الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النظرية العامة للتوزيع في الاقتصاد السياسي

محمد عادل زكي

2015 / 10 / 22
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


الفرضية هنا أن الرأسمالي بدأ عملية الإنتاج بمجموع قيمة مقدارها 10 وحدات، وفي نهاية العملية وجد بين يديه قيمة تفوق قيمة قوى الإنتاج الَّتي استخدمها؛ ولتكن الزيادة قدرها 22 وحدة. فكيف يتم توزيع هذه الزيادة في القيمة عند كل من آدم سميث، وديفيد ريكاردو، وكارل ماركس؟ فلنفترض أن الرأسمالي أنفق 4 وحدات لقوة العمل، و2 وحدة للمواد، و2 وحدة للآلات، و2 وحدة لإيجار الأرض. ونفترض كذلك أن قيمة الناتج الكلي تساوي10 وحدات (قيمة الرأسمال) + 22 وحدة (القيمة الزائدة)؛ فإن سميث يلقي في حقل التوزيع هذه الـ 22 وحدة، لأن هذه القيمة هي"القيمة التي يضيفها العمال إلى المواد". وهي تلك الَّتي تنحل عنده إلى أجر+ ريع + ربح. ونحن هنا نواجه بافتراضين: الأول: أن سميث يخرج الـ 10 وحدات "المسلَّفة" من حقل التداول ويردها للرأسمالي كرأسمال مسلَّف؛ كي يحولها إلى كنز، ويجعل10 وحدات من القيمة المنتجة حديثاً تحل محلها في حقل الإنتاج كأجور 4 وحدات، و6 وحدات تكاليف صيانة الرأسمال الأساسي وما تم استخدامه من الرأسمال الدائر (بوجه عام: قيمة ما استخدم من وسائل إنتاج معمرة وجارية، مع الأخذ في الاعتبار حساب الريع)؛ أما الباقي وقدره 12 وحدة، فيكون من نصيب الرأسمالي كربح، ربما دفع منه الفائدة إن وجدت. وهكذا يتم الاكتناز في كل الدورات بإخراج أحد أجزاء الرأسمال، أياً كانت طبيعته ومصدره، من دائرة الإنتاج. الافتراض الثاني: أن سميث يرى، وفقاً لفكره التنموي، أن القيمة المنتَجة مجدداً تستخدم في تشغيل عمالة جديدة، أي تستخدم في تجديد الإنتاج على نطاق متسع، ومن ثم تنحل القيمة الَّتي يضيفها الشغيلة، في إنتاج سابق، إلى أجور الشغيلة الجدد. ونحن من جانبنا نرجح الفرضية الأولى لتساوقها مع مجمل البناء النظري لآدم سميث في الادخار والاكتناز بقصد التراكم الرأسمالي ومن ثم النمو المطرد. مع الأخذ في الاعتبار أن الفرضية الثانية تمدنا بفكرة براقة عن تجديد الإنتاج على نطاق متسع. وهو ما أظن أن ماركس التفت إليه بذكاء، وبصفة خاصة حينما رفض فكرة الاكتناز/التسليف، أي رفض إخراج أحد أجزاء الرأسمال من دائرة الإنتاج؛ فوجد بين يديه القيمة الزائدة في أنقى صورها. فطبقاً لفرضيتنا بأن الرأسمالي بدأ عملية الإنتاج بـ 10 وحدات، وأن قيمة الناتج الكلي تساوي 32 وحدة، فماركس سوف يستخدم 10 وحدات من الـ 32 وحدة من أجل تجديد الإنتاج، أي سوف يدفع الأجور وقدرها 4 وحدات ويخصم تكاليف صيانة الرأسمال الثابت والرأسمال الدائر 6 وحدات، وبالتالي سيجد بين يديه الـ 22 وحدة الزائدة في أنقى الصور. وبالتالي سيرى القيمة الزائدة بمنتهى الوضوح. أما ريكاردو الذي استقبل فكرة "القيمة التي يضيفها العمال" من آدم سميث وتقبلها كمعطى دون أن يثيرها من خلال المناقشة كعادته مع جُل أفكار سميث، إلا حينما استبعد الريع من مكونات القيمة؛ فقد رأى أن القيمة تنحل فقط إلى مقابل العمل الحي أي الأجر، ومقابل العمل المختزن أي الربح، وهو يستبعد الريع ابتداءً من التزام حاسم بقانون القيمة؛ فهو لا يدخل في حساباته إلا الأشياء الَّتي كانت نتاج العمل مثل المواد والآلات والعمل نفسه، أما الأرض فهي مستبعدة لأنها لم تكن نتاج العمل؛ إذ وفقاً لافتراضنا سوف يبدأ الرأسمالي بـ 10 وحدات من الرأسمال، وحينئذ سيفحص ريكاردو التوزيع الأولي لتلك الوحدات على مستوى القيمة، وليس مستوى النفقة، بمعنى أنه يطرح على نفسه السؤال، وصولاً لقيمة السلعة، ما الأشياء الَّتي هي نتاج العمل؟ وحينئذ يجيب: المواد (2 وحدات) والآلات (2 وحدات) والعمل (4 وحدات). ومن ثم فإن قيمة السلعة هنا ستكون (8 وحدات) أما نفقة إنتاجها(*) ستكون (10 وحدات) وبالتالي فإن "القيمة التي يضيفها العمال" سوف تنحل إلى أجر للشغيلة وربح للرأسمالي. أما الريع فهو يبحثه على مستو مختلف يخضع لقوانين موضوعية مغايرة. في جميع الأحوال لن يمكن حساب الربح إلا بعد خصم إجمالي تكاليف الإهلاك للآلات والمباني، والمواد بالطبع. أي أن صيانة الرأسمال الأساسي والدائر تحسب ضمناً عند الكلاسيك بافتراض الرأسمال المسلَّف والاكتناز بقصد التراكم الرأسمالي، من القيمة الزائدة المنتجة مجدداً؛ لأن الرأسمالي لن يتنازل عن جزء من ربحه الصافي من أجل تجديد الإنتاج. بل ولن يمكن حساب الربح الصافي إلا بعد خصم الريع والفائدة والضرائب الحكومية والادخار وما عسى أن يخصصه الرأسمالي من أجل تجديد إنتاجه على نطاق أكثر اتساعاً. أما ماركس، فقد رفض، ابتداءً من استبعاد فكرة الاكتناز، انحلال القيمة الزائدة إلى أجر. وقرر، في البداية. بداية نقده للبناء النظري للكلاسيك، أن الشغيلة لا يشاركون
الرأسمالي في القيمة الزائدة الَّتي أنتجوها؛ فالعامل عقب أن ينتج معادل قيمة قوة عمل (الأجر) ينتج قيمة زائدة لا يشترك فيها بنصيب مع الرأسمالي. ومن هنا لا تنحل القيمة الزائدة عند ماركس إلا إلى ربح وريع وفائدة. والرأسمالي على هذا النحو، سوف يتنازل، وفقاً لماركس، عن جزء من ربحه إلى مالك الأرض في صورة ريع. كما سيتنازل عن جزء آخر إلى الرأسمالي المالي في صورة فائدة. ولكن، من الملاحظ أن هذا النظر في التوزيع عند ماركس لا يصمد كثيراً حين تجديد الإنتاج على نطاق متسع؛ إذ سوف يتم، بالتناقض مع ما بدأ به ماركس نقده لسميث وريكاردو، استخدام جزء من القيمة الزائدة الَّتي أنتجها الشغيلة في صورة أجور تُدفع للشغيلة الجدد. ومن ثم يختفي الحديث عن انحلال القيمة إلى ربح وريع وفائدة، ولم يعد الآن لدينا، حين تجديد الإنتاج الاجتماعي، إلا انحلال القيمة الَّتي يضيفها العمال خلال عملية الإنتاج إلى قيمة زائدة. هذه القيمة الزائدة تستخدم كلياً في تجديد الإنتاج البسيط، وجزئياً في تجديد الإنتاج على نطاق متسع. وهي حين تستخدم على نطاق متسع إنما تنحل إلى أجور وأرباح. أي كما انتهى الكلاسيك. وريكاردو بالأخص. وعلى الرغم من أن الاقتصاد السياسي الكلاسيكي لا يفرق، كما نعرف، بين العمل وقوة العمل، ويقسم الرأسمال إلى أساسي ودائر، إلا أن الفكرة المتعلقة بالناتج الزائد بفضل العمل الإنساني تظل صحيحة، وحينما يتلقف ماركس فكرة القيمة الَّتي يخلقها الشغيلة، يعيد طرحها بعد إعادة النظر في أمرين: أولهما: أن الرأسمالي يشتري قوة العمل، وليس العمل. ثانيهما: أن الرأسمال ينقسم إلى ثابت ومتغير، بدلاً من التقسيم الكلاسيكي إلى أساسي ودائر. بيد أن النتائج في التحليل النهائي واحدة: قوة عمل غير مأجورة. قيمة زائدة تستخدم في تجديد الإنتاج الاجتماعي. طبقات لا تشارك في الإنتاج وتستحوذ على النصيب الأكبر من هذا الإنتاج.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ألعاب باريس 2024: اليونان تسلم الشعلة الأولمبية للمنظمين الف


.. جهود مصرية للتوصل لاتفاق بشأن الهدنة في غزة | #غرفة_الأخبار




.. نتنياهو غاضب.. ثورة ضد إسرائيل تجتاح الجامعات الاميركية | #ا


.. إسرائيل تجهّز قواتها لاجتياح لبنان.. هل حصلت على ضوء أخضر أم




.. مسيرات روسيا تحرق الدبابات الأميركية في أوكرانيا.. وبوتين يس