الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأم طوعة العراقية

ناهده محمد علي

2015 / 7 / 27
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


في كل مجتمع وأحياناً في كل بيت من يتسم بالخير أو الشر , وليس هناك قطعاً شراً أو خيراً مطلق . قبل سنوات قليلة كنت على تواصل مباشر مع الكثير من النساء العراقيات , رأيت فيهن قوس قزح مختلف الألوان , منهن ذات اللون الحاد ومنهن ذات اللون اللطيف , بينهن من يعالج الناس بلا مقابل ثم تُقتل بالشوارع المظلمة , ومنهن من تمد يدها للرشوة لتستلم أتعابها الجنائية وهي القاضية , ورأيت طالبات جامعيات وهن يشترين أسئلة الإمتحانات ويدفعن ثمن اطروحة التخرج , ورأيت أيضاً من جعل مهنة الصيدلة محطة لبيع الأدوية الفاسدة , ورأيت من تفتح دكاناً للتنجيم والشعوذة , لكني رأيت أيضاً من تعول أطفالها اليتامى من خدمة البيوت والمدارس وتسكن بيتاً من الصفيح لا يقيها الحر ولا البرد , وسمعت عجباً عن إمرأة تفجر نفسها بين المصلين أو بين فقراء الباعة والبنائين , ثم رأيت من هن فخرُ لأمتهن , طبيبات يخصصن أياماً لمعالجة الفقراء مجاناً , ورأيت أيضاً قاصات مبدعات لم يوقفهن الصراع اليومي ومجرى الدم عن أن تكتب أجمل أحلامها عن العراق , وقد قالت لي حين سألتها لِمَ لا تغادرين ؟ , قالت : إن بغداد هي أجمل مدينة في العالم ولن تفارقني أبداً .
رأيت نساءً يحملن راية الفكر الأكاديمي الأصيل ولا يتاجرن بما يحملن , ورأيت أيضاً نساءً يعانين من أمراض مختلفة وأحياناً مستعصية , يذهبن للعمل إلى مؤسساتهن ثم يعدن يخدمن في بيوتهن بلا شكوى أو ألم , قالت لي إحداهن هناك من هن أسوأ حالاً مني وأنا أطبخ يومياً طبخاً إضافياً لإحداهن وهي متسولة وتُعين ستة أطفال , إمتهنت التسول حينما رفض إخوتها إيواءها مع أطفالها .
عدت بعدها إلى مهجري وصحوت ذات يوم لأجد في بريدي الألكتروني فيديو لإمرأة تُعد نموذجاً رائعاً للأم العراقية , كانت هذه المرأة من مدينة تكريت ومن منطقة العلم بالتحديد , قامت هذه المرأة المُسنة بإنقاذ وحماية العديد من الشباب الذين نفذوا من الإعدام الجماعي في مجزرة سبايكر من قبل تنظيم داعش , قامت هذه المرأة بإخفاء هؤلاء الشباب في بيتها وتضييفهم ثم ترحيلهم في الوقت المناسب إلى مدينة كركوك بحماية شباب عائلتها من خلال سيارات الحمل التي يمتلكونها . كان معظم الشباب الهارب من سكنة الجنوب أي أنهم من الشيعة , وهذه المرأة هي من السنة , لم تفكر هذه المرأة ولا للحظة بالطائفية وكل ما فكرت به هو أن هؤلاء هم أولادها وأولاد الوطن ولا يحق لأحد أن يسلب شباب هذا الوطن حياته . بعد فترة عاد هؤلاء الشباب إليها بعد أن هدأت الأوضاع لكي يُقَبلوا يديها ورأسها وأسموها ( الأم طوعة ) وهي شخصية تأريخية من مناطق الجنوب يُقال أنها ساعدت على إنقاذ ( مسلم بن عقيل ) , والمهم في الأمر أن نموذج هذه المرأة يضرب المثل الأعلى لقادة البلد الذين يمتلكون اليد العليا ويمتلكون موارده وأرواح أبنائه أو هكذا يظنون , والذين إذا خُيروا ما بين الغنى الفاحش والمُثل العليا إختاروا الأول , والذين إذا ما ماتوا سينساهم التأريخ , ويذكر أحد بسطاء الناس أو بسيطاته , ولا يهم إن كان من أي طائفة أو قومية , ولا إن كان أمياً أو متعلماً , بل الأهم هو أنه كان إنساناً لا يُبدل إنسانيته بشيء ولا لشيء إطلاقاً .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التوتر يشتد في الجامعات الأمريكية مع توسع حركة الطلاب المؤيد


.. ما هي شروط حماس للتخلي عن السلاح؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. استمرار تظاهرات الطلاب المؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمي


.. وفد مصري إلى إسرائيل.. ومقترحات تمهد لـ-هدنة غزة-




.. بايدن: أوقع قانون حزمة الأمن القومي التي تحمي أمريكا