الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقاربات في نقد عرض مسرحي

أبو الحسن سلام

2015 / 12 / 4
الادب والفن


مقاربات في نقد عرض مسرحي -
كاليجولا الأمريكي يمتلك القمر
الشاعر المسرحي مهدي بندق

كتب الشاعر المسرحي مهدي بندق هذا المقال ونشره بعدد مجلة المسرح في صيف ٩-;-٧-;- والمقال في نقد عرض كاليجولا الذي أخرجته في صيف ١-;-٩-;-٩-;-٧-;- على مسرح قصر ثقافة الأنفوشي لفرقته المسرحية ؛ ونظرا للقيمة الفكرية والفنية لكتابات الشاعر الناقد المفكر الوطني ؛ لذا وجدت من المناسب عرض مقاله ؛ خاصة وقد توقف عن الكتابة بهدف التواصل مع الواقع المعيش الذي نعيشه الآن ؛ وهي حالة أقرب إلى حالة التصوف . وعلى الرغم من أن التصوف " شئ جميل " - بتعبير د. جابر عصفور في سؤاله عن مهدي عندما اتصلت به مهنئا بكونه على رآس وزارة الثقافة - إلا أنني علقت شريطة أن يكون تواصل نورانية ذاته بنورانية الأنا المطلقة على هيئة شعر صوفي ؛ يعيد لنا ابن الفارض أو ابن عربي .
ولكني لم أقرأ بمهدي منذ بدأ اعتكافه رهن ذكريات أيام توحده مع رفيقة حياته وشقيقة روحه الراحلة فوزية سبل غير قصيدتين - خلال عدة أعوام مضت-
ومع هذا المقال الذي فكرت بإعادة نشره - دون الرجوع إليه - يتعلق بعرض مسرحي أخرجته منذ ١-;-٧-;- عاما ؛ إلا أنه يكشف عن الكيفية التي يجب أن يكون عليها عمل الناقد التأويلي ؛ وكيف يقارب بين الحقيقة التاريخية والحقيقة الفنية ويتلمسها في المنتج الإبداعي ؛ ممسكا بوعي المبدع كاتبا أو فنانا بما يدور حوله في عالمنا الذي نعيشه ؛ يمسك به متلبسا بموقف فلسفي من ذلك العالم مسلحا بوعيه الطبقي الذي يعكس هويته على مؤلفه أو عرضه المسرحي
هذا هو الإطار النظري الذي دار حوله مقال مهدي بندق النقدي بمقاربات معرفية تاريخية وفلسفية وموازنات لفكر الصورة المسرحية في رؤية مخرج العرض ؛ ليصل بنقده إلى الفصل بين حدود توحد خطاب الإخراج مع خطاب النص، وحدود الاختلاف تفسيرا أو تأويلا .
هذا المقال إذن إضافة حقيقية لحقل النقد المسرحي التطبيقي الشارح لوعي المخرج المسرحي بوعي الكاتب بخطاب نصه المسرحي ونسفه الدرامي والجمالي ؛ ليضيف الإخراج إليه هوية عصره ونظرته الكلية للعالم . والآن أدعوكم إلى قراءة مقال مهدي بندق النقدي ؛ عل من له عليه دلال أن يدعوه إلى أن يعيد إلينا شاعريته المتدفقة ودوره الفكري وتحليلاته الأدبية والفكرية - دون الساسية طالما أن السياسة فيما يرى ونرى الآن أصبحت عمل من لا عمل له -

المقال النقدي
" حسن مافعل د. أبو الحسن سلام باختياره نص الأديب العالمي ألبير كامو" كاليجولا" ليقدمه على مسرح قصر ثقافة الأنفوشي إلى جماهير الإسكندرية المتعطشة - موضوعيا- للمعرفة ولتذوق ثمرات الإبداع العالمي الرفيع لا سيما ثمار الفكر الوجودي بتحوير خاص يناسب المرحلة الحالية .
ذلك أن كامو حين كتب نصه الجميل هذا إنما كان مدركا - شأنه شأن مثقفي اليسار الفرنسي في الخمسينيات - أن الماركسية التي أرادها مؤسساها ماركس وإنجاز مرشدا للعمل وليست عقيدة جامدة قد تحولت في التطبيق على يدي لينين آولا ثم ستالين ثانيا إلى ديكتاتورية حزب ثم إلى ديكتاتورية شخص واحد هو سكرتير عام الحزب ، وعلى يدي هذا الديكتاتور الفرد ثم القضاء على الألوف من كوادر الحزب ذاته وعشرات الألوف من الإشتراكيين الديمقراطيين ؛ فضلا عن سحق إرادة الملايين من الوطنيين المعارضين لأسلوب الحكم .
وفي هذا المناخ كتب ألبير كامو مسرحية كاليجولا ؛ لكي يقول إن الحرية المطلقة وهم مطلق . وسواء طلب هذه الحرية المطلقة المشروع الغربي القائم على فكرة الفردية المحضة أو طلبها المشروع السوفييتي القائم على نفي الفردية ( وهذا وهم آخر ؛لآن الدولة سيحكمهافرد في نهاية المطاف ) فإن الديكتاتورية هي التي سوف تتربع على عرش العالم . ولسوف تطلب المحال ( القمر) ولسوف تسقط في الختام تحت وطأة المؤامرات والعنف المضاد .
فلماذا اختار مخرجنا الأكاديمي د. سلام هذا النص؛ وفي هذه المرحلة تحديدا ؟. وهل تراه التزم برؤية. " كامو" التي انطلق منها الأديب العالمي في مرحلة الخمسينيات ؟.
لو فعل ذلك لما كان لعرضه إلا قينة تأريخية ؛ ولما استقوها للكتابة عنه ومناقشته . إنما هو - أبو الحسن- راح بتمعن النص الثري ويطابقه على المشهد العالمي المعاصر ؛ فإذا به يرى في أمريكا - بعد سقوط الإتحاد السوفييتي - ديكتاتورا جديدا قادرا على أن يمتلك القمر فعلا لا مجازا بفضل التقدم التقني الهائل وعلوم الفضاء المتطور وبفضل انفرادها بالتحكم في الثروة العالمية ؛ وأخيرا بفضل حجتها الكلاسيكية التي تزعم أنها دولة ليبرالية تحمي وتساعد على إنطلاق طاقات الأفراد لتحقيق سعادتهم الخاصة .
آما مخرجنا المثقف ؛ فلقد أيقن أن نظاما عالميا أحادي التوجه قد حل محل النظام السابق ثنائي القطبية . وهذا النظام الجديد ستكون فيه أمريكا لورد العالم تحيط بها دول إقطاعية كبرى ( وسائل الإنتاج التي تحتكرها هي ، وصناعة المعلومات وإنتاج المعرفة) وتنزل في ظل هذا النظام الجديد الدول الضعيفة إلى مرتبة الأفنان حتى لتمنع هجرة. سكان العالم الثالث إلى دول الشمال من الآن .
فهل يعيد التاريخ نفسه ، وتتكرر مأساة عصر الإقطاع بحيث تصبح الدول الصغرى أقنانالا حق لها في الانتقال من المقاطعة ، وليس عليها إلا أن تعمل لصالح اللوردات الكبار ؟
الفعل المسرحي يجيب بالإيجاب ؛ فهو يدور على الخشبة كما لو كان يحدث بين نصف كرة تمثل الشمال ونصف كرة تمثل الجنوب . في الأولى تلمع السماء بنجومها وشمسها وقمرها ، ففيها إرادة العلو ، وفيها اللوردات ( واللورد لغة تعني الرب) وفي الثانية يقبع الظلام والمرض والجهل والفقر والعبيد .
ولكن الديكور - والديكور في المسرحية يلعب دورا فلسفيا بجانب دوره الجمالي الأخاذ- يقدم بجانب هذه الإيحاءات عمودا أيونيا ضخما ؛ كأنه يشير إلى فكرة الحتمية . ومع ذلك فهو عمود مشؤوم شرخا رأسيا يسمح بمرور الديكتاتور صاعدا !!
إلى أين ؟ إلى الفراغ . فإذا قال مفكر إمبريالي هو فوكوياما إن التاريخ قد بلغ نهايته بانتصار الرأسمالية على الاشتراكية كان الرد عليه بآن التاريخ ليس شخصا مستقلا فاعلا ؛ وإنما الإنسان وحده هو الفاعل ، وهو المدبر لحياته إيجابا وسلبا . وإذا كانت الرأسمالية قد كسبت معركة فإنها لم تبلغ ولن تبلغ مرحلة النصر النهائي ؛ فلا شئ نهائي في ذلك الكون إنما كل بنية Structure تحمل عناصرها وعلاقاتها الداخلية . وفي ذات الوقت تحمل جرثومة هدمها الذاتي وتفكيك روابطها . وما القول بأن التاريخ قد اكتمل إلا. سقوط فكرة الحتمية التي تسببت في جمود الفلسفة الماركسية وتراخي المجتمع السوفياتي واتكاله على " التاريخ" الذي سيهزم الرأسماليين وحده !
هذا التصور عن نهاية التاريخ هو بعينه الكفيل بالقضاء على البنية سواء أكانت إمبراطورية أو دولة عظمى فيًمنظومة دول مقارنة أو نظام ثنائي القطبية آو نظام أحادي . وهذا هو ما عبر عنه " شيريا" زعيم الأشراف المتآمرين قائلا: " سأشارك معكم ليس من أجل ما أصابكم من إهانات تافهة ، بل لمحاربة فكرة كبرى في انتصارها نهاية العالم "
وهي كلمة استخدمها المخرج ببراعة ؛ ليعبر بها عما يدور في أروقة الفكر في عالم ما بعد الحداثة : Post Modernity. حيث يتنبأ المفكرون بصعود الأصوليات الدينية والتجمعات العربية وانضمام بعض الدول إلى شبكات الإرهاب الدولي ؛ فضلا عن إمكانية استيلاء قوى فاشية على السلطة في بلدان متعددة تمهيدا لقيام حروب عالمية جديدة . وجميع هذه الظواهر تشكل فيما بينها الرد على " الفكرة الكبرى"
التي وافق عليها " شيريا" - من أجل محاربتها - على التآمر ضد إمبراطوره ! وتلك هي فكرة حتمية استيلاء قوة واحدة ( ديكتاتورية) على السلطة في العالم كله .
هذا الصراع الهائل عبر عنه العرض المسرحي بأدوات جمالية متعددة ، أولها الديكور الذي صممه المخرج نفسه ونفذه محمد عبد الفتاح بأسلوب غاية في الروعة بمساعدة محمد خميس وشريف دسوقي وياسر ياسين وإبراهيم رمضان ( الفرن) . وجاءت تصميمات الأزياء بإيحاءات خاصة وضعتها الفنانة فاطمة الزهراء ( حيث أراد المخرج أن يكون زي كاليجولا الرئيسي من ريش النسر ، يظهر به كاليجولا في البداية ، ومع تطور الأحداث وفي كل مرة يتخلص فيها من صديق أو عشيقة أو كبير من كبارات امبراطوريته يظهر بالزي نفسه وقد نزعت عنه عدد من ريشه ؛ للإحياء بأن تخلصه من أركان نظامه يفقده القدرة على التحليق ويشوه من صورته )
أما الممثلون فقد أجاد كل من أيمن الخشاب والسيد رجب كلاهما في دور كاليجولا بالتبادل ، وتألقت رانيا إبراهيم في دور كايزونيا رغم صغر سنها الذي عرقل خطاها قليلا في تحقيق مصداقية دور العشيقة العجوز ( رمز آوروبا بالنسبة لأمريكا ) .
ذلك عرض يثير التفكير ويدفع إلى التأمل ؛ بل محاولة
التصدي لكل نزعة ديكتاتورية في أي موقع ؛ فالاستبداد والطغيان بنية لابد من تحليلها ومراقبتها والتأثير فيها بالفعل المضاد ؛ وهذا ما يقدمه مسرح الهواة ؛ وأعموا إنه لأفضل ألف مرة من كل ما يقدمه المسرح التجاري ؛ ذلك الذي يزعم البعض أنه يتبنى أحيانا قضايا أو يتلمس مشكلات ، فالحق أنه هو ذاته مشكلة مؤرقة لكل صاحب ضمير وطني وفني .

( مهدي بندق ، مجلة المسرح المصرية ، ع ١-;-٠-;-٦-;-- سبتمبر ١-;-٩-;-٩-;-٧-;- )








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أحمد فهمي يروج لفيلم -عصـ ابة المكس- بفيديو كوميدي مع أوس أو


.. كل يوم - حوار خاص مع الفنانة -دينا فؤاد- مع خالد أبو بكر بعد




.. بسبب طوله اترفض?? موقف كوميدي من أحمد عبد الوهاب????


.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: كان نفسي أقدم دور




.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: -الحشاشين- من أعظم