الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رجال في الثلج مع إعتذاري للكاتب غسَّان كنفاني

جهاد عقل
(Jhad Akel)

2015 / 8 / 29
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة


الحادث المأساوي الذي تم الكشف عنه يوم الخميس 8/27 ، عندما عثرت الشرطة النمساوية على سيارة لنقل لحوم الدواجن المثلجة وتحمل شارة الشركة السلوڤ-;-اكية Hyza ، وداخلها 71 جثة منها 59 رجلاً و8 نساء و4 أطفال ووفق الوثائق إتضح أنهم من المهاجرين السوريين ، لقوا حتفهم إختتاقاً بل تجمدت جثثهم داخل صندوف - ثلاجة السيارة. راحوا ضحية عملية إبتزاز من قبل مهربين - بل مجرمين إمتهنوا مهنة تهريب المهاجرين (الغير شرعيين وفق التعبير الاوروبي) ، وفي هذا الحال براً .

محاولة الفرار من جحيم الحرب وطريق الموت.

تم العثور على السيارة على قارعة الطريق السريع الذي يصل ما بين العاصمة الهنغارية بودابست والنمسا، تركها ثلاثة من المهربين المجرمين على ما يبدو بعد أن تأكد لهم إختناق الضحايا .
هذا الحادث المأساوي لمهاجرين سوريين ممن حاولوا الفرار من جحيم الحرب والقتل في وطنهم الأُم ، جراء العدوان الذي يتعرض له هذا الوطن الغالي على شعبه وعلى الشعوب العربية وليس حُكامها ممن يبذرون المليارات من الدولارات بهدف تدمير سوريا الوطن المقاوم ، وفي الوقت نفسه لا يصرفون مليار دولار واحد من أجل تغيير الواقع المأساوي الذي تعيشه الشعوب العربية ، حيث تنتشر البطالة والفقر والبؤس والقمع والظُلم وفقدان الأمن والأمان في أوطانهم.

ركوب المخاطر بحراً وبراً

نعم .. فلا يبقى سبيل أمام هؤلاء المواطنين في سوريا وغيرها ، سوى الرحيل والهجرة وسط المجازفة وركوب المخاطر بحرًا وبراً من أجل البحث عن الأمن المعيشي والطمأنينة لهم ومن ثم لعائلاتهم والخروج من دائرة الخطر والموت ، وسط القُبول بإحتمال الموت وهم في الطريق للبحث عن بارقة الأمل بالعيش في ظرف أفضل.

لكن هذه الهجرة تجري في ظل ظروف قاسية ومخاطر جمّة ، ومنها الوقوع في شباك شبكات الإتجار وتهريب البشر من الجشعين والذين يقومون بإستغلال ضائقة إنسانية من أجل الربح والإستغلال وسط معرفتهم المُسبقة بأنهم يعَرّضون حياة عائلات وشباب ومُسِنين للخطر وإحتمال الغرق في البحر أو الموت بالبر.

300 ألف مهاجر و2500 غريق

نجد في المعطيات الرسمية الصادرة عن المُفَوّضيّة العُليا للاجئين في الأمم المُتَحِدة أنه تم هجرة حوالي 300 ألف مهاجر عبروا البحر المتوسط منذ مطلع العام الحالي 2015 وأن أكثر من 2500 منهم غرقوا في البحر غير الذين فقدوا حياتهم في البر.

"رجال في الشمس" أم رجال في الثلج؟

خلال متابعتي لهذه المآسي التي يتعرض لها مهاجرون عُزَّل ممن يبحثون عن فرصة عمل وعن ظروف حياة أفضَل، في بلاد لا تعاني من الفقر والبطالة والظُلْم والقَمع ، أتَذّكَّر رواية "رِجَال في الشَّمْس " للكاتب الفلسطيني الشهيد غسَّان كنَفاني، الذي إستشهد في الثامن من شهر تموز العام 1972 عندما قام أفراد من جهاز "الموساد" الاسرائيلي بإغتياله عن طريق تفجير سيارته في بيروت، وصرخة" لماذا لم تقرعوا
جدار الخزان؟" .

عندما إنتشر خبر إختناق المهاجرين السوريين في سيارة شحن - تحمل ثلاجة لنقل لحوم الدجاج كما ذكرت أعلاه ، عادت بي الذاكرة من جديد لرواية " رجال في الشمس" وصرخت من الألم قائلاً إنّها حادثة "رجال في الثلج" ، مع تقديم إعتذاري للكاتب غسان كنفاني ، لأن أسباب حالة الموت تكاد تكون واحدة مع فرق واحد أن الرواية تتحدث عن إختناق بسبب حرارة شمس الصحراء ، وحادثة الضحايا السوريين إختناق بسبب وضعهم في ثلاجة تبريد ، تجمدت جثثهم واختنقوا داخلها، وسط فُقدان الضمير الإنساني لدى تُجّار - مُهَرِّبين ممن يمتهنون مهنة الإتجار بأرواح هؤلاء المهاجرين الذين هربوا من جحيم الحرب ، بحثاً عن الأمل بالحياة والأمان.

رواية "رجال في الشمس" عبّر من خلالها الكاتب غسان كنفاني عن المعاناة التي عاشها اللاجئ الفلسطيني بعد إقتلاعه من وطنه وقيامه بالمغامرة بحياته من أجل البحث عن لقمة العيش الكريم ، حيث ركب المخاطر وجازف بروحه من أجل ذلك الهدف ، وسط إستغلال بشع لشبكات التهريب من أمثال "أبو الخيزران" .

في ظل الواقع العربي المأساوي الذي تعيشه الشعوب العربية ، وشعور المواطن العربي بالهزيمة والضياع ، نجده يبحث عن الأمل بحياة أفضل راكباً مراكب الخطر ، الامر الذي يكاد يكون الرؤية السديدة التي تحدث عنها الكاتب غسان كنفاني في روايته هذه، بكلمات أُخرى رؤيته تتحقق ليس فقط في حال اللاجئ الفلسطيني بل وفي حال ومستقبل المواطن العربي عامة، وعُمق المأساة التي يعيشها هذا المواطن في أرجاء الوطن العربي حالياً .

صرخة لماذا؟ والصدى الذي رددته صحراء العرب

للتذكير ننقل بعض الكلمات التي جاءت في رواية "رجال في الشمس " والتي ومع تحريف بسيط تكاد تكون نفسها للمهاجرين السوريين الذين اختنقوا او تجمَّدوا في الشاحنة.
"قال الرجل السمين صاحب المكتب:
"إِنَّهَا رِحْلَة صَعبَة ، أَقُول لَك ، سَتُكَلّفك خمسة عشر ديناراً.
- وَهَل تَضْمَن أَننّا سَنَصِل سالِمين؟
الرجل السمين: طَبعاً ستصِل سالِماً ، ولكن سَتَتعذّب قليلاً ، أَنْتَ تَعْرِف ، نحن في آب الآن الحر شديد والصحراء مكان بلا ظل.. ولكنك ستصل..."

وعندما حدثت المأساة وإختنقوا في الخزان صرخ قائلاً :
" لماذا لَمْ تَدقّوا جِدار الخزّان؟ لماذا لم تقولوا ولماذا وفجأة بدأت الصحراء كلها تُرَدد الصّدى:
لماذا لم تدقوا جدران الخزان؟ لماذا لم تقرعوا جدران الخزان؟ لماذا؟ لماذا؟ "
وهذا الصدى لقرع جدران ثلاجة الشاحنة، ربمّا رددته أرجاء الطريق ما بين بودابست والنمسا بالصرخات التي صدحت بها أصوات الضحايا من المهاجرين السوريين في طريق الموت ... طريق رجال في الثلج.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - استحضار رائع للحدثين،
رائد الحواري ( 2015 / 8 / 30 - 12:23 )
استحضار رائح للمأساة التي يعانيها الهارب من الموت في سوريا الى الموت في الثلاجة في اوروبا، اعتقد بانم قصة كنفاني صالحة لنا كعرب في هذا الوقت، فالموت مع ابداء صرخة/احتجاج افضل ملزن مرة من الموت كالنعاج

اخر الافلام

.. التوتر يشتد في الجامعات الأمريكية مع توسع حركة الطلاب المؤيد


.. ما هي شروط حماس للتخلي عن السلاح؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. استمرار تظاهرات الطلاب المؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمي


.. وفد مصري إلى إسرائيل.. ومقترحات تمهد لـ-هدنة غزة-




.. بايدن: أوقع قانون حزمة الأمن القومي التي تحمي أمريكا