الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قول الإسلام في وجود الإنسان

سيد القمني

2015 / 12 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


سيد القمني
التأملات الثانية في الفلسفة الأولى 10
قول الإسلام في وجود الإنسان ( 1 )
يحكي لنا كتاب الإسلام المقدس ( القرآن ) قصة خلق أب للبشرية باسم ( آدم ) في قوله : " وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة ، قالوا : أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك ؟ قال إني أعلم ما لا تعلمون / 30 / البقرة " .
وعلى هذا القص القرآني قيلت أحاديث وصيغت روايات ووضعت تفاسير وابتُكرت تأويلات ، جمعها وحشدها لنا : العالم العلامة والحبر الفهامة : الإمام أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي في كتابه : ( التبصرة ) طبعة المكتبة العربية بيروت ط 1 سنة 2004 ، وهو الحشد الموجز لكل ما لحق خلق آدم من أقوال وتفاسير وفيقهة ، ييسر لنا مهمة البحث والفهم والمناقشة .
يبدأ بن الجوزي تبصرته لنا بقوله : " لقد اختلف العلماء على المقصود بإعلام الملائكة بخلق آدم عليه السلام ، وجاء هذا الاختلاف على تسعة أقوال : أحدها : أنه أراد إظهار كبر إبليس ، وكان قد خفى على الملائكة لما يرون من تعبده ، رواه الضحاك وبن عباس " .
أبدا لم يوضح الله في القرآن مقصده من خلق آدم لملائكته أو لغيرهم ، لأن المفروض لأفعاله حسب مفهوم الألوهية لاتأتي نتيجة لسبب ولا تبريراً لقصد ، لأن ذلك يعني أن السبب أو القصد هو ما دفع الله إلى إتيان فعله فتنتفي عن الله حرية الإرادة ، ولو كانت أفعالة غير مسببة ولم تحدث بقصد دافع لغابت تلك الأفعال وانعدمت بانعدام الأسباب والمبررات والمقاصد ، أي تصبح أفعال الله محكومة بالأسباب مشروطة بالمقاصد ، بينما مفهوم الألوهية المتفردة يعني ضمن ما يعني عدم قيام أفعال الله على المقاصد ، لأنه مُنزه عن الاحتياج للمقاصد ، فالمقصد علة تدفع صاحبها للعمل ، وتكون السيادة للعلة والدافع كما هو حال البشر ، فالإنسان مُجبر على الهروب من الحريق والجائع مجبر على السرقة ، وعليه لا يصح أن يكون فعل الله معلولا لعلة ، ويكون طرح السؤال عن مقصد الله هو انتقاص من قدرته الكلية في فعل مايريد ، وإذا كانت الآيات لم تتطرق لإعلام الملائكة بقصده وقراره بخلق آدم ، فهو مايعني أن الله أراد ستر رغبته وعدم الإفصاح عن غرضه ، كان ممكناً أن يقول لهم ما ستره ، لكنه لم يفعل . لكن فقهاؤنا قرروا أن يفعلوا وينقبوا في المقاصد الربانية والدوافع الإلهية على عكس الإرادة السماوية .
" واختلف الفقهاء في مقصد الله من إعلام الملائكة بخلق آدم على عشرة أقوال أولها هو إظهار تكبر إبليس الذي خفى على الملائكة بسبب تعبده الظاهر " ... وهو ما يعني أن عبادته وصلواته في حضرة الإله لم تحسن من أخلاقه ولم تهذب طويته ولم تنهه عن المنكر . وقول الفقهاء الثاني في مقصد الله من إعلام الملائكة بخلق آدم ، وينسبه بن الجوزي إلى الحسن وهو " ليبلو طاعة الملائكة " ؟ ! ، كما لو أن الله ماكان ليدرك طاعتهم إلا بهذه الوسيلة الاختبارية بعمل إمتحان يجرب به طاعتهم ليعلم ؟ ! وجعل معرفة الله لقدر طاعة الملائكة لا تكون إلا بامتحان وابتلاء واختبار عملي ، والمعنى أنه لولا امتحان الطاعة هذا لظلت طاعة الملائكة لله غير مُدركة ومشكوك في مقدارها عند الله ، ومن ثم يسقط فقهاؤنا عن الله أهم صفاته أنه وحده العالم بما تخفي الصدور .
والقول الثالث في الحشد التفسيري والفقهي الذي يقدمه لنا بن الجوزي كتقرير جامع للأقوال بشأن خلق آدم وليس رأياً له ، القول هو : " أنه لما خلق الله تعالى النار ، جزعت الملائكة ، فقال : هذه لمن عصاني ، فقالوا : أو يأتي علينا يوم نعصيك فيه ؟ فأخبرهم بخلق غيرهم ، قاله بن زيد " .
يقدم بن الجوزي رواية بن زيد كتقرير وصفي لحدث وحوار قد حدث و دار في السماء بين الله والملائكة ، وصف فيه حتى ما رأى على وجوه الملائكة من مشاعر أوضحت جزعها من خلق النار ، وأدرك بن زيد هذه المشاعر كما لاحظها الله بدوره فقال لهم مهدئاً من روعهم : هذه لمن عصاني ، فذعرت الملائكة أكثر وتساءلوا جزعين : هل سنعصاك يوماً ؟ فرد باقتضاب موجز لا يفصح عن القصد ولا المقصود : أن النار خلقت لغيركم .
إذا كان هذا الحوار قد جرى فعلا فهو لابد أن يكون كلاما مقدسا يجب حفظه والتنبيه عليه كتصوير لحدث رفيع حدث في السماء بين الملائكة وذي الجلال والإكرام ، فما رواه بن زيد هو قول وكلام إلهي ولم يتم حفظه بالقرآن ، فهل يتم تصنيفه ضمن الأحاديث القدسية أم ضمن الصحيح كرواية قدسية سماوية حضرها بن زيد كشاهد مباشر ؟
لنر القول الرابع في دُرة مكتبتنا الإسلامية : " والقول الرابع أنه سبحانه وتعالى أراد إظهار عجزهم ( أي الملائكة ) عما يعلمه ، لأنهم قاسوا على حال من كان قبل آدم ، عندما قالوا : أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء " ، وهذا القول الرابع يعني أن الله يريد تأكيد المُؤكد وتعريف المُعرف ، لأن عجز الملائكة عن علم الله مؤكد لا يلزمه شرح وإيضاح ، ولو أنهم لم يفهموا أنهم أعجز من الله لكفروا ، كما أنه لايصح تفسير أفعال الإله بالقياس ، وكان قياسهم على فِعل فَعله الله من قبل آدم على الأرض ، الملائكة هنا ترجم بالغيب وتشكك في قدرة الله على إتقان الصنعة ، وتتهمه ضمنياً بالعجز ، وتظهر الله بحاجة لتقديم دليل يفيد بأنه أعلم من الملائكة وأن الملائكة أعجز منه ، بينما واقع الأمر أن كلا الطرفين يعلم ذلك وليس بحاجة للدليل ، الملائكة في هذه الرواية تجعل الملائكة تسأل الله : هل تريد تكرار خطأك الأول أيها الإله ؟ ، رواية تجعل الملائكة في مكان المُذكرين والناصحين والمخطئيٍّن والمستهجنين والمنبهين لله .
" والقول الخامس : إن الملائكة التي طردت الجن من الأرض قبل آدم ، أقاموا في الأرض يعبدون ، فأخبرهم إني جاعل في الأرض خليفة ليوطنوا أنفسهم على العزل " ...... وهنا تدبيج لمشهد سينمائي من نوع ( فلاش بك ) ، نعلم منه في لقطة من الماضي لم نكن نعلمها ، أن هناك ملائكة قد تركوا السماء وهبطوا إلى الأرض ، للقيام بمهمة جليلة وهي طرد الجن من الأرض والسكن محلهم بأمر من الله وتنفيذاً لمشيئته ، فالملائكة مخلوقين على الطاعة المطلقة ومجبولين عليها وهذه عبادتهم ، وأصل وجودهم سماوي لكنهم أطاعوا وهبطوا الأرض لطرد الجن ، فإلى أين ذهب الجن المطرودين ؟ لم يخبرنا الإمام الحكواتي ، تم طردهم وكفى ، وربما لو كان الحاكي يعلم بوجود كواكب أخرى لحل المشكلة ولقال أنها أصبحت مأوى الجن ، وطرد الجن إلى أي مكان لايغير شيئاً فسيظلون داخل كون الإله وتحت سلطانه ، ولن يحسن تغيير المكان من وضعهم ، نحن أمام مشهد لعملية غير مجدية فقد طُرد الجن من ملكوته إلى ملكوته في عالم الإله المتين ، حتى الحبكة الدرامية شديدة السخف واللامعنى ، وخيال سقيم أفلام هوليود البدائية أكثر منه احتراماً لعقل المتلقي . غرض الرواية الموجز القول بأنه قد تمت عملية تهيئة للأرض بطرد الجن بملائكة ثم أمر الله الملائكة بالرحيل عن الأرض ولم عزالهم منها للساكن الجديد آدم .
" والقول السادس : أنهم ظنوا أن الله لا يخلق خلقاً أكرم منهم ، فأخبرهم بما خلق " وهو قول يتضمن الظن في الله بالنقصان فهو كفر منهم بقدرته المطلقة ، والتي لا يصح أن تكون محل شك من حاشيته الملائكية ، هو ظن لا يجوز مع من يعيش ملكوت الله السماوي ويعرفة يقيناً .
" والقول السابع : إنه عليم بما سيكون ، ليعلموا علمه بالحادثات " ... وهو بدوره قول لغوب ، فأن يعلم الملائكة أو لا يعلموا أن الله عليم بالحادثات لن يعود على الله بشئ كي يريد تعريفهم بها ، فعلمهم وعدم علمهم لا يغير شيئاً ولا قيمة له البتة ، هذا لون من تباهي الناقص وليس الكامل الذي لو كفر به الجميع ما ضروه شيئاً ، فخُمس البشرية فقط مسلمين والغالبية الأخرى لا تؤمن به وهو مازال باقياً لم يصبه أذى ولا ضرر ، ومن ثم يكون إعلام الملائكة بخلق آدم لم يكن مقصداً ربانياً ، وإلا كان إعلامهم بخلق السماوات والأرض هو الأجدى والأولى .
" والقول الثامن : أنه أراد تعظيم آدم بذكره قبل وجوده " ... وهو قول غريب مع مخلوق عصى ربه وجوزي بالطرد من الجنة ، خاصة أنه قد عصى وأفسد عن قصد وإرادة وتدبر ، وحسب الحكاية أنه طرد هو وحواء والحية وإبليس معهم إلى الجوع والعري والمرض والجهل والشقاء ، في صراع دائم مع إبليس رفيق السماء والأرض ، ولم يقتصر الصراع على المُذنب وحده ، إنما امتدت اللعنة لتلاحق ذريته من بعده بوجود إبليس معهم على الأرض حتى نهاية الأزمان . هذا القول يعني أن الله قرر سلفاً تعظيم من سيعصاه مستقبلا ، حتى أنه اضطُر إلى طرده كما لو كان لا يحسن التقدير فيُعظم من لا يستحق ، ويكون استنكار الملائكة للقرار الإلهي بخلق آدم هو الصواب وأنهم أبعد نظراً من ربهم .
" والقول التاسع : أنه أعلمهم أنه خلقه ليُسكنه الأرض وإن كان ابتداء خلقه في السماء " ... وهو ما يعني أن الله لم يجعل الأمر سهلا على آدم فقد أنزل معه إبليس دون أن ينال عقوبة الخلود في النار ، إنما الخلود على الأرض ليطارد ذرية آدم ولا عمل له على الأرض سوى تدمير ما يعمره بنو آدم ، الله كلف آدم بالإعمار وكلف إبليس بالدمار ، فأي تكريم هذا ؟
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - يجب القضاء على الاسلام.
احمد حسن البغدادي ( 2015 / 12 / 20 - 21:13 )
يقول حمزة كاشغري، الكاتب والمحامي السعودي :

انه لاحرية ولا ديمقراطية ،الا على جثة محمد .

أنا موءمن بهذه المقولة،

انه لا حرية ولا ديمقراطية الا على جثة محمد وقرآنه ،

اي القضاء على الاسلام .

هل من معترض داعشي على ذلك ؟

فليذهب مليار مسلم الى الجحيم، اليست تلك أمنيتهم ، بلقاء حور العين ؟

تحياتي لك ذي عقل ؟


2 - صور خلق أدام
س . السندي ( 2015 / 12 / 20 - 21:57 )
بداية تحياتي لصاحب القلم الجريء الاستاذ سيد القمني وتعقيبي ؟

1: رجائي للأخ المسلم فقط البحث عن عدد صور خَلَق أدام قبل الخوض في متاهات المفسرين ليكتشف بنفسه التناقص فيها ، فمرة خلقه من تراب ، ومرة أخرى من طين ، وأخرى من طين صلصال ؟

2: وأخيراً ...؟
ليعبد المسلم مايشاء ولكن لا يفرض على غيره هذا الجهل والبلاء ، سلام ؟


3 - مرحله جديده
كامل حرب ( 2015 / 12 / 21 - 00:23 )
الدكتور سيد القمنى , فى تقديرى اننا ازاء مرحله فكريه متقدمه وجريئه تحدث , نعم قريبا جدا سوف يتخلص الجميع من مفكرى العرب ومتحررى الفكر من الخوف والرعب والتحدث بحريه واريحيه عن هذا الذى يسمى محمد الصنم البدوى , انها حتميه التطور الانسانى وعجله التاريخ , انه من غير الطبيعى ان المسلمين على طوال الف وربعمائه عام وهم يعبدوا هذا الصنم البدوى بدون اعمال العقل والتفكر والتحرر من هذه الخرافات البدويه العتيقه والتى تم فرضها علينا بحد السيف , لقد كنا سجناء للرعب والخوف ,الان يبدو ان الجنى خرج من القمقم ولن يعود اليه ابدا , شكرا لثوره المعلومات والتى سوف تدق اخر مسمار فى نعش محمد الارهابى وافكاره الدمويه وعقيدته العفنه التى من الممكن ان تفجر حرب عالميه ثالثه


4 - الخلق ارادة ولولاالارادة لماكان خلق
عبد الله اغونان ( 2015 / 12 / 21 - 00:39 )

فقبل خلق ادم خلق الملائكة

منطقيا لامعنى لقولك

لوكانت أفعال الله مرتبطة بأسباب مالما وقع الاعجاز في الخلق من عدم قبل وجود أسباب ومايسمى

سنة الله في الخلق.اذ الخلق أول والأسباب تابعة

في معجزات الرسل باذن الله تنتفي الأسباب فعيسى يحي الموتى باذن الله ومحمد كل معجزاته باذن

وهي كلها غير مرتبطة بالأسباب الطبيعية المعروفة

بل في واقعنا المادي ظواهر غير خاضعة للأسباب الطبيعية التواترة

ما أدراك أن الله قد عرف بعد ذلك الملائكة بأن البشر قد يسفك بعضهم دم بعض

اخر الافلام

.. الجماعة الإسلامية في لبنان: استشهاد اثنين من قادة الجناح الع


.. شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية




.. منظمات إسلامية ترفض -ازدواجية الشرطة الأسترالية-


.. صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها




.. كاهنات في الكنيسة الكاثوليكية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24