الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فكر القتل

محمد سيد رصاص

2015 / 9 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


-
في عام1934انعقد المؤتمر السابع عشر للحزب الشيوعي السوفياتي.بعد خمس سنوات انعقد المؤتمر الثامن عشر:بين المؤتمرين وفي محاكمات موسكو1936-1938قام ستالين بإعدام98عضواً من أعضاء اللجنة المركزية لعام1934من أصل 139عضواً وقام باعتقال1108من أعضاء ذلك المؤتمر من أصل1996عضواً تم اعدامهم أوماتوا في المعتقلات ومعسكرات العمل الإجبارية.تمت تسمية مؤتمر1934ب(مؤتمر الملعونون).كان من بين المعدومين أربعة من أعضاء المكتب السياسي للحزب البلشفي يوم قيام ثورة أوكتوبر1917.اغتيل الخامس في المكسيك عام1940،وهو ليون تروتسكي،على يد أحد عملاء ستالين.
يروي جاكوب بيرمان،وهو رئيس(مصلحة أمن الدولة)في بولندا ورجل ستالين في وارسو بفترة1944-1953،أنه عندما أراد الشيوعيون البولنديون أواخر الأربعينيات عمل كتاب تذكاري عن تاريخ الحزب كانت المشكلة أن معظم اللجنة المركزية للحزب البولندي قد تم اعدام أعضائها ،ومنهم مؤسسون للحزب،وهم مقيمون في موسكو في محاكمات 1936-1938،لذلك تولى هو الأمر وذهب وقابل زعيم الكرملين وعرض عليه الكتاب.كانت المفاجأة له ،وهو يروي هذا قبيل وفاته عام1984،أن ستالين قال عن بعض القادة المعدومين أنهم"شيوعيون جيدون".يمكن أن تساعد هذه الرواية على الاستنتاج بأن ستالين كان لحظتها يتملكه الندم على الاعدامات أومنقسم المشاعر،وربما بعض المؤيدين للتفسير السيكولوجي لشخصية السياسيين يقودهم الإستنتاج إلى القول بأن زعيم الكرملين قام بإعدام أغلبية مؤتمري1934لأن هناك مئة منهم قد صوتوا ضد عضويته للجنة المركزية فيماكان سيرجي كيروف لاينقصه سوى ثلاث أصوات لينال الإجماع،وهو مايدفع ربما أصحاب هذا التفسير للاستنتاج أيضاً بأن اغتيال كيروف ،مسؤول منظمة لينينغراد للحزب ،في الشهر الأخير من عام1934 أي بعد تسعة أشهر من المؤتمر،مرتبط بتفوقه على ستالين في التصويت في عملية تحمل طابع الانتقام منه وأيضاً التصفية لمنافس محتمل وفي الوقت نفسه استغلال حادثة الإغتيال من أجل أن تكون ذريعة لاعتقالات طالت أعضاء المؤتمر أنفسهم ومن ثم ذريعة للمحاكمات التي كانت موجهة ضدهم بالأساس.
يمكن أن يساعد التفسير السيكولوجي في تفسير ظاهرة ستالين،ولكن جزئياً.الأرجح أن (الإنتقام)لايفسر ظاهرة كهذه من قبل زعيم ظن نفسه وحيداً على قمة سلطة الكرملين منذ عام1929ليرى المفاجأة التي رآها في تصويت مؤتمر1934عندما تفوق عليه مسؤول حزبي صاعد حديثاً.هناك المصلحة السياسية في ضرب أي منافس جديد،وهناك المصلحة في اخضاع حزب ظن ستالين أنه أصبح سهل الإنقياد منذ تصفية نفوذ تروتسكي وزينوفييف وكامينيف وبوخارين وريكوف،وهم من قيادة1917،بين عامي1925و1929.هذا تفسير أقوى من التفسير السيكولوجي.لكن حتى هذا التفسير عبر(المصلحة)لايفسر ظاهرة القتل الراضي وعبر قناعة وبدون وسواس لرفاق درب طويل ،مادام التنافس السياسي يولد مصالح في إزاحة خصوم في حالات أخرى لاتصل إلى التصفية الجسدية والقتل كمانرى في الدول الديموقراطية.الأرجح أن مايولد هذه الحمية الإندفاعية إلى القتل والتصفيات الجسدية،مع تصفيق الموالين وتبريرهم،للرفاق ،وأيضاً للمخالفين والخصوم والمعارضين،هو شيء آخر،يعود إلى الفكر.
ستالين هو وريث لينين ليس فقط في منصب زعيم الحزب بل في الفكر أيضاً:منذ كتاب"ماالعمل؟"عام1902كان لينين يرى أن المجتمع لايستطيع من دون طليعة سياسية،يراها توجد فقط في التنظيم الحزبي،أن يصل إلى الوعي السياسي.وهذا يشمل عنده كل الطبقات الاجتماعية وكل الأحزاب.وبالتالي فإن الوعي يتم تصديره من قبل (الطليعة).التعبئة والتنظيم من قبل (الطليعة) للقوى الاجتماعية هو من أجل الوصول للسلطة عبر ثورة تكون بوابة لإعادة بناء وهندسة المجتمع عبر الطليعة المستولية على السلطة وفق مخطط مرسوم وهو مايشمل السياسة والاقتصاد والمجتمع والفرد.هذا لايتم وفق نظام ديمقراطي بل وفق دكتاتورية واعية لذاتها بأنها كذلك.وفق التجارب التي رأيناها كانت هذه (الطليعة)لاتتصرف كطليعة لجمهور ولاكأنبياء يريدون أن "يهدوا"البشر بل كآلهة تملك سلطة كلية في الإرادة والتقرير لمسار ومصائر المجتمع وأفراده الخاضعان لسلطتها.
هذه (الطليعة)تنظر لنفسها بوصفها الممثل الوحيد للحقيقة وأن مخالفيها في الأيديولوجية،وأيضاً رفاقها في الأيديولوجية عندما يختلفون معها في التفسير الأيديولوجي أوفي السياسة أوفي التنظيم،هم في (انحراف)،وهذا قد رأيناه حتى قبل الوصول للسلطة عندما أطلق لينين على طروحات إدوارد برنشتين نعت (التحريفية)منذ عام1898،حيث يحوي هذا المصطلح ،في مضمراته المضمونية الفكرية،أن هناك حقيقة واحدة خرج(المنحرف)عن خطها المرسوم والمحدد.(المنحرف) في الأديان كان يسمى (ضالاً) وهو لايبعد كثيراً في مضمراته عن هذا المصطلح الحديث اليساري .الإثنان يعتبران الآخرين خارج (الحقيقة)ويعتبران ذاتيهما الممثلة الوحيدة لها وكل ماهو خارج ذلك هو (انحراف)و(ضلال)و(باطل).
خارج الحركة الشيوعية العالمية الحديثة لم يوجد (فكر القتل)سوى عند الأديان وفرقها المنقسمة والمتقاتلة مع بعضها البعض. عند المسيحية:ضد اليعاقبة السريان الذين قامت الدولة البيزنطية بمذابح ضدهم،وفي الاسلام ابتداءاً من الخوارج الذي كان تكفير مخالفيهم في معركة صفين مدخلاً عندهم إلى جواز قتل المسلمين الآخرين ونسائهم وأطفالهم.لم يوجد (فكر القتل ) عند (السنة)و(الشيعة)بل اقتصر الأمر على (شروط الايمان)لمارأى الشيعة بأن (الإمامة)من شروط الايمان وبالتالي من لايؤمن بها يكون مسلماً غير مكتمل الإيمان،وهي نظرة الشيعي للسني،فيماالسني منذ القرن الأول هو فكره مبني على (ارجاء الحكم للسماء )مع اعتبار بأن كل من نطق بالشهادتين فهو مسلم ولايؤخذ الاسلام والايمان بالقلب بل باللسان.كان ابن تيمية استثناءاً في التاريخ الفكري للسنة.الأرجح أن الحركات الجهادية التكفيرية،من (القاعدة)إلى(داعش)،هي استمرار للخوارج وابن تيمية.عند هاتين الحركتين يوجد(فكر القتل).
في حركات سياسية أخرى وجدت تصفيات للخصوم والمعارضين والمخالفين،ولكن من دون(فكر القتل)،وكان القيام بذلك نتيجة اتقاء خطر أوالرهاب من موجة قادمة:عند الفاشية الإيطالية والنازية الألمانية كان هناك خطر الموجة الشيوعية وصعودها.الاحساس بالخطر على المصائر والمصالح كان يولد في تلك الحالتين هستيريا تأخذ شكل فكر سياسي كان يولد تصفيات ومذابح جماعية مبرمجة.ليست ظاهرة سوهارتو وبينوشيه ضد الشيوعيين في أندونيسيا وتشيلي، وقد ارتكبت مجازر ضد الشيوعيين وصلت في انقلاب سوهارتو عام1965إلى 300ألف ضحية، ببعيدة عن حالة موسوليني وهتلر ضد الخطر الشيوعي.هناك الآن في العالم العربي رهاب من الاسلاميين يبرر قتلهم حتى ولوكانوا غير تكفيريين يحوي ظواهر تشبه سوهارتو،في حالة تجعل هؤلاء في حالة فاشية جديدة تسوغ القتل ولكن من دون (فكر القتل).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاجات الطلبة في فرنسا ضد حرب غزة: هل تتسع رقعتها؟| المسائ


.. الرصيف البحري الأميركي المؤقت في غزة.. هل يغير من الواقع الإ




.. هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتحكم في مستقبل الفورمولا؟ | #سك


.. خلافات صينية أميركية في ملفات عديدة وشائكة.. واتفاق على استم




.. جهود مكثفة لتجنب معركة رفح والتوصل لاتفاق هدنة وتبادل.. فهل