الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القراءة كخبز يومي

المامون حساين

2015 / 8 / 13
الادب والفن


لا شيء يصقل مدارك الإنسان أكثر من القراءة والكتب، ولهذا نجد الكِتاب هنا في الغرب ودول أسيا -على سبيل المثال- مُلازماً لاحتياجات غالبية الناس، فتراهم يقرؤون في الحافلة وفي الطائرة وأثناء فترات الانتظار في عيادات الأطباء وأثناء تمتعهم خارج البيت في المنتزهات والحدائق والأسواق الكبيرة وحتى من خِلال الدقائق التي يقضونها في قضاء حاجتهم حيث نجد حماماتهم لا تخلو من عدة مجلات من كل نوع ، كل هذا من أجل أن لا تضيع دقيقة من حياتهم بدون تعلم وتثقيف وطلب للمعرفة.
وبعكس كل ذلك نجد مخلوقات من -بني جهل- لا هم لها سوى مهاجمة الشباب المبادرين بالكتب والثقافة والكتب ويُصرون ويتمادون على التنكيل بالكِتاب والكُتاب لسبب من الأسباب وهو على الغالب الحسد والدونية والشعور بالنقص، وهذا ما يفعله الجاهل المتخلف انتقاما من الذين لا يستطيع أن يرقى إلى مستواهم المعرفي والثقافي. والمضحك والمثير للسخرية هو أن المعلومة تقول بأن الصرصر كلما لامس بشراً يذهب إلى جحره ويمسح جسده بأطرافه متصوراً أنه قد تنجس من ملامسة الإنسان الآدمي، ولله في خلقهِ شؤون.
بصراحة لم أكن من الناس الذين منّ عليهم الله بالإقبال المبكر على القراءة غير أنني أحمده أن جاد علي بأن لا أخرج من الدنيا قبل أن أذوق حلاوة العيش معها، وأرفل في ظلالها الوارفة.
لم أجد أبدا على ما أذكر بمحطة من محطات حياتي من حفّزني ودفعني للقراءة لكن رغم ذاك كنت أجد لذة في اقتناء بعض الكتب التي غلب عليها الطابع الدراسي أحيانا، ولا أعتب على نفسي كوني عشت كباقي من عاش بمجتمعي، فلم نجد من يدفعنا للتعلق بالكتاب ولا ما يزج بنا بعالم القراءة ، إلى أن وصلت طور الجامعة هذه المرحلة التي لم تختلف عن سابقاتها من المراحل.
وفي مرة من المرات وأنا أجلس مع زميل لي بالحي الجامعي طرح علينا أستاذ مر من هناك السؤال التالي: هل نحن طلبة فعليون ؟ كيف نحن مع الكتاب؟ هل يعني اقتناءنا للكتب وتقليبها بحثا على ما نملأ به وريقات بحث طلب منا إلزاماً إعداده يعتبر “قراءةً” ونحن طلبة جامعيون، والطالب الجامعي مطالب بأن يكون باحثا كثير القراءة.
آلمني فعلا كلامه وجعلني أراجع نفسي..، لكن ضربة ذلك السؤال لم تكن قاسمة للظهر بالقدر الذي يجعلني أحث الخطى من أجل الإقبال على القراءة وتطليق حال العزوف المقيت، بيد أنها كانت الكية الأولى التي شكلت بي وعيا تجاه القراءة.
خرجت من الموقف واتخذت شعار أنا وصديقي الطالب الباحث لي، وكلما سمعت بأحد زملائي بالجامعة كثير القراءة أقترب منه وأحاول ملازمته وقتا أطول كي أرى كيف يتصرف وماذا يقرأ ومتى؟ علني أصاب منه بعدوى القراءة. وبتلك المرحلة كنت لا أزال شغوفا باقتناء الكتب لا أفوت فرصة للكتاب بمراكش (باب دكالة)، ولا أتحسر على فوات أمر ما كتحسري على إقامة معرض للكتاب بالدار البيضاء التي كانت بعيدا عني ماديا في المرحلة الطلابية.
وقد جمعت كتبا مختلفة الفنون ببيتي يغلب عليها كتب علم الاجتماع والأدب والفلسفة والتنمية البشرية التي وُلعت بها، وبقيت على هذه الحال نظيف المكتبة لي استعداد كي أُعير خزانة ملابسي كاملة ولا أطيق الاستغناء عن كتاب واحد، لكن يا ترى هل يكفي امتلاك خزانة كتب كي يجعل الإنسان قارئً؟ إلى أن قذف الله بروعي حب القراءة والإقبال عليها فرُحت وجمعت كما كبيراً من المحاضرات الصوتية من الأنترنت عن القراءة والتحبيب فيها والتحفيز لها، ودروس صوتية ومرئية أخرى، ورحت أستمع لها الواحدة تلو الأخرى، وكتبا عن القراءة أيضا ككتاب “لماذا أقرأ” لطائفة من المفكرين، و”القراءة المثمرة” للدكتور عبد الكريم بكار، وأذكر مرة وأنا بأحد المنتديات التي يرفع لها أعضاؤها كمّا كبيرا من الكتب بعد تصويرها بالماسحات الضوئية وهوما أفادني بكثير فائدة وقال وادخل شغفه بالقراءة ، فمن هذه التجارب مجتمعة امتلأ فؤادي حبًا للقراءة وإقبالاً منقطع النظير على الكتب فرُحت أجمع من الانترنت الكثير من الكتب الإلكترونية وأنقلها لحسوبي الذي أعانني كثيرا في هذا الانقلاب وأعكف على قراءتها ليل نهار وكانت اللحظة السعيدة التي أشعر فيها بالغبطة هي التي أنزوي فيها بركن ببيتي لقراءة هذا الكتاب أو ذاك. وصرت أبدأ الكتاب وأنهيه على العكس قبل الانقلاب الذي كنت فيه لا أقرأ وإن قرأت لا أنهي الكتاب فلا أنا نحلة تبدأ في امتصاص الرحيق لصنع العسل ولا تغادر الزهرة لغيرها إلا بعدما تأتي على رحيقها بأكمله، ولا كالفراشة التي تنتقل من زهرة لأخرى جمعا للرحيق الذي لا تستطيع مقاومته. فترافقني تلك اللذة ساعات بل أياما طوال.
وكنت أقضي يوميا بعدما يخلد بني للنوم -على الأقل- ساعة من الزمن غارقا في لجج أحد الكتب التي صنفتها بذات الدرجة القصوى والدرجة الثانية والدرجة الثالثة، وهذا الوقت ليس الوحيد الذي خصصته للقراءة، فكنت أقرأ بعد صلاة الفجر، وكان من بين الطرق التي حرصت على تحقيقها لتجعلني أعيش أكبر وقت ممكن بجو القراءة سائر يومي هو إنشائي تقاسم ما أقرأ مع تلاميذي في كل موسم دراسي.
في الاخير ندّعي أنّنا من “أمّة إقرأ” لكنّنا لا نقرأ… يا محمّد (صلى الله عليه وسلم) إقرأ “باسم ربّك الذي خلق” لا يجب أن نفهمها أنّه يجب أنْ نفكَّ الحروف لكي نستطيع أن نقرأ مثلاً أيّ لوحة إعلانات موضوعة بجانب الطرقات… بل يجب أن نقرأ ما بين الحروف وأن نفهم معانيها… فكلّما قرأنا أكثر كلّما تعرفّنا إلى اللّه أكثر وصرنا نعبده ليس خوفاً منه بل لأنه يستحقّ العبادة. كلّما قرأنا أكثر كلّما تعرّفنا إلى دقّة الخلق، كلّما عرفنا ماذا نقرأ كلما سطعنا بين الأمم وقدنا حضاراتها… كلّما قرأنا أكثر لن يستطيع أحدٌ أن يجرّنا إلى طريق الشرّ ولن يستطيع أن يأكل حقّنا أيّ إنسان أو أية حضارة…من هنا تبدأ الحضارة، من طفلٍ يقرأ كتاباً لأنّ والديه يقرآن… إلى ذلك الحين نستحقّ أنْ ننتسب إلى أمّة إقرأ لا أن ندّعيها كما ندّعي كثيراً من الأمور.
ادن لنقرأ ولنقرأ لنقرأ حتى انقطاع النفس ، في الحقيقة حتى انقطاع العمر ، من المحبرة حتى المقبرة .. حتى تتكلم جيدا ، إذا أردتم أنتتكلموا بكلام يحترمه العقلاء والدارسون والكبراء عليكم أن تقرؤوا وتقرؤوا حتى انقطاع العمر ، أما أن تعرف معلومتين وثلاث ، تحضر فيلماوثائقيا أو تقرأ تحقيقًا في صحيفة أو جريدة يومية ، ثم تأتي تتكلم وتظن أنك تنال من الحقائق الراسخة رسوخ الجبال فهذا عبث أطفال ،هذا ليس طريقة باحث محترم يدلي بأقوال يمكن أن تحترم وتقدر ، أقول هذا لماذا ؟ غيرةً على الحقائق وغيرة أيضا على دستور البحث العلمي وغيرة على شرف الكلمة .. والكلمة الآن في وقتنا هذا أصبحت رخيصة رخيصة جداً ، رخصت الكلمة في عهد النت ، في عهدالنت ينشئُ له صفحة وفيسبوك ويتكلم ، يتكلم في الكبار والصغار ، عادي ! ما الذي سيبقى منك ومن كلامك ؟ لا شيء ،لا يبقى إلا ماينفع الناس ، لا يبقى إلا ما يتوفر على الوفاء بشروط الاقتراب الحقيقي من الحقيقة ، المقاربة العلمية الصارمة من الحقيقة ، يبقىبمقدار اقترابه …..لنقرأ ادن لنرتقي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حورية فرغلي: اخترت تقديم -رابونزل بالمصري- عشان ما تعملتش قب


.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا




.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ


.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث




.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم