الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


روسيا والثورة الشيوعية... سرد تأملي مختصر... ستخانوف هرقل السوفييت (3)

حسين محمود التلاوي
(Hussein Mahmoud Talawy)

2015 / 11 / 12
في نقد الشيوعية واليسار واحزابها


في إطار هذه المتابعة — غير المتصلة في واقع الأمر — لأحداث وتطورات الثورة البلشفية، سيكون من المفيد إلقاء الضوء على بعض الشخصيات من الرجال والنساء الذين لعبوا أدوارًا أساسية، سواءً من الناحية التنظيرية أو السياسية أو الميدانية بشقيها العسكري أو الحركي، ليس فقط في التمهيد للثورة وإشعالها وإنقاذها كذلك في لحظات الضعف، بل أيضًا العمل، بعد هدوء المدافع، على تحقيق أهدافها.
ولكنني رأيت أنه سيكون أكثر إفادة، لو ألقيت الضوء على بعض الشخصيات غير المعروفة — على الأقل بالنسبة للقارئ العادي — من الفاعلين في الثورة البلشفية، وهي الشخصيات التي تمثل صفحات متوارية في الظل خلف الصفحات الرئيسية في كتاب الثورة البلشفية؛ تلك الحدث البارز في التاريخ الإنساني. فالكثيرون من غير المتخصصين يعرفون كارل ماركس، وفلاديمير لينين، وجوزيف ستالين وغيرهم من الأسماء التي تأسست عليها الثورة البلشفية سواء فكريًّا، أو حركيًّا، ولكن القليلين يعرفون "سيرجي كيروف" و"كامينيف" و"ستاسوفا"، الذين قامت الثورة البلشفية على أكتافهم كل في موقعه.
وتأتي كذلك الشخصية التي اخترتها اليوم لتعبر عن جانب مهم من جوانب الحياة داخل الاتحاد السوفييتي بعد نجاح الثورة البلشفية، وهو حياة الطبقة العاملة، وأحلام العمال المنطلقة بدوافع من الحلم الثوري باكتساح الطبقة العاملة للعالم بأسره. هذه الشخصية هي "آلكسي ستخانوف"؛ ذلك العامل الذي يمكن أن يطلق عليه بحق لقب "هرقل الاتحاد السوفييتي" بلا مبالغة. فمن هو هذا الهرقل؟! وما الدور الذي لعبه في مرحلة ما بعد استقرار الثورة وانطلاق الحلم العمالي في الاتحاد السوفييتي؟!

ستخانوف
هو آلكسي ستخانوف أحد عمال المناجم ولد عام 1906 في بلدة لوجوفايا في إقليم الأورال، ودرس في الأكاديمية الصناعية في موسكو، وكان في الأساس سائق حفارات، وحصل على دورة تعليمية في التعدين. بزغ نجم ستخانوف في فترة تولي جوزيف ستالين حكم الاتحاد السوفيتي، وتحديدًا في أغسطس عام 1935، عندما لمع اسمه في الصحف الروسية كنموذج على الحلم العمالي السوفييتي؛ حيث ذكرت التقارير الصحفية وقتها أن هذا "البطل" — كما وصف في تلك التقارير — قد استطاع بمفرده استخراج 102 طنًا من الفحم في وردية واحدة أو في 5 ساعات و45 دقيقة من العمل الفعلي، وهو ما يوازي 14 ضعف قدرة العامل العادي على الأداء في الفترة الزمنية ذاتها.
هل ستخانوف أحد رموز الدعاية السوفييتية؟! لا يمكن الإجابة بنعم على هذا السؤال بقلب مطمئن بالنظر إلى أن الأحلام الثورية تدفع الأفراد لفعل المستحيل، وكذلك الأحلام غير الثورية في الواقع؛ فالأحلام تدفع الأفراد لتقديم أداء يفوق القدرات المتخيلة عن أشخاص في ظروفهم، ولنا في حرب رمضان أو السادس من أكتوبر نموذج على تجاوز المقاتل المصري الفرد للحد الأقصى من الأداء المتاح للمعدات العسكرية له بشهادة المؤرخين العسكريين من الجنسيات المختلفة، ومن بينهم الصهاينة أنفسهم.
لذلك، لا يمكن القول إن ستخانوف كان نموذجًا على الدعاية السوفييتية، ولكن إلقاء هذا السؤال له ما يبرره؛ لأن ظهور هذا الشخص الطفرة جاء في العام 1935؛ أي في وقت اشتدت فيه الأزمة الاقتصادية داخل الاتحاد السوفييتي بفعل الانتقال إلى التصنيع، وهي السياسة التي اتبعها الزعيم السوفييتي جوزيف ستالين لنقل الاتحاد من الاقتصاد الزراعي الذي كان سائدًا أيام القيصرية وفي أوائل حكم البلاشفة إلى الاقتصاد الصناعي متخذًا العديد من الإجراءات لوقف ترك العمال وظائفهم والتحول إلى وظائف أخرى، وتشجيع الإقبال على الالتحاق بالوظائف الصناعية وتخفيف حالة الإحباط والسخط التي تصاعدت في أوساط الطبقة العاملة بفعل زيادة عدد ساعات العمل كأحد نتائج الانتقال إلى الاقتصاد الصناعي، وكذلك أيضًا بسبب انخفاض القوة الشرائية للعملة المحلية نتيجة التضخم الذي ضرب البلاد، مما جعل الرواتب لا تساوي أكثر من نصف قيمتها قبل التضخم.
استغلت القيادة السوفييتية ظهور ستاخنوف أفضل استغلال؛ حيث بدأ العمل على استخدامه في تحقيق الهدف الرئيسي من عملية التحديث الصناعي للاتحاد السوفييتي، وهو زيادة الإنتاج الصناعي وزيادة الإقبال على العمل في المصانع. تمثل هذا الاستغلال في اعتبار ستخانوف رمزًا للوطنية في الاتحاد السوفييتي، وكذلك أيضًا في تشكيل فريق من نخبة العاملين باسم "الستخانوفيون"، وهو الفريق الذي كان أفراده يزورون المصانع والمناجم، ويلقون فيها المحاضرات التوعوية عن كيفية زيادة الإنتاجية. وكان أفراد هذا الفريق يحصلون على مكافآت إضافية نظير أعمالهم الإضافية هذه.

رد فعل؟!
من القوانين الفاعلة في الطبيعة أن لكل فعل رد فعل مساوٍ له في المقدار ومضاد له في الاتجاه، وقد تحقق هذا القانون إلى حد كبير في حالة فريق آلكسي ستخانوف؛ حيث تذكر بعض المصادر التاريخية أن بعض مديري المصانع أخذوا يتذمرون من وجود هذا الفريق في مصانعهم ووحداتهم الإنتاجية، نظرًا إلى أن أعضاء الفريق كانوا ينتقدون الإدارة في الكثير من النقاط بل كانوا كذلك يعتبرون بعض هؤلاء المديرين حجر عثرة في طريق انطلاق التحديث الصناعي في الاتحاد السوفييتي.
ولما كان المديرون يتذمرون، فمن الطبيعي أن نجد التذمر يمتد إلى العمال أنفسهم؛ لأن هذا الفريق كان يدعوهم إلى زيادة الإنتاج، وهو ما يعني بالتبعية ساعات عمل أطول، ربما لا تعوضها المبالغ المدفوعة نظير هذه الساعات الإضافية. ولم تخرج النقابات العمالية أيضًا من دائرة الفئات المتذمرة؛ حيث كانوا ينتقدون المطالب التي يدعو إليها أتباع هرقل السوفييتي معتبرين إياها عبئًا إضافيًّا على العمال.
ولكن كما قلنا إن قانون رد الفعل تحقق إلى حد كبير، وليس تمامًا؛ لأنه تحقق في جزئه المتعلق بأن رد الفعل يكون مضادًا في الاتجاه للفعل الأصلي، ولكنه لم يكن مساويًا له في المقدار؛ لأن هذا الفريق استمر في عمله، ولم تلتفت القيادة السوفييتية لكل أوجه التذمر والانتقادات الموجهة إليه؛ لأن الفريق ببساطة كان يهدف إلى تسريع وتيرة التحديث، وهو ما يتفق تمامًا مع السياسة العليا للبلاد.
لقد فاز فريق آلكسي ستخانوف في هذه المواجهة، بل إنه حصل على لقب بطل القوى العاملة الاشتراكية عام 1970؛ أي قبل وفاته بـ4 أعوام، وسُميِّت مدينة كادييفكا الأوكرانية التي بدأ فيها عمله في التعدين باسم ستخانوف عام 1978؛ أي بعد وفاته بـ4 أعوام.

لم يكن ستخانوف أحد رموز الثورة البلشفية، ولكنه كان علامة فارقة في تاريخ الانتقال إلى التصنيع في الاتحاد السوفييتي السابق، وكان أحد أبرز الأسماء التي ساهمت في نجاحها، وهو النجاح الذي عضد موقف جوزيف ستالين في الحكم، ومكنّه من البقاء في حكمه، ومن تحقيق الاستقرار في بلد ناشئ مزقته تداعيات السياسات القصرية، والحروب الأهلية، والعالمية كذلك، ليواجه بكل نجاح فيما بعد أكبر تحد يمكنه أن تواجهه دولة في العالم وهو الغزو النازي على يد هتلر.
فهل يمكن القول — بكثير من التجاوز وبالاستغلال الفادح لمبدأ السبب والنتيجة — أن فريق الستخانوفيين كان أحد العوامل التي ساهمت فيما بعد في تغلب السوفييت على النازيين وتحول الاتحاد السوفييتي إلى واحدة من قوتين عظميين حكمتا العالم على مدار جيلين تقريبا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية؟!
ربما يكون ستخانوف قطرة مطر ضمن سيل جارف احتشدت كلها في طريق واحدة مكتسحة كل العوامل والمحاولات التي رمت إلى عرقلة المسيرة السوفييتية خلال النصف الأول من القرن العشرين.
وفي المرة القادمة بإذن الله، سيكون معنا نموذج تصنيعي آخر ولكنه نسائي هذه المرة ممثل في الخياطة جونوبوبليفا. فماذا فعلت جونوبوبليفا؟! لهذا حديث آخر.
******








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - غريب عجيب
عبد المطلب العلمي ( 2015 / 11 / 12 - 18:13 )
يقول الكاتب:حالة الإحباط والسخط التي تصاعدت في أوساط الطبقة العاملة بفعل زيادة عدد ساعات العمل كأحد نتائج الانتقال إلى الاقتصاد الصناعي، وكذلك أيضًا بسبب انخفاض القوة الشرائية للعملة المحلية نتيجة التضخم الذي ضرب البلاد
لم تكن هناك اي زياده لساعات العمل ،في روسيا القيصريه11,5ساعه و سته ايام عمل دون اشاره الى اجره ساعات العمل الاضافيه او الاجازات.1917 تم اقرار8ساعات و سته ايام في الاسبوع.عام1933 تم التخفيض الى 7ساعات و خمسه ايام عمل في الاسبوع.فقط في فتره الحرب و بقرار خاص تم العوده الى8ساعات و سته ايام عمل(فقط في فتره الحرب)من هنا اصبح واضحا ان مجموع ساعات العمل الاسبوعيه تم تخفيضها و ليس زيادتها كما يدعي الكاتب.
التضخم في تلك الفتره كان عكس ما يشير الكاتب سلبيا و ليس ايجابيا.يكفي الاشاره الى ان الفائده البنكيه كانت3%سنويا(قرار107من27ايلول34،فاي بنك يقرض بفائده اقل من معدل التضخم.
كذلك ذكر:وهو ما يعني بالتبعية ساعات عمل أطول، ربما لا تعوضها المبالغ المدفوعة نظير هذه الساعات الإضافية.
الساعات الاضافيه حسب القانون لا يمكن ان تتجاوز ربع عدد الساعات القانوني و تدفع اجرتها مضاعفه.

اخر الافلام

.. ما شكل المقاربة الأمريكية للدفع باتفاق سياسي لإنهاء الحرب في


.. خلافات معلنة بين بايدن ونتنياهو.. ما تأثيرها على الانتخابات




.. واحات جنوب المغرب -الساحرة- مهددة بالزوال!! • فرانس 24 / FRA


.. السفينة الأميركية -ساغامور- تحمل أولى شحنات المساعدات من قبر




.. #متداول.. مستوطنون يقطعون الطريق بالحجارة أمام شاحنات المساع