الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أنا لا ابحث عن الجمال في الصورة ؟

عزيز باكوش
إعلامي من المغرب

(Bakouch Azziz)

2015 / 9 / 15
الصحافة والاعلام


أنا والصورة ؟
عزيز باكوش

التقطت حوالي 11 ألف صورة بهاتفي الذكي خلال 38 يوما من إقامتي بالديار الكندية صيف السنة الجارية . وهو رقم ما يعادل 450 صورة كل يوم تم التقاطها من مختلف زوايا و تضاريس منتريال العامرة الممتدة ضفافا على كل التخوم
بمنطق سيكولوجيا التماهي مع الأشياء ، يبدو حجم الصور الملتقطة شخصية كانت او طبيعية ليس أكثر من إسهال بصري ، إنه إسهال مشهدي يؤكد الرغبة القوية في تخليد الأثر ، ارتباطا باللحظة الهاربة ، وانسياقا مع تيارها الجارف ، و يتضح مدى هيمنة أنطولوجيا الحقل البصري وسيادته على الحواس بالنسبة لي كزائر عاشق لأمريكا الشمالية حين يقفز إلى ذهني قرار الرحيل ومغادرة هذه المنطقة الكيبيكية الشاسعة الأرجاء ، فتتجمد الدماء في شراييني لتتأجج الرغبة العارمة من جديد تلك التي ما انفكت تجتاحني وتحثني باستمرار على التخزين الاستراتيجي للمادة الصورية الثابتة والمتحركة كأرشيف متدفق على الدوام
حينما يكون صفاء الذهن حاضرا ، أداعب هاتفي الأيفون الذكي ، وأدع برنامج بث الصور بترا دف مثل رشاش ماء معتدل في عز الصيف ينعش أوصالي ، أشعر بحنين متدفق إلى كافة الأمكنة بزمانها ، وكل الازمنة بأمكنتها ، كما لو أنني أحياها من جديد ، إنه نوع من التوحد مابين الزمان والمكان في سفر مثقل بالآهات الجميلة والرائعة .
آلاف الصور التي التقطتها ليست دائما بالمواصفات التقنية المطلوبة من حيث الكادراج والتبيئة المرغوب فيها ، لكنها على الأرجح توثيق باذخ لتلك اللحظات الموغلة في الأعماق الناظمة لآلية الانتقال في الزمن والسائر في مساحات الوقت المؤثث بفضاء ينبض بالحياة
ولعل الصورة أفضل مايمكن تخزينه في ذاكرة السفر، فضلا عن المشاهدات اللامنتهية ، ويكبر وزن الصورة ويسمو حين ترتبط بشذرات مقتطعة بعشق الكتابة الأبدي، أي اللحظة المتبوعة بالمغادرة والمنتزعة أو المسلوبة من منسوب الحياة الرمزي . إنها ذاكرة مفعمة بالوجود المنتهي في اللاتناهي تتحرك في أدغال الذاكرة بدواليب الوجدان ، وتنتعش بحرارة الإحساس العميق المرتوي من روافد الذاكرة الحبلى بملايين الأسئلة والزفرات، وترسم بأنامل عاشق نمنمات الهوى الموغل في تضاريس الوجدان.
في لحظة ما ،كان يتعين علي التوقف عن التقاط الصور بشكل عشوائي، كنت أخاطب نفسي بصوت مسموع ، لم لا تكون الصورة احترافية ؟ حتى ولو كانت لمجرد المتعة الشخصية، لكني كنت اشعر أن مثل هذا السؤال عائق أمام اندفاعي اللايهادن ، أما عشقي الابدي للصورة أنا الذي ما زلت لم أكف يوما عن الترديد انني مستعد لدفع5 آلاف درهم مغربية لمن أهداني صورة لي بالقسم الرابع أو الخامس من مرحلتي الابتدائية بتازة الاصيلة ، لكني كنت أشعر بثقل السؤال كما لو كان حاجزا يمنعني من ولوج طرق ومسالك تنمية مهاراتي في بناء المشهد وتخليد الأثر برقمية بارقة .
كنت ألتقط الكثير من الصور المترادفة بمنتريال مع الأصدقاء الجدد الشاعر عزيز فهمي ابن الراشدية ، علي الحضري سليل تازة ، يوسف غرباوي ياسين الصنهاجي حفدة مولاي ادريس فاس ، عبد الغني كروم قطب حد كورت ، رشيد ناجحي ابن البيضاء .... في الشوارع النابضة بالحياة ، في الفضاءات الزاخمة بالحياة ، في الأزقة المتخمة بالجمال، في الأسواق والمساحات الخضراء 365 يوما في السنة ، في المقابر المرتبة بعناية إلاهية ، في المزارات المتاحف الأسواق الكنائس الهياكل والشوارع الفسيحة من كافة الزوايا والفتحات، لكل الأمكنة التي أزورها ، كانت هديتي الصورة ومتعتي التصوير ، اليوم اعترف انني كنت وما أزال مسرفا ومقترا وعلى مستوى عال من الشح في نشرها وتقاسمها على مواقع التواصل الاجتماعي ومشاركتها مع آلاف الاصدقاء من القارات الست . إذ من بين 11 ألف صورة التقطتها بثلاث مدن قارة قارة أمريكا الشمالية لم أنشر سوى 40 صورة فقط ..
كان هاجس توثيق زيارتي لأماكن وجودي يسكنني ، وما أفعله، وما أشعر به انعكاسا لهذا الحلم الجارف . لكني لم أجرؤ يوما على التقليل من أهمية الصورة حتى ولو كانت على عجل ، مرتجفة ومهزوزة ، فهي دائما واصفة وأمينة صادقة كاشفة ، و تستطيع التعبير عن نفسي ككائن متواتر في انكساراته وفي تجذيفاته ، رغم أن خبرتي متواضعة جدا في عالم تقنيات التقاط الصور، ولم أدعي يوما بأنني مصور محترف، أو أسعى لفهم معنى أن أكون محترفا ، كانت اللقطة بوصلتي مساري ومنتهى أملي في الحقبة الزمنية التي أعيشها
كنت أعلم أن لمجالات التصوير الاحترافي طقوسا ومعاييرا على مستوى عال من التخطيط والإعداد منها الأزياء، والموسيقى، والصور الشخصية، لكن ما كان يقض مضجعي هو توثيق نشاطي وحيويتي كوافد جديد على ثقافة مختلفة وتواصل إجتماعي غير متكافئ إلا خلال السفر. فالصورة التي أنتجها ليست للبيع ولا للاستثمار ، فهي للمتعة الشخصية وبس ...
صحيح أن تركيز الاهتمام على المشهد يسهل إمكانية الإبداع في التقاط الصورة الجميلة الماسكة لمعايير الإثارة والإغراء ، وتمكن من تحقيق الرؤية الفنية المطلوبة. لكن حمولة الصورة الرمزية هو ما يثيرني وليس جمالها ، فهي بالنسبة لي كنز خام منه أستوحي الكثير من مجالات التدخل في حياة وسلوك البشر ، وبفضل التقدم العلمي الذي أحرز في تصميم الكاميرات، اصبح من الممكن التقاط صور جميلة وجيدة من الناحية التقنية التي قد يعتبرها العديد من المعيار الاحترافي رغم أن التقاطها تم على الطريقة البديهية .
لست في مستوى تقديم نصائح في هذا المجال العلمي ، لكن على المصور المحترف أن تكون جميع المصورين المحترفين ان يكونوا قادرين على رواية قصة خلال سلسلة من الصور، وكم تماهيت مع النصائح العشرة التي يقدمها التقنيون مجانا للمساعدة في تعزيز مهارات التصوير الفوتوغرافي للهاوي والمحترف ، لكنني أثناء التصوير أكون مسرعا ، خاصة عند تصوير الأشخاص، رغم أن الخبراء ينصحون بعدم التسرع وقضاء وقتا كاف مع المشهد المراد التقاطه قبل وأثناء وبعد التقاط الصورة. لا اترك اية فرصة للاسترخاء، وكأن التقاطي صورة له هي عمل مشترك بينما له صلاحية وجيزة ومحددة في الزمان والمكان.
لا أخشى التقاط الكثير من الصور، لأن مجرد إحساسي بالقوة يظهر استعدادي لخوض تجربة متميزة من زوايا وأوضاع وإضاءات وأساليب مختلفة ، وهو مسعاي الجمالي والفني الدائم على كل حال . والذي يحفزني على الدوام في استخدام هاتفي الذكي كخزان بلا سعة ، وذلك من خلال التقاط صورا جديدة كل ساعة وكل يوم ، من غير التركيز على عناصر الإضاءة، وتركيب الأشكال، والعناصر المفاجئة ، وحين يشعرني هاتفي الذكي بلياقة بالغة ، أنه لم يعد قادرا على استيعاب المزيد ، أقوم بإفراغه حمولته في قرص مضغوط ، وأعاود الكرة من جديد ، كان تشبعي بثقافة التواصل الشعبي عبر الصورة بوصلة تفضي إلى عالم كبير وكبير ، لكنه بسيط ومتواضع لاستلهام الصور كطريقة للتواصل والتفاعل مع المحطات اللولبية لعالمنا الكبير المفعم بالتطور والنماء .


لذلك ، مازلت مستكشفا ، كما تساءل العديد من الزملاء ، لمَن تُحسب جَمالية الصّورة؟ للفيزياء أم الطبيعة للتكنولوجيا أم للعين البشرية الذكية ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصطفى البرغوثي: الهجوم البري الإسرائيلي -المرتقب- على رفح -ق


.. وفد مصري إلى إسرائيل.. تطورات في ملفي الحرب والرهائن في غزة




.. العراق.. تحرش تحت قبة البرلمان؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. إصابة 11 عسكريا في معارك قطاع غزة خلال الـ24 ساعة الماضية




.. ا?لهان عمر تزور مخيم الاحتجاج الداعم لغزة في كولومبيا