الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوَلَدِ السَّوْمَري بين الترحال وعشاءه الاخير قراءة في قصيدة الشاعر (أجود مجبل - رحلة الولد السومري )

احسان العسكري

2015 / 11 / 27
الادب والفن


إن درجات الجمال مهما اختلفت وتنوعت ستبقى تحت عباءته ولن تفترق عن مضامينه مها اسرف الشعراء او تجاهلوا و اجتنبوا الغوص في مكنوناته ويبقى الشعر رهين الابداع والتجربة وصناعة الذات وتجميلها حسب امكانية وتطور الأنا الايجابي في نفس الشاعر وكل الذي نراه جميلاً واو جيداً في الشعر هو في الحقيقة من صدق ما يعيشه الشاعر إن شعر الذات ذاته هو نتيجة لانغماس الشاعر الكلي بنفسه وايمانه المطلق بالشاعرية التي تداعب خلجات نفسه اينما حل وفي اي طريق سار . شاعرنا هو أجود مجبل الشاعر الذي اختلط بذاته مع ذات الوطن وخالطه كجسد أولا وهنا شكل نقطة بالغة الأهمية في مسار الشعر بحداثوية كلاسيكية جميلة ورائعة.
" تباركتَ ايها السومري  
وطُوبى لما يتساقطُ من شجرِ الأُرجوانِ عليكْ
إلى أينَ تمضي؟
وأيُّ رصيفٍ سيُعشبُ من دَمعتيكْ؟
وكلُّ الدروبِ مُفخَّخةٌ،
والسواحلُ تَرتابُ مِنْ قمرٍ ماتَ بين يديْكْ "
* ان المستمع والقاريء لشعر أجود مجبل يرى بوضوحٍ تام مدى حرفته وعلو امكانياته مستخدماً وضائف الشعر في التركيز على جمالية النص وعمق الفكرة فأنك حين تقرأ له تشعر انك تسمع كلاماً طبيعياً وما إن يشد انتباهك قيلاً حتى ترى انك امام هالة من الشعر ومجررة كبيرة وواسعة من الابداع فإن أخذنا على سبيل المثال هذا النص وامعنا النظر قليلاً في مطلعه سندرك ان اجود مجبل في عصرِه الخاص وإن سبق الكثير من الشعراء بعصور كيف لا وهو السومري المبارك المعانق لقطر الارجوان والغارق في عصر الانتماء لذاته وذات الوطن التّان خلطهما تلقائيا وهو يبحث عن اتجاهٍ ربما يجد فيه راحة وديمومة العشق لكليهما إن وجده لكن تلك التدروب المكتضة بالحقد والمفخخة بالجهل التي تحول الى كتلٍ من الدخان والنار والاشلاء البريئة وهو يشاهد النجوم تهوي بلا ذنب والاقمار تنهار بلا سبب فقط لأنها سومرية
" ستبزُغُ دونَ سماءٍ،
وتجلِسُ مُرتبكاً في العَشاءِ الأخيرْ
تُوزِّعُ أَختامَكَ العَدَميَّةَ
للفائضينَ عن السيْفِ،
والخارجينَ على بَصَماتِ الأَميرْ
أَزْرارَ كلِّ السواقي ،
وتهتِفُ بين زجاجِ المكاتبِ، بين المطاراتْ
ألا فارفعوا قبّعاتِكُمُ عالياً بالتحيِّةِ إنّي الأَميرْ
هنا في جمهورية أور نمو ذو السلالات الممتدة عبر العصور والازمنة طالما وقف المشيعيون على جانبي الطريق ملوحين للقدر بانحناءة المسكين وما إن انتفضوا لذاتهم حلقوا في الافاق بحثاً عن الوطن البديل لأنهم ببساطة فائضون عن السيف بعد ان حصد ما حصد من اقرانهم الذين لما يزال القمر يبزغ على جباههم غير آبه بخوفهم ولا منتشٍ ببهائه فهو قمر الفقراء الذي كلما تجاذبتهم ويلات الحياة حسبوه رغيف خبز لأن سلالة النفعيين لم تتك في الافاق بصمة الا وأدمتها ببصامتها المتدينة جوراً وظلما ,ان الحالة الأفهامية هنا ترتكز بشكل شبه كلى على الاصلاح وان تتوخ الإصلاح فهي تتبنى الانتفاضة وهذه الانتفاضة التي تمارسها الروح كردٍ على انتهاك سافر لكيانها لا تجدُ غالباً اذنا صاغية في زمن تكثر فيه الخدود التواطقة للصفع ...*
" تباركْتَ كم كُنتَ مُنشغِفاً بالنهايةِ،
كم أفْلَتَتْ منكَ أَندَلُسٌ؛
واتكأْتَ على سُورِ غَرناطةٍ وبكيتْ
وسَدَّ مُلوكُ الطوائِفِ
كلَّ الدروبِ عليكَ فراوغْتَهُمْ وَمَضيتْ
خُذِ الريحَ تعويذةً أيّها المَطريُّ؛
فإنَّ النبوءةَ تبدأُ من قدميكْ
* عودة البركات من جديد في نص الكبير أجود مجبل تدل على حزنه العميق وهو يراقب الخسارات عبر التأريخ وسط ضجيج من شعارات النصر المزعوم , نصر لا مكان له في قواميس المنتصرين في العالم أجمع نصرٌ يؤمن به الخاسرون وحسب فشعوبنا بلا منازع ماهرة في التقاط النوى والعتب على من القاه وهي لم تدرك الى الآن ماهية الزراعة . اجود مجبل ذلك المرتحل في زمن صعب كان العراق فيه يعاني الامرين من سلطة ظالمة وجوعٍ لايرحم فـ الخمس فوائد التي يطمع لها المرتحلون هي عند أجود مجبل ست ففوق تفرج الهم ويسر المعيشة والعلم والأدب وصحبة الخيرين في الغربة اضاف شاعرنا بنداً سادساً هنا وهو الانتماء لتلك الذات المتحدة تحت ظل نخيل النبوءات ذلك الظل الذي يقي من الشمس ويغازل المستظل فيه حبات البرد المتهاوية من جبين القمر وبعض الندى وكثير من الماء إنه ماء وجه النخيل الذي يرفض الشاعر تماماً ان يكون قد اريق الى ليروي عطش الغريب في نفسه وكأنه يريد ان يقول قفوا هاهنا فالكرمُ ليس صنعة بل هو خلق هنا حيث تتساما مفاهيم النبوءة من جذور السامقات لتزين السماء بزغاريد الامهات وسواد (الشيلة) تعويذته التي مهما اشتد بها الحزن تبقى بعطرها المعهود
" تَلوَّثَ جمرُكَ بالبردِ فلْتسترحْ،..!"
كيف صور الشاعر هذه الملحمة وحصرها في هذا الشطر ؟ وماهي الرسالة التي يريد ان يوصلها لذاته ؟ فإذا كان هدف الرسالة المرجع هو اعادة بناء ذاته فما الذي يريد ان يفهمه القاريء من هذا السياق؟
" ولْتُدَفِّىء يديكَ بيأسِ الغيومِ
مُثقَّبةً بالشظايا
وكُنْ حذراً ياصديقَ المَرايا
لبعضِ النوارسِ تقتربُ الشرُفاتْ
وما يتبقَّى يفتِّتُهُ الموجُ والزبدُ المُستريبْ
لبعضِ السفائنِ
ما يذْخَرُ البحرُ من جُزُرٍ لا تُكرَّرُ
والقاعُ مِنفضةٌ للبَقايا
فإيّاكَ أن تُغمضَ القلبَ،
في ليلِ عاصمةٍ لمْ تبايعْكَ،
إن الوظيفة المكانية للنص هنا تعد انتقالة كونية عبر عصور من الحضارات وازمنة من الخسارات التي نتجت عن حرائق وبرد وتكتل لشراذم من النفعيين والانتهازيين والوصوليين عبيد الكهنة وتابعي ملوك الظلم لأن عباءة السومري المثقبة بالشظايا لما تزل تزاول الحنين وهويتها الازلية منح الانسان الدفء . ان الاناسن الذي يتأمل ماضيه كثيراً لايمكن ان يبدع في ايجاد حاضرٍ وردي له ويكِّون من دون ان يشعر مستقبلاً مظلما تعيساً بائساً يرفض الشاعر أجود مجبل ان يدخل هذه الدوامة القدرية لذا نجد ان الوظيفة الانتباهية هي التي يركز عليها الشاعر عن طريق الايقاض من السبات غير المبرر وإثارة انتباه المخاطب ثم التأكد من انتباهه ثم الولوج في تفكيره والسيطرة على مفردات كيانه لعله يتحرك قليلاً ويرمي وراءه عصر الخسارات ويستعد لاستقبال زمن التحدي لذا يتضح جلياً ان الشاعر هنا يغازل الأمل بأجنحة النوارس وكأنه يريد ان يقول : لابد للشاطيء من ظهور ولابد للزبد ان يذهب جفاءاً فاتبعني ايها الراحل وسأدلك على غربة حقيقة تجد فيها نفسك بدلاً من حضورٍ وهمي انت فيه مضّيع ومهدد فقم واترك بقايا جزعك وانظر بقلبك بعدما لم يعد لنظر عينيك من فائدة فأنت مملكة عاصمتها الحزن الذي لاتجد فيه من روح يمكن ان تتكىء عليها لتعيد نفسك لنفسك وانتبه جيداً و :
إيَّاكَ يا سَوْمَريُّ لغير هواكَ تُشيرْ
فأنتَ الذي قد رأيتْ
وجُبْتَ البلادَ تفتّشُ عن عُشْبَةٍ وسماءٍ وبيتْ
وأَرشدْتَ دجلةَ نحو مَصبِّ الفراتْ
وظِلُّكَ بين المصابيحِ
يَشْحَبُ..... يَشْحَبُ..... ثم يَغيبْ "
*ويستنكرُ الشجب ماضيك وإن قبله حاضرك فأنت ان بقيت هكذا فاقرا السلام على مستقبلك الذي لا تملكه اساساً حيث تتخطى عراقيل الرحيل بحثاً عن مكامن الراحة المتوخاة من كل هذا العناء وما صبرك الا محض استراحة من الم في روحك فانتبه لأن وجع الفراق اشد حضوراً من قرقعة المفاتيح المزعومة
تُوثِّقُ ما سَوفَ يُنسى من الحزْنِ،"
بين الوُعولِ التي أَكَلَتْ عُشْبَها السُّرفاتْ
وطفلٍ بإحدى مَدارسِ (أوروكَ) يبكي،
يضُمُّ أصابعَهُ اللّبنيَّةَ مُنطفِئاً
ثمّ يكتبُ:
ماتَ أبي في الهواءِ الغريبْ "
* رحم الله الوطن الذي يسابق الابتعاد فيك ,هكذا ينغمس أجود مجبل بشاعر متمكن فلكل مقام عنده مقال وكل مقال له صداه وتأثيره بالجمهور لأن الجمهور هنا ظاهر وماثل في وجوده الواضح والملموس في مقالات أجود التي كتبها شعراً ناطقاً بالنيابة عن السومريين لذلك تجد العلاقة بينه وبين جمهوره علاقة خاصة وفوق كل هذا هو بارع في نمط الألقاء وعاطفيته وأدائه الحركي والصوتي . أجود مجبل الانسان الرافض لكل ربح يأتي بعد حرب هو المؤمن بالحياة والانسانية والمبغض للتعالي والانانية يمتلك روحاً شاعرة رائع جداً وكبيرة جداً الا انه ذلك المنتمي لهؤلاء السومريين بل تعدى ذلك الى انه يعشقهم عشقاً لا معادلة فيه غير رجاحة كفة الانسانية في شعره وعمق انمائه العاقل للتأريخ حيث ان هذا الانتماء لم يجعله مع اسراب المنتمين للقدر ولا المغردين خارج السرب , هو منه وفيه وله ونضوجه الأدبي الكبير جعل منه متميزاً وهذا ما يقلل من المدى الرحب الذي يحققه غالبا الغرض الشعري في كل رسالة من رسائله التي يتوخى فيها التركيز على البعد الجمالي والنسج الغوي الرائع والتصوير الشعري العميق والحضور البهي في نفس القاريء .. قلت له مرة أنا حينما أكون في محفل انت حاضر فيه يتملكني الإطمئنان لأني ببسساطة (وهذا حقي) اراهن عليك وعلى شاعريتك . أجود مجبل هوية شعرية عربية عراقية بثوبٍ عالمي وانتماء عظيم لعكاظ العراق سوق الشيوخ . ما إن تقف معه حتى تشعر انك بخير وانك لستَ وحيداً فهو الصديق الطيب والمعلم الذكي والشاعر الإنسان








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: كان نفسي أقدم دور


.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: -الحشاشين- من أعظم




.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: خالد النبوي نجم اس


.. كل يوم - -هنيدي وحلمي ومحمد سعد-..الفنانة دينا فؤاد نفسها تم




.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: -نجمة العمل الأولى