الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من ذكرى أبي / الجزء الرابع الكفن

علي أحماد

2015 / 7 / 23
الادب والفن


انتشر الخبر في أرجاء القرية همسا ووشوشة وتناقلته الألسنة بين جدران البيوتات الطينية وتحت ظل أشجار الجوز العملاقة.. وحول مواقد النار. مات جدي أو بعبارة أدق من سيصبح جدي ، فأبي عندما مات أبوه كان في سن المراهقة لم يتزوج بعد من هي الآن امي .
ترك في عنقه امانة رعاية إخوته وجدتي لم تتزوج ابدا ونذرت نفسها لتربية اليتامى... إنتقل أبي الى المدينة . دخل السوق واتجه نحو محل أثواب وطلب من التاجر كفنا وذكر له القرية التي جاء منها يسعى من أجل قطعة قماش ليواري الثرى جثمان الميت و"إكرام الميت دفنه" في جميع الشرائع . امتقع وجه التاجر وقطب بين حاجبيه ورد عليه متهكما :" وهل مات لك مولاي عبد القادري الجيلالي؟".. أقل ما يطمع فيه قطعة قماش بيضاء رخيصة الثمن ذات رمزية دينية وهالة قدسية ولكن التاجر أمعن في إذلاله إذ قال له :" لا أستطيع أن أبيعك الكفن ". كظم غيظه وتساءل في حرقة وهو لا يدري لهذا الرفض سببا مقنعا فهو يذكر أن لا عداوة بينه وبين التاجر. لملم جراحه وأخفى حزنه الذي لم يقدره هذا التاجر المتغطرس وسأله : لماذا تأبى أن تبيعني قطعة ثوب لأدفن الميت ؟
صمت التاجر برهة يفكر وكانت كالدهر، وكلما تأخر أبي في الحصول على الكفن ضاقت به الدنيا ذرعا وفكر في الذين ينتظرون عودته ..جسد الميت المسجي في غرفة مظلمة والأم المكلومة وإخوته الصغار وأبناء عمه والأهل الأقربون. هل بلغت سطوة القائد هذه الأرجاء البعيدة فلا عزاء ولا مواساة ولا كفن أيضا...بادر أبي التاجر بالقول " إن ثمن الكفن معي وسأسدد المبلغ نقدا" . أحس التاجر أنه محاصر بأسئلة محرجة لابد لها من جواب حاسم ووضع حدا لتردده واعترف وهو يداري خجله " إني أخشى غضب القائد وقد يعرضني لسوء إذا لبيت طلبك".. تهاوت آخر الفرص للحصول على كفن فالتاجر لن يردخ لتوسلات أبي ولن تجدي دموعه حزنا على الفقيد نفعا فمن يستطيع أن يأمر الناس بمقاطعة الأسرة قادر على زرع الرعب في قلب تاجر قماش...
عاد ابي الى القرية ومعه الكفن فقد تناهى الى علم القائد قصة التاجر مع ابي كما نقلتها عيونه وغضب واصدر اوامره المطاعة ونفذها التاجر في الحال . لم يحضر اهل القرية جنازة جدي ولم يقدموا واجب العزاء، ولكن عزاؤنا ان جدي مات وحيدا ، ولكنه عاش في الذاكرة الجمعية شجاعا لقريته ورمزا للنبل والشجاعة وصوتا معارضا وعنوانا بارزا لمرحلة طغى فيها قواد الإستعمار وعاثوا في الأرض فسادا...غادر أبي القرية ليبحث عن عمل ليعول إخوته وأمه ويهرب مكانا تنكر له فيه أهل القرية جميعا.....وخيرا فعل وإلا كان كاتب هذه السطور راعيا للغنم....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع