الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاصلاحات ومهمة نجاحها

عبد الحسين العطواني

2015 / 8 / 24
مواضيع وابحاث سياسية



ترجع الاحتجاجات العلنية والتظاهرات الجماهيرية في العراق إلى تاريخه السياسي والثقافي الذي يستمدون منه نلك الروح الثورية المعبرة عن المواقف السياسية التي صنعها التاريخ الوطني المتميز للعراقيين في كفاحهم الطويل ضد المستعمر الأجنبي ,الذي استمر لفترة طويلة من الزمن , وكان له الأثر الواضح في تكوين الشخصية العراقية التي عاشت تحت السيطرة الاستعمارية , والتي غرست فيهم روح المقاومة الرافضة للاستعمار , كما هي عادة جميع الشعوب التي تعيش تحت الاحتلال , حيث كان الاستعمار يتعامل مع العراق ضمن سياسة التجزئة ( فرق تسد) ولم يدخل في تصادم مباشر مع الشعب العراقي إلا في حالات محدودة , لكنه غالبا ما يتعامل مع كل محافظة بمفردها , لتكريس الفرقة بينها , وعندما تنضج الظروف الملائمة تتصاعد حركة الاحتجاجات ضد الاستعمار قي مناطق العراق , وتتواصل لتلتحم في بودقة موحدة , هدفها النضال التحرري , تسندها ثقافة التحرر الرافض للاستعمار وتستمد قوتها من كبرياء أبناء العراق وكرامتهم , فعلى سبيل المثال لا الحصر أن الشعار الذي رفع في عشرينيات القرن الماضي ضد الاستعمار البريطاني , كان محفزا وجامعا لكل أبناء العراق في نضالهم ضد الاستعمار , ويوحي لهم بقوة انتمائهم إلى الوطن , وتخليصه من الاستعمار والتخلف, وخلف هذا الشعار حركة المقاومة الشعبية ضد الاستعمار البريطاني .
لذلك لم يكن شعار الاحتجاجات جديدا على الشعب العراقي فقد اثبت جاهزيته العالية على الوقوف ضد الانحرافات السياسية في جميع فترات الحكم التي عاشها , وبعد 2003 عندما عشعشت زمر الفساد على قوته والاستيلاء على مقدراته طيلة السنوات الماضية , وظلت إدارة الحكم في البلاد تعتمد على التوافق السياسي القائم على أساس مبدأ التحالف الطائفي في إطار المكونات العراقية , وتعامل الكثير من قادة العمل السياسي مع مواقعهم أو وظائفهم القيادية تجاه الشعب بعيدا عن المسؤولية , حيث اتجهوا نحو الكسب غير المشروع , وغياب الاهتمام بالسكان مع تدني مستوى الخدمات العامة , في ظل دولة غنية بمواردها النفطية تخللها فقدان السيطرة على الأموال المخصصة لتنفيذ المشاريع الخدمية من خزينة الدولة , مما أسهم في تمكين بعض المتنفذين من القطاع الخاص ممن يوكل إليه مهمة تولي تنفيذ المشاريع الخدمية من تحقيق مواقع متقدمة في المجال الاقتصادي بسبب الرداءة في جودة التنفيذ, يسندهم في ذلك وجود أحزابهم أو كياناتهم في السلطة التشريعية والتنفيذية بما يعنيه ذلك تزاوج بين السلطة والجهات المستفيدة بشكل يصعب معه تحقيق الاستقلالية للاقتصاد عن السياسة وللمجتمع عنهما معا , مما يترتب عليه صعوبة حصول الشعب على حقوقه , ومآربه , وتأمين احتياجاته إلا عن طريق هؤلاء المفسدين , لما يتمتعون به من حظوة لدى صناع القرار في الدولة . فأطلقوا العنان لممارساتهم الخاطئة في تنفيذ المشاريع على ارتكاب المظالم التي لحقت بالعراقيين , كما أن من بينهم من يقوم بدعم عصابات متمردة على الدولة وخارجة على القانون , فضلا عن اختلاس المال العام .
ويمكن القول هنا أن الحضور التاريخي الضاغط في الوعي الاجتماعي العام نحو قصور الجهات السياسية أدركت الأخيرة أن هذه التظاهرات نتاج تأريخي في خصوصياته القديمة ,ويؤدي إلى سحب البساط من تحت قدميها نتيجة لتجاهلها توفير الخدمات الضرورية للشعب مما دفع الجماهير بالتظاهر لتعبر عن رفضها لكل نواحي الاستغلال والفساد وسلب المواطنين حقوقهم وإذلالهم والنيل من كرامتهم ,وبصورة منتظمة واستقطبت اغلب فئات الشعب , واتسع نشاط هذه التظاهرات بانضمام عدد من الشخصيات العشائرية , والسياسية المستقلة , والفنية , والإعلامية وكانت مفاجئة للسياسيين , حيث كسر حاجز الخوف والتردد عند الناس لتعم مختلف محافظات العراق .
لذلك لايمكننا أن نقرأ ونفهم أن التظاهرات الشعبية القائمة في العراق اليوم , إلا بوصفها إضافة ثورية تقدمية إبداعية شعبية تجاوزية للواقع القائم , وباعتبارها كذلك إضافة نقدية موضوعية تجاوزية لمسار العملية السياسية طيلة المرحلة الماضية وحتى اليوم , فهي رحلة بحث عن الذات الوطنية والإنسانية , بحث عن الحرية والعدالة, والكرامة الإنسانية , وبذلك نحن اليوم وغدا إمام تأسيس لحضور تاريخي نقدي جديد , وبخصوصيات جديدة , على أنقاض الحضور التاريخي القديم .


كانت حركة التظاهرات تلك قد اكتسبت تأييدا واسعا من قبل المجتمع بشكل عام , والنخب الاجتماعية في كل أنحاء العراق , هذا التجاوب الجماهيري الكبير المتمثل بزخم المشاركة في تلك المسيرات والتظاهرات دفع بعض العراقيين نحو التسابق في الإعلان عن تأسيس قيادة موحدة في إعلان المطالب وقيادة التظاهرات .
من الملاحظ أن هذه القوى الشعبية في ساحات التظاهرات عازمة على مواصلة مسارها , حتى تتجلى ملامح الدولة الجديدة في العراق , والتي تلتزم بالعمل المؤسسي , وبالمبادئ الديمقراطية , وسيادة القانون , وتحقيق المواطنة المتساوية , والقبول بالأخر , وحربة الرأي والعقيدة والفكر , وتحقيق الأمن للوطن والمواطن , وتوفير الاستقرار والتنمية .
وفي هذه التغيرات أصبح لزاما على الحكومة السعي الجاد إلى تحقيق الإصلاح المالي والإداري العادل بما يضمن تحقيق مستوى لائق من المعيشة , وتقليص مستوى البطالة , وزيادة النمو الاقتصادي , من خلال توفير تبسيط إجراءات ألاستثمار بتسهيل الإجراءات الحكومية ووضوحها وشفافية القرارات , وتوفير الاطمئنان , واستقلالية السلطة القضائية ونزاهتها بتفعيل دور القانون , وتدعيم العاملين بالأجور المناسبة والعادلة , واتخاذ الإجراءات القانونية لمرتكبي الفساد الإداري والمالي لمختلف المستويات , وتعزيز بناء البنية التحتية وذلك من خلال الاهتمام بشبكة الكهرباء , والماء, والصرف الصحي , والطرق , والحد من البطالة بتوفير فرص العمل لهم , وإتباع سياسات سكانية رشيدة , ودعم الكفاءات والمهارات البشرية المرتكزة على الأداء والانجاز, وتعميق الترابط بين القطاعات الاقتصادية من خلال تحفيز ألاستثمارات الرأسمالية في القطاعات الإنتاجية .
وأخيرا نقول فقد انتصرت الشخصية الشعبية الراديكالية الثورية على الشخصية السياسية المزدوجة التي تعاملت بغموض , واستخفاف مع الشعب بحيث لا تظهر ما في باطن الأمور في كثير من القضايا التي يعاني منها الشعب العراقي , وعندما أيقنت القوى السياسية أن هذه التظاهرات تشكل خطرا على وجودها , الأمر الذي دفع بمراكز هذه القوى إلى جدية تعاملها مع متطلبات الشعب بالتأييد لتأخذ حزمة الإصلاحات الأولى والثانية طريقها إلى الإقرار وبالأغلبية , لكن هذا الحراك الجماهيري وحزمة الاصطلاحات قد تؤدي إلى صراع بين الشعب وبعض الجماعات السياسية , والدينية , وذلك في ظل وجود أحزاب دينية لاتزال تمارس العمل السياسي باسم الدين , وأخرى تمار س السياسة من دون الدخول في اطر حزبية , فضلا عن بعض الأصوات السياسية التي وصفت عملية الإصلاح بأنها تجاوز على الصلاحيات , والتوافقات السياسية , والمحاصصة وما إلى ذلك , لاسيما ونحن في بداية الإصلاحات الإدارية دون التوغل بتشخيص الفساد ومحاسبة المفسدين , وهذا ما يسمح بدخول المال السياسي إلى حلبة الصراع , وما يمكن أن يترتب عليه من إعاقة لمسار الإصلاح المنشود .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استعدادات إسرائيلية ومؤشرات على تصعيد محتمل مع حزب الله | #غ


.. سائق بن غفير يتجاوز إشارة حمراء ما تسبب بحادث أدى إلى إصابة




.. قراءة عسكرية.. المنطقة الوسطى من قطاع غزة تتعرض لأحزمة نارية


.. السيارات الكهربائية تفجر حربا جديدة بين الصين والغرب




.. طلاب أميركيون للعربية: نحن هنا لدعم فلسطين وغزة