الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


استقلال العقل ضرورة حضارية

صليبا جبرا طويل

2015 / 9 / 30
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



مشاريعنا، وثوراتنا في العالم العربي للتغير
والإصلاح ستفشل، ما لم نبدأ بتحرير العقل
واستقلاله، والدعوة لثورة فكرية في كل مجالات
الحياة. كل من لا يقر ويعترفا بضرورة استقلال العقل
يستعبده. وكل من لا يعمل على إطلاقه يحجمه. وكل من
يحاربه فاقده.




أزمة العالم العربي النهضوية تكمن أساسا في عدم "استقلالية العقل". دائما وكالعادة، نسقط أسبابها على الاستعمار، وعلى القوى الرجعية في المنطقة وعلى الهيمنة الامبريالية الخ...متناسين، متجاهلين، مغيبين دورنا ، مستخدمين مصطلحات ومفردات ضخمة بحجم عجزنا عن إحداث التغير الملائم، والمطلوب للنهوض بشعوبنا العربية نحو الحداثة.

سرا وعلنية نجاهر بشوقنا ومطلبنا بالتغير والإصلاح. بمناسبة وبغير مناسبة نتحدث عن الإبداع... الإبداع هو تغير في الأفكار والأداء. الأفكار ابنة العقول المستقلة الحرة المستنيرة الخارجة على ظلامي الفكر، والمستبدون من رجال دينون متشددين، وسياسيين سيئين وأجهزتهما القمعية، وبرامجهم الفضائية الدعائية الهابطة. الأداء هو ترجمة الأقوال إلى أفعال، قدرة يتصف بها الإنسان العاقل بالمرونة والعطاء والاجتهاد والطموح والغيرة والتعددية من اجل الارتقاء والتحضر، يتميز معظم نسائها ورجالها بانتمائه لمجتمعات متحررة، أو غير متحررة يجاهدون فيها سعيا وراء إمكانية التغير والإصلاح من اجل الحصول على الحرية، والمساواة ، والعدالة، والإخاء.

شوقنا للتغير والإصلاح لن يتحققا، دون كسر الحواجز التي تمنع من أطلاق الحريات وبشكل خاص "استقلال العقل" من سيطرة، وعبودية المتشددين عقيدة وفكرا. وبغياب منهج "نقد الذات " لتشريح المجتمع، وتحليله، وتفكيكه، وإعادة ترتيبه ليناسب الحاضر الذي نعيش فيه لن يكون لنا حضور عالمي، وكيان إقليمي.

نستهلك ما تستهلكه شعوب العالم، ونشاهد ما يشاهدون. مع فارق كبير في وجود فجوة حضارية بيننا وبينهم تتسع مع مرور الزمن. هم يعيشون روح الحاضر، ونحن نعيش متأرجحين بين الماضي والحاضر. هم يعظمون العقل، ويقدروه، ويجلوه، وينتقدوه علميا، ويضعونه تحت المجهر.ونحن نحجر العقل ونمنع الفكر من الانتقاد، ونحارب كل فكرة تسعى إلى نقد مفاهيمنا حول مجمل الأمور الحياتية، والفكرية منها أو العقائدية. تفسيراتهم علمية، نحن لا نعترف بالمنهج العلمي. لان التفسير العلمي يضع مفاهيمنا تحت ضوء مجهر العلوم المختلفة التاريخية منها والجغرافية والعلمية والثقافية، والأسباب التي نشاءه فيه ودونت المعلومات التي وصلتنا عبر الزمن،مما يؤرقنا، ويزعجنا، ويظهر عجزنا عن الإجابة حول توافقها، أو تعارضها مع تفسيرات العصر وتطوره.

تجاهلنا لإخضاع مفاهيمنا للتفسيرات العلمية لن يمكننا من تحقيق المعرفة لتفسير، وتطبيق كل ما وصلنا من السلف في زمننا الحاضر، مما تؤدي إلى تعثر معظم جهودنا للتغير والإصلاح، واستقلال العقل. لذلك نتجه لمسار مضاد للمنطق والعقل، ونتجنب التفسير العلمي، ونرفضه كي نحمي أنفسنا رغبة أو دون رغبة منا لفهم الماضي شكلا ومضمونا على ضوء الحاضر. إن عدم ربط البيئة التاريخية التي دونت فيها المعلومات مع روح العصر الحالي يعد انتقاص، وخيانة لتاريخنا. مجتمعاتنا العربية لا تخلوا من علماء متخصصين أكفاء في كل مجالات العلوم الطبيعية، والدينية الخ... قادرين أن يحللوا، ويفسروا كل مفاهيمنا كما في الماضي كذلك في الحاضر والمستقبل أيضا.

نعيش في زمن لا ندري في أي قرن نحن...هل نعيش في القرن السابع، أم في القرن الحادي والعشرون؟ أم نعيش بينهما؟ أو قبلهما بقرون؟... أم كما يطرح المتشددون نعيش في الجاهلية، داحضين رؤيتهم، وخططهم للتغير والإصلاح، ونجاحها بالعودة إلى المربع الأول في الإسلام السياسي، وتنفيذه دون دراسة للواقع الحالي. مترجمين طرحهم بالعودة ألف وأربع مئة سنة إلى الوراء لنبدأ من نقطة الصفر بانطلاقة تقلد، وتشبه نمط الحياة والفكر الخ... في الماضي.ما يعني أن نعيش في زمن العصر، وليس في مكان العصر. من المؤكد لي حاليا إننا نعيش في ضياع زمني.

الحل يكمن في استقلال العقل، وإطلاق الحريات في شرقنا الحبيب من اجل البناء والتقدم الفكري والعلمي، وللحفاظ على النسيج الوطني والاجتماعي من التمزق، وللوقوف سدا منيعا أمام المخططات الظاهرة والخفية لتقسيمه، وتغير خارطته الجغرافية، والديمغرافية، والدينية .مجتمعاتنا تحتاج لثورة تنادي وتعمل وتتحرك من اجل استقلالا العقل. ثورة فكرية وليست قبلية أو دينية أو عنصرية، يشارك فيها جميع فئات الشعب، ومواطنيه متكاتفين معا نساء، ورجال، وعمال، وفلاحين، ومثقفين، وأحرار، وفلاسفة، وأدباء الخ...

أما آن الأوان بعد 14 قرنا من الفتوحات الإسلامية للمشرق العربي المسيحي أن يشعر المواطنون جميعا، وبشكل خاص الأقليات، كالمسيحيين والايزيدين والشيعيين وغيرهم الخ... -1- بالأمان الذي عاشوه في عصر كثير من الخلفاء. أما آن الأوان أن يبعث من جديد العصر العباسي - العصر العربي الذهبي- الذي تألق وساهم في صنع حضارته المسيحيون الشرقيون من سريان وغيرهم. أما آن الأوان آن نفهم لماذا يقتل الآلاف من العلماء العرب في العراق وسوريا الخ.... إخوتي في الوطن، الدين الإسلامي غير مستهدف، وكل من يضعه هدفا له مصلحة. ويعمل على خلق عدوا ليحاربه، ليمتد وهمه إلى ضعفاء العقول لتتبعه. ليس أسهل من أن تصنع كافرا وتدحض كلامك، وتشعل فتن لمحاربته... للإسلام رب يحميه. ليس السيف ما يحميه، بل الممارسات الإنسانية.

المشرقيين أصحاب هذه الأرض التي فتحتموها، رحبوا بقدومكم، وباندماجكم بهم كان معظمهم يدين بالمسيحية. ابحثوا عن جيناتكم التي تحملون ستجدونها من صلب جينات أسلافكم الذين فلحوا هذه الأرض وزرعوها قبل ألفي سنة . وان كان دينكم الإسلام –أكن كل الاحترام لرسالة القران ورسوله محمد(صلعم)- فقوميتكم قد تكون سريانية ، أرامية، أشورية، فرعونية، كلدانية الخ... اجتمعت كلها في العروبة.

أما آن الأوان إلى استقلال العقل والانتقال إلى القرن الحادي والعشرين دون أن نفقد علاقتنا مع الله، ومع الإنسان الأخر. أما آن الأوان لنقول لا للركوع للغرب، ونتوقف عن تغطية مصالحهم، وخططهم في ضرب وحدتنا وتقدمنا الفكري والعلمي. أهدافهم واضحة، أعمى البصيرة والبصر يراها، ويعرفها قبل المبصر. تمتلكهم رغبة شديدة في عدم تطورنا ونهوضنا، لا يردون أن نبنى حضارة عربية تقوم على العلم والحرية. لا يريدون أن نكون بشرا. يردوننا نكرة، لا شيء.

أصحاب العقائد، والأفكار تنظر إلى التغير والإصلاح من زاويتها الخاصة وتفرض طرحا حسب رؤيتها، كي تبقي ممسكة بيدها زمام الأمور. ما تطرحه ليس تغير بل وجهة نظر جديدة تعمل على ترقع البالي من الثوب القديم. هل يعني الإصلاح والتغير دعم الثابت والالتفاف حول المصطلحات لنعود للمربع الأول...أم تغير كامل يعطي دفعت ومعنى جديدين. التيارات، والمنظمات والأحزاب الدينية كلها يقتدي برسول وكتاب مقدس. مع ذلك لا نجد طرح يوحدها، أو اتفاق بينها، أو توافقـ، فكل منها له نهج، وطريق، وأسلوب مختلف. لماذا لا تتفق هذه الأحزاب فيما بينها وتستقر على رأي واحد.......لماذا لا تدخل في نقاش وسجال بينها وتتفق على رؤيا واحدة، تنتهي بتكريس حق المواطنة بالمساواة والعدل للجميع، وعدم تقسيم المواطنين بحسب انتمائهم العرقي أو الديني، أو أهل ذمة، وكفار الخ....

دائما نتحدث عن ما يجب أن يكون وليس على ما نحن فيه من أوضاع. نتحدث عن همومنا، أسلوب حياتنا، مكانتنا بين الشعوب. نتحدث ثم نخرج بالقرار الذي لا يعلوه قرار صمتا، وصراخا، وتشنجا...ربنا كبير، وينتقم من الظالم. معظمنا يحمل همومه لله في كل لحظة من لحظات حياته، هي عادة اليائس، البائس، المتردد، العاجز، المقهور، المظلوم الذي يريد أن يغير ولا يستطيع أن يجد مخرجا، إلا الدعاء، وصب اللعنات، والقنوط،، وإسقاط عجزه على الآخرين. التوجه لله خيار عقلاني صائب. لكن علينا أن نغير أسلوبنا ونسأله تعالى أن يعيننا على استعمال عقولنا بكل طاقة وإمكانية نملكها للتوجه الصحيح والعمل على التغير والإصلاح – أعقلها وتوكل-. الله لا يعمل بأسلوب الأخذ والعطاء، و ليس صاحب مؤسسة تجارية فيها عرض وطلب. كغيرنا من شعوب الأرض التي حلمت بالتغير والإصلاح، وتمكنت من ذلك علينا أن نقتدي بها وان نقلدها بالعلم والمعرفة، مع المحافظة إن أمكن على خصوصيتنا!!!. بغياب استقلال العقل لن نحقق نتيجة تذكر.

استقلال العقل يعني كسر الحجاب الذي يمنعنا من دخول المحرمات والغوص فيها والحديث عنها. من يعاند استقلال العقل لن يشرب من ينابيع المعرفة إلا مرها. سيعيش بصورة الأشياء لا بمادتها وروحها." فالعناد" كما يقول المثل "كفر" وهو صفة الأغبياء وحراس التخلف. التسويف والكذب لن يدوما مهما طال ليل استقلال العقل وسيره بطيئا، فان أخره سيجيء مشرقا ويضيء عتمة الجهل ويبعث الفكر من عقاله لينير درب المعرفة التي ستجهز على كل معاقل أمراء وملوك التجهيل، وقامعي الفكر والحريات ..ظاهرة توجه الشباب بالملاين إلى الإلحاد في العالم العربي ليست صرعة أو تقليد إنما هي احتجاج على عدم طرح الدين، لأفكار معاصرة تأتي من صلب العقيدة .

إقصاء، ومحاسبة، وإعادة تقويم كل رجال الدين، الداعين للتعصب وكراهية الأخر، والسياسيين الذين يلعبون بمقومات الشعب وأمواله، واستبدالهم بوجوه جديدة تقبل التعددية، وتنتهج التغير، وتنادي بالمواطنة وتدعم الحريات هي أولى خطوات التغير.

واجب السلطات الحاكمة احترام كافة مواطنيها وحقوقهم من خلال تشريع قوانين، وصياغة دستور يخدم الجميع. والامتناع عن وضع دستور على قياس الأحزاب وفكرها ومعتقدها. من واجبها إطلاق الحريات والدعوة والعمل على "استقلال العقل" وحمايته قانونيا. استقلال العقل يساهم في كبح كل فكر متطرف. على الدولة إخلاء سبيل أصحاب الرأي والضمير والفكر من سجونها، ومعتقلاتها، وعدم التعرض لهم وتصفيتهم جسديا.

لقطف ثمار التغير يجب أن يكون الدستور هو الحكم والفاصل بين جميع المواطنين، والمحافظ على حقوق كل منهم دون التمييز بين أكثرية وأقلية، عقيدة وفكر. وان لا تنص بنود الدستور أوتشير من قريب أو بعيد إلى دين أو طائفة المواطن، أو الدولة. المواطنون يتطلعون إلى تحقيق العدل والمساواة للجميع. بذلك نضمن "استقلال العقل". الاستقلال العقلي يعني أن نتصالح مع كل من يحمل عقيدة، أو إيديولوجيا تختلف من مواطن لأخر. يعني بعث الروح الإنسانية وجعلها في قمة أولوياتنا.

المجتمعات دائما في حالة حراك إلا مجتمعاتنا العربية فهي تتجه نحو السكون والانطفاء..وتكتفي بما هي عليه وتحارب من اجل بقائه واستمراره كما هو..الحركة عندنا لا تسير مع التاريخ لذلك نشهد تراجعها عقود إلى الوراء.ما لم يجتاح العالم العربي تسونامي" لتحرير العقل واستقلاله" سنستمر في اللاوجود المعاصر، ولن ينعم المواطنون بالهدوء المجتمعي. لان التخبط قد طال معظم التيارات الفكرية والعقائدية في مجتمعنا.

لا سلطان على العقل إلا العقل نفسه، بوظيفته الكاملة كما وهبنا إياه ألله...فلو شاء سبحانه وتعالى للإنسان عدم التقدم والتطور، العلمي والفكري،الخ... لأبقى عقلنا الإنساني جامدا أسيرا، محصورا في تعاليم ونمط حياة محدد في زمن لا يتغير، في مجتمعات ثابتة تعيد إنتاجا ذاتها. يموت فيها الإنسان ويلد خلفا له، في حياة تعاد وتتكرر برتابة، لتبقي جامدة كما هي عبر الزمن. أي ننتقل في الزمن، ولكن نبقى في نفس المكان نعيد استنساخ ذاتنا.

لا قيمة للإنسان كمخلوق إن كان الهدف أن يعيد ذاته. قيمته في أن يتجدد باستمرار، يتقدم ويتطور في كافة مجالات الحياة،. هذه هي إرادة لله عز وجل. معظم الآراء والأفكار الدينية والسياسية يجب أن تخدم وتدفع في اتجاه " استقلال العقل، لا معارضته...

كعرب، حاضرا نقف على مفترق طرق لبناء صرح حضاري عربي حديث مزدهر، أمامنا خيار واحد، فإما " استقلال العقل" أو"التراجع والتخلف".

--------------------------------------------------------------------------------------------------------
-1- مع العلم إن الأغلبية المسلمة معظم أفرادها متسامحون منفتحون على الأخر، ولكن جزء كبير من هذه
الأغلبية يسيطر عليهم سلبية الصمت عما يجري من إحداث، فلا يتقدمون بحلول، أو رؤيا للخروج من هذا المأزق إلا فيما ندر. هذه نقطة تحسب عليهم . ومن أقلية مسلمة متشددة منغلقة، تكفر الجميع ومن لا يتبعهم أو يحمل فكرهم من المسلمين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي


.. كاتدرائية واشنطن تكرم عمال الإغاثة السبعة القتلى من منظمة ال




.. محللون إسرائيليون: العصر الذهبي ليهود الولايات المتحدة الأمر


.. تعليق ساخر من باسم يوسف على تظاهرات الطلاب الغاضبة في الولاي




.. إسرائيل تقرر إدخال 70 ألف عامل فلسطيني عبر مرحلتين بعد عيد ا