الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المأساة تحب الجماعة

محمود ابوحديد

2015 / 8 / 17
أوراق كتبت في وعن السجن


هذا المقال لتخليد الواقع الذي نحياه اليوم نحن مواطنين المدن و الدول التي نادت طوال الخمس سنوات الماضية بإسقاط النظام و الوصول للتحرر الاجتماعي. هذا المقال يشهد على الواقع الذي نحياه الآن، على المأساة و الاضطهاد و الظلم الذي نُعانيه نحن سكان السجون. و لا شك لن يحمل هذا المقال أي فائدة لقارئه سوي التَذكِرة بما كان يمكن أن نتلافاه لو انتصرت ثوراتنا. لن يحمل أي فائدة سوى التذكرة بأننا أخطأنا خطأً -قد يكون غير قابل للاصلاح- يوم تراخينا عن دفع ثورات الجماهير 2011 للانتصار بأقصى طموحاتها. لن يحمل سوى التذكرة بأننا أخطأنا يوم تأخرنا عن شنق جميع ضباط الشرطة في الأيام الأولى للثورة، في الأيام و الأسابيع و الشهور الأولى التي تلت جمعة الغضب.

لقد تعرضتُ للتعذيب و الضرب المبرح في سجن الإسكندرية أنا و المئات إن لم يكن الآلاف من مواطنين مصر، لكن تذكرت فورًًا شعب و شبيحة سوريا. يا ليت شعري لو انتصرت ثوراتنا نحن العرب، ما كنا رأينا و وصلنا لهذا الويل و العذاب و أطنان و جبال المأساة و الظلم الحالي التي يصُبَّها علينا كلاب الحكومات العربية.

الضباط أتلفوا جميع أمتعتي. الكتب و الأوراق كما الأطعمة و الملابس. لكن في نفس اللحظة تذكرت لاجئين و مواطني سوريا و العراق و ليبيا الذين لم يُبقِ لهم الضباط سوى أجسادهم النحيلة يهربون بها من العذاب، فهانت علي مأساتي.
صحيح أن المأساة تحب الجماعة!! و في جميع الغرف التي انتقلت إليها حتى الآن رأيت شعارات و كتابات لمواطنين كتبوا عن ثورة مصر. شعرت أن مأساتي مر بها عديدين. فهل أقول أني ارتحت قليلًا؟! صحيح أن أصحاب هذه الشعارات السياسية وقعوا في صف الثورة المضادة مراتٍ عديدةٍ خلال الامتحانات السياسية التي أثارتها الثورة المصرية لكن هؤلاء فقراء كالمسجونين الحاليين معي. و صحيح أني طالما رَددت "لولا مرسي و الاخوان ما شقينا بالعمالة" في ثورتنا المنهوبة، لكني قصدت دومًا قادة و أغنياء الإخوان. أما الفقراء الطلبة و العمال فكنت أفهم و أشرح لكل معارض أن اقتناع هؤلاء المخدوعين بضرورة نبذ قادتهم الداعمين للنظام الرأسمالي و الانضمام لأعضاء انتصار الثورة بكامل آفاقها هو الطريق الوحيد لتحررنا نحن و هم. و للأسف لم يحدث هذا، و أنا اليوم مسجون في نفس المكان الذي سُجِنوا فيه.

أنا لم أدعم يومًا ضابطًا أو رئيسًا أو جلادًا واحدًا في الثورة المصرية. أما هم فدعموا حكومات و ضباط و وزراء، و ها نحن الاثنين نُسجَن في نفس المكان لكن الفارق بيننا كبير و عملاق. لكن يمكنني شرح في مثال واحد: جملة كتبوها على الحائط، كتب خالد محمد عماد من كلية الصيدلة بتاريخ 11 يونيو 2014: لم ننل الشهادة لكننا نسير على الدرب، و هو شعار إخواني معروف.
إن الثورة هي الاختبار الحقيقي و الأساسي للأحزاب و برامجها و وعي أعضائها. هم -الإخوان المسلمين- سعوا للموت و لا يصدقون أن بإمكانهم الانتصار في إنهاء الفقر و الاضطهاد. أما نحن فلا نطمح أو نسعي لشئ قدر الحياة من أجل انتصار الثورة، من أجل أن نرى حياة سعيدة لكل الناس من حولنا. هم دفعوا مواطنيهم للتظاهر و الهتاف بصدور عارية أمام ضباط مسلحين بمدرعات و ذخيرة و رصاص أمريكي الصنع. أما نحن فدفعنا كل من حولنا للبحث و التفكير عن كيفية انتصار الثورة، عن دعم برنامج سياسي ثوري، عن دعم آلية انتصار لثورتنا المغدورة، و بكلمة واحدة: دفعنا علاقاتنا لعدم التظاهر إلا لصالح حكومة ثورية لم توجد حتى الآن.

أنا ضد السيسي و ضد الإخوان لكن المأساة تحب الجماعة!! لكني لستُ نادمًا أبدًا و لم أشعر بالضيق أو الأسى للحظة واحدة على حالي. "غندور بطل يشجع" هي الجملة التي جعلتني سعيدًا حتى الطرب و الغناء للمسجونين "شِد الحزام على وِسطك غيره ما يفيدك" "شيد قصورك ع المزارع و اقفل زنازينك علينا".

رغم العداء و الخلاف السياسي العملاق بيننا نحن الاشتراكين الثوريين و الفوضويين إلا انهم كانوا دومًا في خدمة أغلب الاشتباكات مع قوات النظام. أفهم أن هذا ليس الحل و أبدًا لم أدعو للتظاهر رغم انضمامي لجميع مظاهرات الثورة التي شهدتها، فقط لأشرح أن الحل في فهم سيرورة و مسار الثورة: ماذا بعد المظاهرة؟ ماذا بعد إسقاط الحكومة؟ ما شكل حكومة انتصار الثورة؟ ما تكوينها الطبقي و الاجتماعي؟
شرحت لكل من قابلت أن الثورة تحتاج للقيادة السياسية الثورية، و فقط القيادة العمالية، فقط القيادة و البرنامج للاشتراكيين الثوريين لاستيلاء الجماهير على السلطة. فقط حكم الجماهير و رقابتهم الدائمة علي مسئولين الدولة و وزرائها هو الطريق نحو الانتصار الدائم و النهائي.
شرحت دومًا أن أي ادعاء آخر بقدرة أي سياسة أخرى ليبرالية، إسلامية، وطنية..الخ، بقدرة أي سياسة غير برنامج الاشتراكيين الثوريين على حل مشكلة الثورة يُعَدّ محض ادعاء كاذب، محض تبجًُّح على علم التحرر و الاشتراكية العلمية. لم أتعب يومًا من شرح هذه الحقيقة. و لن أتعب أبدًا و سأظل مُخلِصًا لفكرة التغيير الشامل للعالم، فكرة ماركس الأولى. لكني تذكرت أن علي الصمت لكي أعيش لأخرج من هذا السجن بدلًا من الموت إثر التعذيب!!

اكتب هذا الآن و أنا مسجون في زنزانة تُشبه أكثر ما تشبه بعد انطفاء الأنوار بسجون العبيد في العصور الأولى. و العشرات حولي ينتظرون بعد قضاء عقوبتهم لتسديد ثمن حريتهم (الغرامة، أتعاب المحامي.. الخ) هكذا أرى نفس عبودية القرن الأول و اضحة في ذهني في الألفية الثانية 2015.
لكني أفهم أنه و كما تمتد عبوديتنا و مأساتنا و فقرنا إلى القرون الأولى بسبب الملكية الخاصة فإني أفهم أن نضالنا و كفاحنا الحالي يمتد إلى أجدادنا حتى انتفاضة سبارتكوس و العبيد الأُوَل. لكننا اليوم نحن الاشتراكيين الثوريين نتسلَّح بالمعرفة و نفهم مسار حياتنا جيدًا، نفهم أن انتصار الثورة يقع فقط على أكتاف الطبقة العاملة و الطليعة و مُمَثِّليها الثوريين فقط لا غير، و هذا بالذات ما يُعطينا الأمل و الرغبة في التغيير.

فليشهد جلادينا و الضباط و سجَّانينا أننا لم نكذب و لم ندعمهم أبدًا. نحن لا نُكِنّ لكم ولأسيادكم أصحاب الرأسمال سوى العداء و الكراهية و التسلُّح لإعدامكم. و سلاحنا الرئيسي تجميع وكسب المواطنين لمُعاداتكم و كراهيتكم الدائمة. في هذا فقط أجد راحتي و أملي حتى لو كنت مسجونًا فإن عقلي و فكري سيظل حُرًا.
هل أنا أول المسجونين؟ هل أنا نادم؟ هل ستتحول أفكاري و أهدافي؟ الإجابة لا. و لا شك في الانتصار و لنا كل الحقوق التاريخية للانتصار لاننا بذلنا طاقتنا كاملة.



الشفاء للمصابيين والمجد للشهداء والحرية للمعتقلين والنصر للثورة.
الثورات تظل دائمة.
تسقط حكومة رجال الأعمال.
الموت للبوليس والقضاء والجيش.
لا حل سوى الثورة الإشتراكية والحكومة العمالية لإنتصار الثورة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان.. مدينة الفاشر بين فكي الصراع والمجاعة


.. إعلام إسرائيلى: إسرائيل أعطت الوسطاء المصريين الضوء الأخضر ل




.. كل يوم - خالد أبو بكر ينتقد تصريحات متحدثة البيت الأبيض عن د


.. خالد أبو بكر يعلق على اعتقال السلطات الأمريكية لـ 500 طالب ج




.. أردنيون يتظاهرون وسط العاصمة عمان تنديدا بالحرب الإسرائيلية