الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صانعة الإبتسامة...قصة قصيرة

جمال حكمت عبيد

2015 / 8 / 5
الادب والفن


" في كل وجه أم... أرى وجه أمي".


مع صوتِ أذانِ الفجر ِكان العجينُ مختمراً، راحت تُسعر النار في التنّور المركون عند مؤخرة باحة البيت، وتعمل مِنْ العجين قطعاً بحجم الكرة الصغيرة، تضعها على الصينيّة المغطاة بالطحين، ثم تلتقط الواحدة تُلوَ الأخرى، تُقلبها بين راحتّي يديها، تمدّها وتلصقها على جدار التنور المستعر من الداخل فيصير خبزاً... رائحته تفوح في المكان، تذهب صوب الأطفال النائمين في صف واحدٍ على فِراشها القديم، الذي حاكه الندّاف لها يوم عُرسها، وصار مرتعاً لخرائط بول أولادها بعد وفاة زوجها ، رامين فيه أحلامهم وهُم نيام.. يختلط عليهم الحلم مع رائحة الخبز ..يتمغَّطون في الفراش، وتنبعث الطمأنينة في أساريرهم لكونهم ضمنوا عيشهم ليوم آخر..
حتى انتهت مِنْ صُنع الخُبز، غطّته بقطعة من القماش وركِنَتهُ جانباً.. ثم تأهبت ووضعت عِمامة ثقيلة على رأسها ملفوفة من القماش اسمها بالعامية ( وكَة) تحمي بها رأسها ،وعلى العِمامة وضعت طَّسْتاً وضعت فيه ثلاث (تنكَات) من الصفيح الفارغ، وذهبت مسرعة بهما الى محطة بيع الغاز والنفط الأبيض.. سارت مع خطوط الفجر الحمراء في الأزقة ، عبرت جسر الأحزان الذي اعتادت العبور عليه كل صباح، نحو الصوب الآخر، تشق الطرقات المُوحشة، حتى وصلت الى المحطة وأخذت دورها في الطابور الواقف هناك ..حيث زحمة المكان بمن سبقوها، واكتظاظ الفقراء فيه، واقفون في الطابور بانتظار فتح أبواب المحطة... بان على وجوههم النعاس وكأنهم كانوا طوال الليل واقفين في نفس المكان لكنهم صابرين على رزقهم هذا، ساعين الحصول على لقمة عيش حلال، شريفة.. يُوفِّرون الدفء لمنازل الآخرين ليحصلوا فيها على لقمة عيشهم ...اثناء وقوفها الطابور التفتَ الشاب اليها ورأى خطوط العمر قد صنعت ودياناً واخاديداً في وجهها، وعلى جبينها، قال لها: تقدّمي أمامي يا أمي خذي مكاني، وتأخذها عِزتها قائلة له: لا يا بُني أنت من جاء قَبلي، ويُقسم ان تأخذ دوره. تأخذه ويقف خلفها، وتصبح خلف شاب آخر اعتاد على هذا، لا يضع الحَرَج أمامه، التفت اليها وعاد برأسه ...هذه اللغة اعتادت عليها فهي لغة البؤساء مثلها، صَنَعوها فيما بينهم حفاظاً على عِزتهم وكرامتهم ..انفتحت ابواب المحطة وشرع الواقفون يتداعكون فيما بينهم كي تقصر المسافة بينهم وبين الباب... شرع َعامل المحطة يملأ ما حمله الواقفين معهم من تنكَات، وجالونات، بالنفط الأبيض، الواحد بعد الآخر، حتى أتى دورها، وملأ العامل تنكَاتها الثلاث لها .. وضعت العِمامة على رأسها ثم الطّسْت فوقها تستنجد بالعامل والشاب الواقف جنبها أن يرفعا التنكَات على رأسها .. برَكت على الأرض، بعد ان وضعت التنكُات على رأسها، حبسَت ذيل عباءتها في فمها وعظته بأسنانها، همّت واقفة ترفعُ جسمها النحيل كعمود.. شرعت في السير متحاملة ثقلها، خطوات قليلة خطت ثم مالت ومال النحس عليها تعثرت وانقلب الحمل وفاضت الأرض بأحلامها البسيطة، تنظر الى قوت اولادها وقد وشى الأرض، رائحته كأحزانها انتشرت في هواء المكان ... ويركض نحوها اصحاب الهمم من الشباب يسندوها بأياديهم يساعدوها على الوقوف ويخففون عليها ندبها لِحَظّها...عظُمَ حالها على الواقفين .. صوت يصيح على حسابي ستملأ واحدة من التنكات بالنفط ، وآخر ينافسه ويقول على حسابي الأخرى، حتى ضاع وجه البؤس بفرح الجود الذي احاط المكان.. فُسِحَ المجال اليها وتقدمت مرّة اخرى الى عامل المحطة ملأ لها التنكات بالنفط الأبيض.. ذهبت محافظة على توازنها.. تعود وترجع صوب الطرقات ، حتى تصل الى من يشتريها منها، وتحصل على قوتها...
عادت مسرورة بإنجازها واشترت غموس الصباح لأولادها بعد أن باعتها ، وبعض الحلوى لدكانها الصغير الذي عملّته من حائط بيتها.. تبيع فيه بعض الحلوى لأطفال المحلّة... هذا عملها وهذا رزقها... عند وصولها الى دارها فتحت باب الدار خلسة ، رأت أطفالها وقد صحوا للتو من نومهم وكانوا بانتظارها. ابتسمت اليهم. وصنعت الابتسامة في وجههم، وكأنهم عرفوا فيها ان الخير والأمان جاءا معها








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع