14. محاسبة الفاسدين والمفسدين والراشين والمرتشين وناهبي المال العام أو الخاص في إطار القانون المدني العام.
15. إشاعة ثقافة القانون المدني ليكون الفيصل في جميع قضايا المواطنين , ومنع العمل بقوانين العشيرة أو القبيلة البائدة التي أكل عليها الدهر وشرب.
16. أن دستور البلاد قد أعد وأقر في ظروف إستثنائية شاذة أثناء فترة الإحتلال , دون مشاركة قطاعات واسعة من الشعب برغم إقراره في إستفتاء شعبي من غالبية الشعب , مما يستلزم إعادة نظر جادة وشاملة في بنود الدستور ليكون أكثر تعبيرا عن واقع العراق السياسي وتأكيد إنتمائه الإقليمي والدولي.
17. التوزيع العادل للثروات , وتوظيف موارد العراق لتنمية جميع مناطقه تنمية مستدامة.
18. التداول السلمي للسلطة عبر صناديق الإختراع , والفصل الواضح بين مفهوم الدولة والحكومة , وتعزيز الفصل الواضح بين السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية.
19. تحريم الإستقواء بالأجنبي تحت أي ظرف كان ولأي غرض كان.
20. إقرار قانون وطني لتنظيم الأحزاب الوطنية .
لهذه الأسباب جميعا نرى أن العراق بلد أصيل لم ينشأ في ظروف طارئة على الإطلاق , وأن تكوينه أشبه ما يكون بتكوين المركبات الكيمائية التي يصعب فصل مكوناتها عن بعضها , ذلك أنها ليست خليطا هجينا من مكونات يسهل فصلها عن بعضها . لذا فأنه ليس أمام العراقيين بقومياتهم وأديانهم وطوائفهم المختلفة, إلاّ التوحد والتفاهم والتعايش السلمي فيما بينهم, لينعم الجميع بخيراته في أمن وأمان, دون تهميش أو إقصاء لأحد.
وإذا ما أقرت هذه الثوابت الوطنية , فإنها ستكون مدخلا لمصالحة وطنية حقيقية شاملة لجميع العراقيين بمختلف أعراقهم وأديانهم وطوائفهم , وضمانا لوحدة بلادهم , وحقنا لدمائهم الزكية إذا ما خلصت النوايا وتصافت القلوب والعقول. يقصد بالمصالحة الوطنية هنا التوافق الوطني الذي يستهدف تقريب وجهات نظر الجهات المختلفة ونبذ التطرف والتشنج بين اطرافها المتصارعة , بعد أن آل ما آل إليه حال العراق من تشرذم وإنقسام وهدر لثرواته وممتلكاته وإزهاق أرواح النفوس العراقية البريئة , وبات مرتعا للإرهاب الدولي وساحة لتصفية الحسابات بين قوى محلية وإقليمية ودولية لا يهم أي منها سوى مصالحها الذاتية دون أي إعتبار لمصالح العراق وأهله ,الذين أصبحوا مشردين في بلادهم وبلدان العالم المختلفة , بعد أن كانوا كراما أعزة في بلادهم ,وقناعة جميع الكتل السياسية بتعذر فرض رأي أو وجهة نظر أي منها على الكتل الأخرى .
المصالحة الوطنية شرط أساسي لإعادة بناء العراق على أسس قانونية وديموقراطية سليمة, وتتطلب العفو عما سلف في حدود الشرع والقانون وضمان حقوق ممن لحق بهم الضرر. ولعل لنا في السيرة النبوية الشريفة خير مثال , عندما عفا النبي محمد صلى الله عليه وسلم بعد فتح مكة,عمن آذوه بمن فيهم قاتل عمه الحمزة الذي أطلق سراحه ومعه كل من عادوه وحاربوه بمن فيهم زعيم قريش أبو سفيان. وفي العصر الحديث تعد تجربة الزعيم الأفريقي البارز نيلسون مانديلا أول رئيس أفريقي لجمهورية جنوب أفريقيا الذي عانى كثيرا من سياسة الفصل العنصري, وبرغم كل ذلك فقد صفح عن جلاديه العنصريين , حيث أعاد بناء جمهورية جنوب أفريقيا على أسس ديمقراطية يتمتع فيها الجميع بحقوقهم في إطار القانون,إنموذجا رائعا في التسامح والعفو في إطار مصالحة وطنية حقيقية بين خصوم الأمس والإنتقال السلمي إلى عصر جديد ينعم فيه الجميع بالحرية والعدل والمساواة في إطار القانون.
ويحدونا الأمل أن تسود الحكمة ورجاحة العقل لدى الجميع بتغليب مصلحة العراق العليا فوق جميع المصالح الفئوية الضيقة , للبدء بحوار وطني حقيقي بين جميع مكونات الشعب العراقي وقواه السياسية الفاعلة,وإسهام مبدعيه ومفكريه ومثقفيه,تحت خيمة العراق الواحد الموحد , بعيدا عن مداخلات القوى الإقليمية والدولية تحت أية صفة كانت, للتوافق على حلول وسط لا يكون فيها هناك غالب أو مغلوب. وبذلك يمكن أن نتطلع إلى مستقبل أفضل لبلادنا ينعم فيها أهلنا بحياة آمنة ومستقرة بإذن الله.
ولا شك أن حوارا وطنيا حقيقيا كهذا لن يكون سهلا ,إذ يتطلب قدرا عاليا من الجرأة والشجاعة ونكران الذات والتسامي فوق كل الجروح والعذابات ,لاسيما من ذوي الضحايا وممن لحق بهم الحيف والظلم والتهميش بصورة أو بأخرى, كما يتوقع أن يسعى البعض في السر والعلن لعرقلته وإفشاله,وإثارة الشكوك حول نواياه بدعوى أن هذه المصالحة تعني المساواة بين الضحية والجلاد ,سعيا منهم أن تبقى نار الفتنة والإحتراب متقدة لتحرق الأخضر واليابس.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بلينكن ينهي زيارته إلى الصين، هل من صفقة صينية أمريكية حول ا


.. تظاهرات طلابية واسعة تجتاح الولايات المتحدة على مستوى كبرى ا




.. انقلاب سيارة وزير الأمن الإسرائيلي بن غفير ونقله إلى المستشف


.. موسكو تؤكد استعدادها لتوسيع تعاونها العسكري مع إيران




.. عملية معقدة داخل المستشفى الميداني الإماراتي في رفح وثقها مو