الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إعصار ساحة التحرير يتقدم بسرعة قياسية

حسين كركوش

2015 / 8 / 10
مواضيع وابحاث سياسية





كان عندي ربع مثقال من الشك في قدرة تظاهرات ساحة التحرير على تسديد ضربات موجعة للأيديولوجية الإسلاموية التي يطبقها منذ عشر سنوات الحكم القائم في العراق.
نعم ، كان عندي ربع مثقال من الشك.
أما الآن فقد تيقنت تماما أن هذه التظاهرات سددت ضربات قاتلة و زلزلت الأرض تحت أقدام حراس هذه الآيدولوجية وأدخلت الرعب لقلوب الصقور منهم قبل الحمائم.

اليقين تولد عندي عندما أطلعت على تصريح للسيد صدر الدين القبانجي حول التظاهرات.

سماحة السيد خطيب جمعة النجف صدر الدين القبانجي (هكذا يقدم نفسه) هو سياسي عراقي يضع عمامة على رأسه ويرتدي جبة علماء الدين.
و القبانجي هو أحد أشرس الصقور الذين يرفضون قيام دولة مدنية ، على اختلاف أحزابهم السياسية وطوائفهم.

فقد نشر موقع (براثا) تصريحا لصدر الدين القبانجي ورد فيه ما يلي:
" دعا سماحة السيد صدر الين القبانجي إلى عدم المشاركة بالتظاهرات (الجمعة الماضية) ، معتبرا ان الهدف وراءها هو العودة إلى الحكم اللاديني (و أرجو من القراء أن يتوقفوا مليا عند هذه المفردة).
وقال القبانجي : " اليوم نرى في التظاهرات شعارات ضد الدين والعلماء. وأستنتج "إن الشعب العراقي لن يشارك في هذه التظاهرات لأنه أكثر وعيا وامتثالا لعلماء الدين و المرجعية."

هذا ليس، فقط، كلاما غير عقلاني و غير منطقي ومحض كذب. هذا صراخ هيستري غير مسبوق منذ أثنتي عشر سنة ، سببه رعب حقيقي يعبر عنه القبانجي لأول مرة طوال تلك الفترة السابقة.

وألا :

هل قرأ أو شاهد عراقي واحد شعارات رفعها المتظاهرون ضد الدين ؟
هل قرأ أو شاهد أو سمع عراقي واحد شعارات رددها المتظاهرون ضد علماء الدين ؟

السياسي القبانجي يظن (مثل نظيره وزميله جلال الدين الصغير ، وآخرين كثيرين مثلهم) أنه هو وحده يحتكر الذكاء وأن بقية العراقيين مغفلون ساذجون. ولم يجد القبانجي أمامه غير الكذب ، و التلاعب في الألفاظ لإخافة العراقيين و تأليبهم ضد التظاهرات.
ويبدو أن القبانجي فكر طويلا ثم قال مع نفسه، آه، الآن وجدت التهمة القاتلة: (حكم لا ديني). المتظاهرون يطالبون بعودة الحكم اللاديني.
بالطبع هو يريد أن يقول (حكم مدني أو دولة مدنية). لكنه يعرف جيدا أن الحكم المدني لا يثير هلع العراقيين. و هو يعرف أن العراقيين يعرفون جيدا ، مثله تماما ، بأن الحكم المدني ليس، أطلاقا، حكم (لا ديني).

أما قوله : إن الشعب العراقي لا يشارك في هذه التظاهرات لأنه ( أكثر وعيا وامتثالا للمرجعية) ، فهو العكس ، بالتمام والكمال.
التظاهرات عمت بغداد والمدن العراقية ، بالضبط لأن العراقيين أكثر وعيا.
أما الذي يعصي مرجعية السيد السيستاني ولا يطيع أوامرها ، فهو (سماحة السيد صدر الدين القبانجي إمام جمعة النجف) نفسه وليس الذين يتظاهرون.

أليكم ما يقوله المرجع سماحة السيد علي السيستاني وما يقوله ويفعله صدر الدين القبانجي لنعرف هل التزم القبانجي بوصايا وبإرشادات المرجعية:

يقول المرجع السيستاني : " أما تشكيل حكومة دينية على أساس فكرة ولاية الفقيه فليس واردا."
ويقول : " إن القوى السياسية والاجتماعية في العراق لا تدعو إلى قيام حكومة دينية ، بل إلى نظام يحترم الثوابت الدينية للعراقيين ويعتمد مبدأ التعددية والعدالة والمساواة."
ويقول المرجع السيستاني: " سبق للمرجعية أن أوضحت أنها ليست معنية بتصدي الحوزة العلمية لممارسة العمل السياسي وأنها ترتأي لعلماء الدين أن ينأوا بأنفسهم عن تسلم المناصب الحكومية."
ويقول المرجع السيد السيستاني : "يحرم على الموظفين تجاوز القوانين والقرارات الرسمية."

نسأل: أي عمل يمارسه السيد الخطيب المعمم صدر الدين القبانجي الذي يقدم نفسه عالم دين ؟ أليس هو العمل السياسي ، بالضد من موقف المرجعية ؟
وما العمل الذي يمارسه داخل البرلمان زملاءه السياسيون الذي يضعون العمامة على رؤوسهم ؟ تعليم الصلاة و أمور الشرع ، أم العمل السياسي ؟
إذا أراد القبانجي وزملاءه السياسيون المعممون ، الذين يتحدثون عن ضرورة الامتثال لأوامر المرجعية ، الامتثال فعلا لأوامرها ، فأمامهم الخيارات التالية:

الأول: أن يحتفظوا بعمائمهم وبزيهم الديني و يعودوا ، معززين مكرمين ، إلى حيث أماكنهم الطبيعية في المساجد والجوامع والتكايا والحسينيات ، للإرشاد والوعظ.
الثاني: أن يستمروا في ممارسة العمل السياسي ، لكن شرط أن يتخلوا عن العمامة و زي علماء الدين ، تنفيذا لوصايا المرجعية.
الخيار الثالث هو أن يعلن القبانجي وزملاءه أمام الناس وبصوت واضح ومسموع بأنهم يرفضون الامتثال لوصايا و لأوامر المرجعية ، لكن شرط أن لا يتحدثوا بأسمها و يشوهوا سمعتها.

أما ما تقوله المرجعية ( يحرم على الموظفين تجاوز القوانين والقرارات الرسمية ) فأول ما خرقه (سماحة) صدر الدين القبانجي في أيار من عام 2013.
وقتذاك عرضت أحدى دوائر وزارة الثقافة مسرحية ألمانية لم تعجب القبانجي. وعلى أثر العرض (طالب القبانجي بمحاسبة وزير الثقافة على خلفية استضافة فرقة ألمانية للغناء والرقص). وانتقد القبانجي (صرف أموال الشعب على هذه الفواحش ) محملا وزارة الثقافة ومجلس الوزراء ( مسؤولية هذا التعدي على قيمنا الإسلامية.)
وتسبب صدر الدين القبانجي آنذاك في إقالة مدير عام دائرة السينما والمسرح ( اعتذر لأني نسيت أسم المدير العام الآن ).
دعونا ننسى الآن قوله صرف أموال الشعب على هذه الفواحش) ونفترض أن أموال الشعب لم تُسرق و صرفت طوال السنوات الماضية لخدمة المواطنين.
لكننا نسأل: أليس ما فعله القبانجي خرقا لتعليمات المرجعية ؟ نعم ، هو كذلك.
فما نعرفه هو ان السيد القبانجي لا يشغل وظيفة رسمية في الدولة العراقية. و الذي نعرفه هو ، أن الفرقة المسرحية الألمانية كانت حاضرة بدعوة رسمية من جهة رسمية. وإذا كانت المسرحية خادشة للحياء العام فالأولى بالقبانجي أن يرفع دعوة قانونية ضد وزارة الثقافة ويترك للقضاء أن يقول كلمته.

لكن القبانجي لم يفعل ذلك لأنه يعتبر نفسه أعلى من القضاء وأكبر من الدولة ، ويسمح لنفسه أن يتدخل في قضايا رسمية هي من اختصاص الدولة وحدها. وهذا أمر قد يجوز في دولة ولاية الفقيه لكنه لا يجوز في دولة مدنية أو دولة (لا دينية) كما يسميها القبانجي متلاعبا بالألفاظ.

لماذا لم تفعل مرجعية سماحة السيد علي السيستاني ما فعله القبانجي ؟
هل القبانجي أكثر ورعا وأشد حرصا على الدين والقيم الإسلامية من المرجعية نفسها ؟ يقينا لا.
المرجعية لم تفعل ذلك لحرصها على الالتزام بأقولها ، وهي ترى أن تسيير شؤون الدولة من اختصاص الدولة ومؤسساتها الرسمية وموظفيها.
المرجعية لم تفعل لأنها ترفض وجود (حكومة دينية). وهذا بالضد مما يفعله ويقوله القبانجي.

على هذه الخلفية يطالب القبانجي بعدم المشاركة في التظاهرات.
المرجعية الدينية تقول إن: (تشكيل حكومة دينية ليس واردا.)
وصدر الدين القبانجي يصر على رفض (حكومة لا دينية) ، أي يريد فرض (حكومة دينية).

علي أي حال، هذه أولى صرخات هلع أنصار ولاية الفقيه في العراق الذين حولوا العراق إلى قندهار.

و هذه أولى أنواع أسلحتهم. والباقي أعظم مليون مرة.
من هذه الأسلحة ، وهي فاسدة على أي حال ، أن العمامة خط أحمر ، كما قال أحدهم. وكأن المتظاهرين تظاهروا ضد العمامة.
تظاهرات ساحة التحرير ليست ضد العمامة. والمتظاهرون يفرقون ، يفرقون جيدا ، بين عمامة السيستاني التي أرست السلم الأهلي و أنقذت العراق من حرب أهلية ماحقة ، وبين عمائم السياسيين الذين تستروا وما زالوا يتسترون على نهب أموال اليتامى والأرامل.
الهتاف الذي يردده المتظاهرون هو: (الخايف خل يتكتر ، ألنا طلابة ويالخضراء.) (طلابة) المتظاهرين ليس مع المرجعية الدينية ، وليست مع العمامة ، وليست مع الأديان ولا مع المذاهب.
(طلابة) المتظاهرين مع سكنة المنطقة الخضراء ، بكل طوائفهم ومذاهبهم وأحزابهم ، وأزيائهم أيضا ، لأنهم حولوا العراق كله إلى ضيعة خاصة بهم ، ونهبوا أموال العراقيين بأسم الدين. ولهذا يردد المتظاهرون : (ما انريدكم كلكم حرامية).

خلاصة القول هي ، أن الوقت قد فات الآن ، و الصراع قد حُسم وأنتهى الأمر.
نعم ، فات الوقت وحُسم الأمر ، ورست سفينة التغيير على الجودي.
لن يقبل المتظاهرون إلا بدولة مدنية ، وبنظام ديمقراطي برلماني كما نص عليه الدستور ، وليس رئاسيا كما يقول انصار ولاية الفقيه الذين شارك بعضهم في التظاهرات.

المتظاهرون لم يحتشدوا في ساحة التحرير وبقية المدن العراقية لتحسين الكهرباء وتبليط الشوارع و إلغاء المنصب الفلاني وإقالة المسؤول العلاني ، وتقليل رواتب وحمايات المسؤولين ، وتقديم زيد وعمر للمحاكمة.
هذه كلها تحصيل حاصل ومن أبسط الأمور التي يفترض أن تطبقها أي حكومة.
المتظاهرون تظاهروا وسيتظاهرون من أجل دولة مدنية ونظام برلماني دستوري ديمقراطي.
هذه ليست تظاهرات. هذا إعصار مدمر سار منذ ساعاته الأولى وما زال يسير بسرعة قياسية.
وما علينا ألا انتظار الأيام القادمة ، وليست الشهور القادمة ، لنعرف حجم الخسائر المريعة التي سيخلفها هذا الإعصار:
سيطيح برؤوس عديدة. سيعيد أموال منهوبة. سيقدم كثيرين إلى القضاء. سيفتح أبواب الحريات على مصاريعها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ليت
فريد جلو ( 2015 / 8 / 10 - 08:40 )
ليت محمد القبنجي حاضر معنا ليرد على قريبه باغنيه من اغانيه الرائعه ولكن الرد جاء لطمه قويه من الجماهير التي وقفت امام المرجع الاعلى في النجف واستمرت بالتظاهر -احسب انه يريد ان يؤسس مع صاحبه الصغير مرجعيه تفتي بقتل كل من لا يسترشد بمرجعيتهم اما قبلتهم فستكون اير اان

اخر الافلام

.. حماس: تلقينا رد إسرائيل على موقفنا حول وقف إطلاق النار وسندر


.. كارثة غزة بالأرقام.. ورفع الأنقاض سيستغرق 14 عاما | #سوشال_س




.. قوات النيتو تنفذ مناورات عسكرية متعددة الجنسيات في سلوفاكيا


.. طلاب جامعة كاليفورنيا الأمريكية يقيمون مخيم اعتصام داخل حرم




.. رئيس سابق للموساد: حماس متمسكة بمطالبها ومواقفها ?نها تحررت